القوة التدميرية للذكاء الاصطناعي ستجتاح مساحة المعلومات هذا العام

خاص – إذاعة وتلفزيون الخليج

اتجاهات وتوقعات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا في تقرير معهد “رويترز 2024م”

في 9 يناير بداية هذا العام 2024م، صدر تقرير “معهد رويترز” السنوي “اتجاهات وتوقعات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا 2024م”، الذي يحرره “نك نيومان”، المحرر الرئيسي لتقرير الأخبار الرقمية السنوي، وهو  مستشار معروف – أيضًا – في الوسائط الرقمية وإستراتيجيات الأعمال للتحول الرقمي.

في هذا التقرير الذي استند إلى استبيان شمل (314) قياديًّا إعلاميًّا في (56) دولة، من بينهم (76) رئيس تحرير، و(65) مدير مؤسسة إعلامية، و(53) مدير موقع صحافي إلكتروني، يرى نيومان: “أن القوة التدميرية للذكاء الاصطناعي ستجتاح مساحة المعلومات هذا العام في وقت يشهد فيه العالم تقلبات سياسية واقتصادية شديدة في جميع أنحاء العالم، ومن المرجح أن تكون الآثار المترتبة على موثوقية المعلومات واستدامة وسائل الإعلام الرئيسية عميقة في عام يشهد انتخابات حاسمة في أكثر من (40) ديموقراطية، مع استمرار الحروب في أوروبا والشرق الأوسط”.

خلاصات 2024م

أما أبرز الأمور التي تطرق إليها التقرير، فتشمل ما يلي:

-(47%) من المشاركين من المواقع الإلكترونية عبّروا عن ثقتهم الكبيرة بمستقبل الصحافة، بينما عبر (12%) فقط عن ثقتهم المحدودة، واستند آخرون في ذلك إلى ارتفاع التكاليف، وتراجع الإعلانات، وبطء نمو الاشتراكات في الصحف، وتخوف (63%) من المشاركين من حدوث انخفاض حاد في الدخول إلى وسائل التواصل.

-الصحافة في العالم تواجه مزيدًا من الاضطرابات، ويتوقف عدد من الصحف اليومية، وتغلق بعض القنوات ما لم ترتبط بمنصات رقمية، وسيشهد عام 2024م إطلاق أجهزة جديدة تكسر اعتمادنا الجاري على الكمبيوتر والهاتف، ويدخل التفاعل البشري مع الإعلام الرقمي حقبة جديدة يتزايد فيها الاعتماد على أنماط جديدة، مثل: “الأوامر الصوتية، وحركات العين، وإيماءات اليد”، أو ما يطلق عليه اسم “الحوسبة المحيطة”.

-الخطر المزدوج لظاهرتي تجنب الأخبار والإرهاق الخبري، يظلّ مصدرًا رئيسًا لقلق مؤسسات الأخبار الراغبة في الحفاظ على الاهتمام على الأخبار القادمة من غزة وأوكرانيا ضمن الأخبار الصعبة.

-الإستراتيجيات التي يعتبرها الناشرون مهمة لمواجهة التحديات، لإعطاء شرحٍ أفضل للقصص الخبرية المعقدة، ومنح مساحة للقصص التي تعطي حلولاً، والقصص الإنسانية، فتغيّر المناخ، على سبيل المثال، يقلق غرف الأخبار بعد ابتعاد الجمهور عنه.

إعادة تفكير

على وقع هذه الخلاصات، ومع وجود توقعات تشير إلى أن الغالبية العظمى من جميع محتويات الإنترنت سيتم إنتاجها بشكل صناعي بحلول عام 2026م، سيحتاج الصحفيون والمؤسسات الإعلامية إلى إعادة التفكير في دورهم وهدفهم بشكل عاجل.

سيكون هذا هو العام الذي ستبدأ فيه تجارب البحث التوليدية (Search Generative Experiences) في الانتشار عبر الإنترنت، إلى جانب مجموعة من روبوتات الدردشة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتي ستوفر طريقة أسرع وأكثر سهولة للوصول إلى المعلومات.

