شهدت الأسابيع الماضية تحولاً خطيرًا في صناعة الإعلام الرقمي، وسط مجموعة من العوامل السلبية التي باتت تؤثر بقوة على سوق الوسائط الجديدة، فقد اتخذ العملاقان الرقميان (بازفيدBuzzFeed ) و(فايس ميدياVice Media ) خطوات جذرية لتعديل إستراتيجيات أعمالهما، “بازفيد” أغلقت “بازفيد نيوز”، كذلك تقدمت (فايس ميدياVice Media ) بطلب لإفلاسها وبيعها نفسها إلى “كونسورتيوم” من المستثمرين.
في 20 أبريل 2023م، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة “بازفيد” جونا بيريتي، في مذكرة داخلية إغلاق الفرع الإخباري “بازفيد نيوز”، الذي يُعد أحد رموز وسائل الإعلام الجديدة على الإنترنت، كجزء من عمليات تسريح العمال على مستوى الشركة، فقد كتب بيريتي في مذكرة للموظفين “نقلص اليوم عدد الموظفين بنسبة (15%)… ونبدأ عملية إغلاق بازفيد نيوز”، وتركيز جهودنا الإخبارية على منصة (هف بوست HuffPost)، التي استحوذت عليها الشركة في عام 2020م، مضيفًا: في حين تتم عمليات تسريح في جميع الأقسام تقريبًا قررنا أن الشركة لم تعد قادرة على الاستمرار في تمويل “بازفيد نيوز” كمنظمة مستقلة”.
وفي نهاية نفس الشهر أبريل، أعلنت شركة “فايس ميديا”، وهي شركة ووسائط رقمية أمريكية كندية، لطالما تم الاستشهاد بها كأكبر شركة إعلامية شبابية مستقلة في العالم، أنها ستلغي برنامجها الشهير “فايس نيوز تونايت”، كجزء من إعادة هيكلة واسعة ستؤدي إلى تخفيضات مؤلمة في المجموعة.
في ذلك قال الرئيسان التنفيذيان للشركة بروس ديكسون، وجوزيفا لوخاندوالا، في مذكرة للموظفين: “إن هذا الإجراء يأتي بالتزامن مع ظروف السوق الحالية وحقائق الأعمال التي تواجه مجموعة (فايس ميديا)، وصناعة الأخبار والإعلام الأوسع نطاقًا، لذلك كان القرار ببعض التخفيضات الضرورية والمؤلمة”، بينما شددا على أهمية وجود الأخبار؛ لأنها عنصر جوهري في العمل.
وعلى الرغم من عدم معرفة العدد الفعلي المتضرر من هذا القرار، فإن هذه التخفيضات ستؤدي إلى خسارة العشرات من الموظفين وظائفهم، كما سيتأثر مكتب الشركة في واشنطن، وفقًا لما أورده أشخاص مطلعون على الأمر لشبكة “سي إن إن”، التي نشرت تقريرًا في خدمتها الاقتصادية بالعربية، وهي تقول: المؤكد أن فرق الأخبار ستتأثر من إعادة الهيكلة هذه، فالشركة ستلغي “فايس وورلد نيوز”، وعملياتها تحت مظلة “فايس نيوز”، إضافة إلى وحدة الصوت الخاصة بها وفريق الفيديو.
في 25 مايو 2023م، أسدل ستار النهاية على برنامج “فايس نيوز تونايت” في بثه الأخير، بعد رحلة استمرت سبع سنوات متواصلة، وألف حلقة، أثمرت عن فوزه بالعديد من الجوائز، وأكبر عدد من ترشيحات جائزة “إيمي” لمدة خمس سنوات متتالية.
جاء ذلك في الوقت الذي تستكشف فيه الشركة إمكانية عرضها للبيع، إذ قالت نائبة الرئيس التنفيذي لـ”فايس نيوز”، سوبراتا دي: “إن هذه التخفيضات تأتي نتيجة للواقع المالي الصعب الذي يتحدى الأعمال، في خضم عملية المبيعات والتغييرات لنموذج التمويل لدينا”.
كانت “فايس ميديا” تورطت في العديد من الصعوبات التجارية والتغييرات التنفيذية، بما في ذلك استقالة المؤسس المشارك شين سميث عام 2018م، ورحيل خليفته، الرئيسة التنفيذية نانسي دوبوك، في وقت سابق من العام الجاري، بذلك فإن “فايس ميديا” تنضم إلى أغلب شركات الأخبار والترفيه والتكنولوجيا الكبرى التي اضطرت إلى تقليص قوتها العاملة في الأشهر الأخيرة؛ بسبب التحديات الاقتصادية القاسية.
