التكامل الإعلامي.. بث مباشر لروح التعاون، من الذكريات البرامجية إلى المنصات الرقمية

ظل الإعلام شريكاً رئيساً لمسيرة المجلس منذ انطلاقه، ومع توالي الظروف والمراحل كانت المسؤوليات الإعلامية تزيد أهمية في القيام بدورها على الوجه الأكمل، في سياقات عديدة مقروءة ومرئية ومسموعة، ورقمية فيما بعد، تبدأ من تغطية الحدث وتمر بتوثيق المنجز ولا تنتهي ببناء المعرفة والوعي في إطار العمل الخليجي المشترك، غير أن ذلك كله لم يكن سوى جزء من الصورة التي كان الإعلام نفسه فيها أحد أهم مسارات التعاون وأكثرها نجاحاً بين دول المجلس.

حين تخلق برامج شهيرة مثل “سلامتك” و “افتح يا سمسم” و”خليجنا واحد” و”السهرة الخليجية المشتركة” ارتباطها الذهني لدى ملايين المشاهدين في الخليج على مدى العقود الماضية إلى الحد الذي تتحول فيه إلى جزء وثيق من طفولتهم، فإن التفسير هنا لا يتعلق فقط بطبيعة التلفزيون القريبة من وجدان المتلقي ولا بكونه المصدر الإعلامي الأكثر شعبية في حياة جيل الثمانينات والتسعينات، وإنما يمثل ذلك دلالة واضحة على أن التعاون الإعلامي قد بدأ مبكراً بين دول المجلس، وقد كان له وصوله المؤثر بحيث يتذكر الناس تلك الأعمال وارتباطها بعبارة “الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية”.

لا ينفصل هذا عن نجاح أغنية “خليجنا واحد” ولا عن فترات البث المشتركة أو اتفاقيات التبادل التي كان فيها المذيعون يقدمون النشرات الإخبارية في دول خليجية مختلفة، فقد أصبحت هذه الملامح اليوم أرشيفاً موحداً لدول المجلس، تجلى خلاله التعاون الفني والثقافي البناء، وتم توظيفه في نشر الوعي الصحي والتربوي، ولم يغب بالفعل عن تغطية قمم القادة ومستجدات التعاون، في حين كانت أحد أهم فوائده تجسيد الهوية الخليجية المشتركة أمام أعين المشاهدين لتصل إلى عقولهم وقلوبهم، ومنحهم تصوراً حقيقياً عن قيمة العمل معاً بين دول المجلس، والإبداع معاً

.

صناعة وتطوير

وفي الوقت الذي أصبح فيه الخليج العربي مركزاً للصناعة الإعلامية وبات فيه الإعلاميون الخليجيون من أصحاب الحضور المتميز، ومع تحقيق الإعلام قفزات نوعية في العالم أجمع، استمرت دول المجلس في تطوير استراتيجيات عملها المشترك في المجالات الإعلامية مع الاستجابة لواقعه الجديد وفرصه المستقبلية، مع التركيز على قيم ومكتسبات أساسية، تشمل تعزيز التعاون وفرص الوحدة بين دول المجلس، وتعميق المواطنة الخليجية ودعم ترابط المجتمع الخليجي وأمنه واستقراره، فضلاً عن رفع الوعي المجتمعي وتنمية التكامل والتعاون بين المؤسسات الخليجية.

ويتضمن العمل الإعلامي المشترك بين دول المجلس تبادل البرامج والمواد الإذاعية وتبادل الزيارات بين مسؤولي مؤسسات الإعلام والإعلاميين وتفعيل المهرجانات والجوائز الإعلامية الخليجية التي كانت محل تقدير كبير في أوساط العمل الإعلامي خلال السنوات الماضية، فضلاً عن التوسع في الإنتاج المشترك والندوات والدراسات والدورات التدريبية، واستمرار تسليط الضوء على الأعياد الوطنية للدول الأعضاء.

لقد مثلت المنصات الرقمية ثورة حقيقية في عالم الإعلام مع مطلع الألفية الجديدة، الأمر الذي جعل من الضروري على الإعلام الخليجي أن يتفاعل بإيجابية مع هذا التغيير والتكيف مع وسائله ذات الوصول الأسرع والتأثير الأكبر، ليس فقط على مستوى تشكيل الرأي العام، وإنما كذلك على مستوى صناعة القرار وفهم واقع المجتمعات وأنماط حياتها وتفكيرها، وتعد الشبكات الاجتماعية اليوم أحد النوافذ التي تطل من خلالها برامج مجلس التعاون ومشروعاته المشتركة على المتابعين، عارضة أحدث الأخبار والإحصائيات والإنتاجات الفنية والرسائل التوعوية.

في جانب آخر، يضطلع الإعلام الخليجي سواء في الدول الأعضاء أو على مستوى الأمانة العامة، بدور مهم في صناعة محتوى يعكس التراث الثقافي والمنجزات الحضارية في دول المجلس، وعرض مسيرة مجلس التعاون خلال أربعين عاماً نحو تحقيق تطلعات شعوب الخليج، وكذلك التمهيد المعرفي بأبرز مشاريع التعاون المستقبلية، ومن ذلك السوق الخليجية المشتركة، والعملة الموحدة، بالإضافة إلى تعزيز نجاحات الدول الأعضاء إعلامياً، ومواصلة وضع الجمهور في صورة كل ما يستجد في مسارات العمل الخليجي المشترك في كل المجالات.