وبعد الانخفاض الحاد في حركة الإحالة من فيسبوك وإكس “تويتر سابقًا”، من المحتمل أن تؤدي هذه التغييرات، بمرور الوقت، إلى تقليل إقبال الجمهور على المواقع الإخبارية الأصيلة والراسخة، كما سيتطلع الناشرون إلى وضع قد يقللون فيه اعتمادهم على منصات التكنولوجيا العملاقة ويبنون علاقات مباشرة أوثق مع العملاء المخلصين.

الصوت والفيديو في الطريق

يتوقع التقرير تغيير أشكال الأخبار والمزيد من الصوت والفيديو في الطريق، فعلى مدى السنوات الـ(20) الماضية، كانت المقالة هي الأساس في الكيفية التي تتدفق بها المعلومات الإخبارية على الإنترنت، فالمقالات المستندة إلى النصوص قابلة للبحث والربط بسهولة، كما تتجمع التفاعلات حولها، علاوة على أنها مثلت حصة الأسد في عملية تحقيق الدخل للمؤسسات الإعلامية، فيما اتخذت التنسيقات الأخرى، مثل: “الصوت، والفيديو” مقعدًا خلفيًّا في الغالب.

لكن في السنوات الأخيرة بدأ هذا يتغير، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى الأجهزة الرقمية الجديدة، وجزئيًّا بسبب ظهور منصات متخصصة في إنشاء الصوت والفيديو واكتشافهما وتوزيعهما، وجزئيًّا لأن العديد من المستهلكين الأصغر سنًا يظهرون تفضيلاً لاستخدام هذه الوسائط على النص.

ويتحدث بعض الناشرين عن هذا التحول في الشكل باعتباره “مرحلة ثانية” في الثورة الرقمية؛ لأنه بالنسبة للعديد من غرف الأخبار القديمة، سيتطلب تحولاً ثقافيًّا كبيرًا بعيدًا عن النص نحو إنتاج الوسائط المتعددة، وتخطط معظم المؤسسات الإعلامية لإنتاج المزيد من مقاطع الفيديو، والمزيد من البودكاست، والمزيد من النشرات الإخبارية في عام 2024م، وعلى نطاق واسع نفس العدد من المقالات النصية.

ويمكننا بناءً على ذلك أن نتوقع رؤية محاولات حثيثة لإشراك الشباب في المنصات التي يقضون فيها الوقت، مثل “تيك توك”، وستتعلق هذه المبادرات بشكل أساسي بمحاولة بناء علاقات بدلاً من كسب المال، وسيتطلع الناشرون بشكل متزايد إلى إعادة تقنيات سرد القصص هذه إلى مواقعهم وتطبيقاتهم الإخبارية، وسيظل رواة قصص الفيديو القصير (اليوتيوبرز) مطلوبين بشدة في عام 2024م.

البودكاست المدفوع

في السنوات الأخيرة، انتشرت منتجات “البودكاست السياسية”، مما غذى مصالح المستخدمين الأكثر اهتمامًا، وقدم للسياسيين فرصة متعمقة لعرض وجهات نظرهم في شكل أقل صدامية، ويتم الآن تصوير العديد من هذه البودكاستات، مما يسمح لها بالوصول إلى جمهور أكبر عبر منصات، مثل: “يوتيوب”، ويقوم المنتجون بشكل متزايد بإنشاء مقاطع مميزة، غالبًا ما يتم توزيعها عبر “تيك توك”، و”إكس”، ومنصات أخرى.

في السياق بدأ بعض منتجي البودكاست المستقلون، مثل: “أليستر كامبل”، و”روري ستيوارت” في تسجيل العروض الحية على “يوتيوب”، بينما يقوم المذيعون مثلما في “بي بي سي” مثلاً بتحويل البودكاست إلى تلفزيون “نشرة أخبار بي بي س”، وهذا من شأنه أن يزيد من طمس الخط الفاصل بين “البودكاست السياسي” والبرامج الحوارية التلفزيونية التقليدية.