تقول جين مارتنسون، وهي كاتبة رأي بصحيفة الغارديان البريطانية: بعد أن استثمر روبرت مردوخ عشرات الملايين من الدولارات في شركته للنشر الرقمي في عام 2013م، ضحك شين سميث، رئيس فايس ميديا، على مدى رغبة شركات الإعلام القديمة في نموذج العمل الشاب الذي يقوده، كان سميث يرى في ذلك الاهتمام اعترافًا منهم بأنهم تخلفوا عن الركب، لذلك سيعرضون المليارات.
بعد ذلك بوقت قصير، كان جونا بيريتي من بازفيد، أقرب منافس لسميث على جذب انتباه الأثرياء، في لندن للحديث عن خطط يقودها لهيمنته العالمية، لكن الآن يفكر الجميع في تدني قيمة “فايس ميديا وبازفيد”، كذلك تقدمت “فايس” بطلب للحماية من الإفلاس.
فبعد أسابيع قليلة فقط من إغلاق “بازفيد” لمنصتها الإخبارية التي سعت ذات مرة إلى منافسة أكبر الأسماء في الأخبار، ومعها كل شركات الوسائط الرقمية – التي تم الترحيب بها ذات يوم باعتبارها مستقبل الأخبار – تساوي الآن جزءًا صغيرًا من أعلى مستوى وصلت إليه في السوق، ومن المتوقع أن يتم شراء “فايس ميديا”، التي تقدر قيمتها بنحو (6) مليارات دولار بعد فترة وجيزة من استثمار مردوخ، مقابل حوالي (225) مليون دولار من قبل المقرضين المتبقين.
تقول مارتنسون: “إن السبب وراء هذه الانحدار المفاجئ، بسيط نسبيًّا، وإن كان لا يزال مفجعًا لكل أولئك الذين يواجهون البطالة الآن، فقد أحرقت “فايس” كل الأموال التي أنفقها المستثمرون عليها ولا يزال لديها الكثير من الديون المستحقة (834) مليون دولار، لدرجة أن ارتفاع أسعار الفائدة جعل مستقبلها غير مستدام، للدرجة التي لم تمنعها من الكفاح من أجل كسب ما يكفي من المال، مضيفة: إن كلا النموذجين تغذى على فكرة أن الوصول إلى الجمهور كان كل شيء، وأن الإعلان الرقمي سيكون كافيًّا لدفع ثمن كل المحتوى الذي يستهلكه جيل تم إعداده على الحاجة إلى التحديثات المستمرة، لقد سخرت شركات وسائل التواصل الاجتماعي التي ولدت على شبكة الإنترنت من المجموعات الإعلامية القديمة بتكاليف الطباعة العالية، وقدمت رابطًا للقراء الأصغر سنًا الذين لم يعودوا يقرؤون الصحف أو يشاهدون التلفزيون.
ويقول جوزيف تيسدال، رئيس قسم التكنولوجيا في Analysis Enders: إن بعض المشكلات التي واجهها الزملاء الرقميون تلك الفترة التكوينية، هي أنهم ظلوا “يقدمون عروضًا جيدة لا تزال تبحث عن خطة عمل”، ويرى – أيضًا – أن المستثمرين سينفقون الأموال بسعادة على أمل النجاح في المستقبل، ولكن فقط لفترة زمنية محدودة.
وبلغة الارقام كتبت آنا نيكولاو وسوجيت إنداب في صحيفة فايننشال تايمز، عندما وضع مستثمرو الأسهم الخاصة ما يقرب من نصف مليار دولار في “فايس ميديا” عام 2017م، ألمح المؤسس المشارك شين سميث إلى أن الأموال النقدية ستساعد شركته الإعلامية الرقمية على تحقيق طرح عام “سيبدو مثيرًا للغاية”.
ولسنوات، كان يُنظر إلى “فايس” على نطاق واسع على أنها مستقبل وسائل الإعلام، لذلك كان الهدف من ضخ السيولة بقيادة مجموعة الأسهم الخاصة (تي جي بي TPG) وشريكها في ذلك الوقت (سيكس ستريت Sixth Street) هو دفع الشركة نحو طرح عام أولي قوي أو بيع بمليارات الدولارات، بدلا من ذلك حدث العكس، فبعد سلسلة من النتائج المخيبة للآمال، وسنوات من الإدارة الفوضوية، والمساعي المحفوفة بالمخاطر وأزمة السيولة، تقدمت “فايس” بطلب إعلان إفلاسها.
ونعود إلى تيسدال الذي يكشف عن وجهة نظر مثيرة يقول فيها: من الواضح – أيضًا – أن منصات التواصل الاجتماعي مثل: “فيسبوك وغوغل” أثبتت أنها مصادر تمويل غير موثوقة، وبدون أي عقوبة حقيقية، يمكن لفيسبوك ببساطة تبديل خوارزميته للتوقف عن الترويج للقصص الإخبارية، في حين كان لا بد من إقناع “غوغل” بالتمييز وأهمية التحرير الصحفي مقابل الإعلان.