الذكاء والإنسان

مجرّّي بن مبارك القحطانيمدير عام جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج

من المسلمات وليس بالجديد القول إن تطور الذكاء الاصطناعي وتنامي استخداماته في كافة المجالات، ومنها الإعلام سيؤثر على الحياة البشرية وسيغير وجه المستقبل وسيؤكد استمرار وتطور الصراع بين الآلة ومخترعها (الإنسان).

كثير من التحليلات والدراسات ربطت هذا الصراع بالبطالة والتأثيرات الاقتصادية، ولكن الأمر أكبر وأعم ..!!

بدأ الصراع بين الإنسان والآلة  في المجال الإعلامي منذ اختراع الطابعة على يد الألماني “يوهان غوتنبيرغ” في القرن الخامس عشر الميلادي، ليدشن حدثًا فارقًا في التاريخ الإنساني.

الطابعة أحدثت أثرًا وتغيرًا في الكتابة والخط اليدوي، واستخدامات الريشة والحبر والأقلام، ولكنها لم تلغيها أبدًا.. ما حدث أنه سرع الإنجاز واختصر الزمن، وفي أواخر القرن الماضي أتى اختراع الكمبيوتر والإنترنت لتتعزز المخاوف الاقتصادية قبل أن تصل إلى إعادة التحذير من سيطرة الآلة على الإنسان.

الخوف الاقتصادي سبق الكثير من المخاوف الأخلاقية والعملية والمستقبلية والوجودية، لأن الذكاء الاصطناعي في سباق وتحدي مع العديد من المهن والأعمال التي ظلت لسنوات مهيمنة على المشهد والمشاهد، ومن أهمها مراكز التفكير والدراسات وشركات تحسين الصورة، وقياس الرأي العام، وصحافة البيانات، والترجمة والأخبار، وصناعة الأفلام والمسلسلات والتأليف الموسيقي ومئات من المهن.

في اعتقادي أن الإعلام أكثر وأسهل الوسائل تفاعلاً مع قفزات الذكاء الاصطناعي نحو مستقبل تستطيع الآلة قراءة أفكار الإنسان وتحديد اهتماماته وتلبية رغباته، أصبحنا نلاحظ هذا الاتجاه خلال تصفح وسائل التواصل الاجتماعي التي تدون وتستدل على اهتمامك بالاعتماد على التكرار، وقد تصل مستقبلاً إلى فهم العقل وترجمة لغة العين وبصمتها، وحتى تحليل حركة الهواء في المكان أثناء الكلام أو المكالمات وتحويلها إلى نص مفهوم ومحدد يستبق أي حدث.!!

الذكاء بشكل عام هو فطرة واحتياج في الماضي والحاضر والمستقبل، ولكن اندماج الذكاء مع الآلة قد تكون له مخاطر كبيرة على الإنسان والحياة وقد تصل إلى السيطرة والانقياد التام، كما كنا نشاهدها سابقًا أو كما اسموها صناعها بـ”أفلام الخيال العلمي”، وهي في الحقيقة أفلام تواكب تطور الإنسان وتنامي الاعتماد على الآلة.

المستقبل يدعونا إلى الخيال بلا حدود، لأن الحياة مستمرة والتغيرات متلاحقة والقادم أكثر إدهاشًا وخطورة في حال هيمنت الآلة على صانعها ومشغلها، وأصبحت تدير وتطور وتغير نفسها لأنها في هذه الحالة لن تغير المهن والاهتمامات، بل ستدمر الحياة الإنسانية بشكل مأساوي وخارج عن السيطرة ومخالف لحادثة من صنعوا في الجاهلية لهم أصنامًا من تمر ليعبدوها وعندما جاعوا أكلوها..!!

على طاري التمر أو “المعمول”. مؤكد أن الآلة ستحسم الجدل حول من قائل هذا البيت:

لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه 

‏لن تبلغَ المجدَ حتى تلعَق الصَّبِرًا