التقرير يشير إلى الجوانب المتعلقة بتحقيق الأرباح من “البودكاست” ويرى أنه بينما كانت منتجات “البودكاست” مجانية تقليديًّا، يمكننا أن نتوقع رؤية انتقال آخر إلى النماذج المتميزة في عام 2024م، ومع تركيز معظم المعلنين الكبار على أفضل (100) بودكاست، فإن أولئك الذين لديهم جمهور أقل، سيجدون صعوبة في جني الإيرادات.

توقعات وتحديات

أما أهم التوقعات بناءً على تقرير رويترز، فقد جاءت كما يلي:

يتوقع التقرير أن يشهد عام 2024م، تغييرًا كبيرًا في العلاقة المعقدة بالفعل بين وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، فقد أصبح المؤثرون أكثر شعبية، ونتيجة لذلك، فمن المرجح بشكل متزايد أن تجتذب المعلومات التي تنشرها اهتمامًا أكبر من الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام التقليدية، لقد تغير توزيع الأخبار بشكل جذري في السنوات الأخيرة مع زيادة شعبية التطبيقات التي تركز على الفيديو، مثل: “تيك توك” و”يوتيوب”.

وتعكس النتائج التي توصل إليها التقرير بأن البيانات تشير إلى التحول إلى نظام بيئي أكثر تعقيدًا لتوزيع المعلومات، واستجابةً لذلك يعمل ناشرو الأخبار على توسيع الطريقة التي يصلون بها إلى مستهلكي الأخبار، على سبيل المثال من خلال استخدام قنوات بث “واتساب” لإرسال محتوى مخصص.

توقع آخر يرى أن تهديد الذكاء الاصطناعي سوف يتزايد وسيظل مصدر إزعاج كبير في عام 2024م، ويُظهر التقرير أن العديد من المؤسسات الإخبارية والصحفيين يشعرون بالقلق الشديد بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي، خاصة أن هذه التكنولوجيا ستغير إنتاج المحتوى، يعتقد المشاركون أن استخدام الذكاء الاصطناعي، باستثناء المهام المساعدة البسيطة، يهدد بتعريض النزاهة الصحفية للخطر وثقة القراء.

والتهديد الآخر من الذكاء الاصطناعي هو التدخل في البحث، أو قدرة الذكاء الاصطناعي على استبدال وسائل الإعلام الإخبارية التقليدية عندما يبحث القراء عن المعلومات، يقول نيومان:  “يرى بعض الناشرين أن هذا يمثل تهديدًا وجوديًّا لأن التجارب الناتجة عن البحث ستحل محل بعض الأشياء التي تفعلها شركات الإعلام”.

التقرير أكد أن تأثيرات الذكاء الاصطناعي ليست معروفة بالكامل بعد، وهذا يحد من القدرة على التنبؤ بكيفية رد فعل صناعة الأخبار، والسؤال الرئيسي هو “ما مدى سرعة ومدى قدرة الذكاء الاصطناعي على تعطيل نماذج الأعمال هذه؟ وهذا يعتمد على كيفية رد فعل وكالات الأنباء.

أخيرًا يتوقع التقرير تطور نماذج صحفية جديدة، حيث تبحث المؤسسات الإخبارية عن طرق جديدة لضمان الاستقلال المالي، فهم يقدمون الآن نماذج الاشتراك، بما في ذلك المحتوى المجمع، وهو نموذج يجمع أنواعًا مختلفة من المحتوى في اشتراك واحد، ومع استمرار انخفاض عائدات الإعلانات، تستهدف معظم وسائل الإعلام أولئك الذين يستطيعون دفع ثمن أخبارهم، وهذا الوضع يؤدي إلى عدم تمكن شريحة كبيرة من الناس من الوصول إلى الأخبار، إضافة لذلك يكمن التحدي في كيفية تمويل الصحافة التي تكون في متناول الجميع.

ستكون التطورات هذا العام في غاية الأهمية لفهم كيفية استجابة الصحف التقليدية للتغيرات في عادات القراء والتطورات التكنولوجية، كما أنه من المرجح أن تسعى المؤسسات الإخبارية إلى إقامة علاقات مباشرة أكثر مع عملائها وسط هذه التغييرات.