تنافس محموم بين محركات البحث في استخدام الذكاء الاصطناعي

خاص – إذاعة وتلفزيون الخليج

بعد ظهور “شات جي بي تي”، الذي طورته شركة “أوبن أيه أي” (OpenAI)، حدث تحرك محموم بين الشركات المشغلة لمحركات البحث لإحداث نقلة سريعة نحو استخدام الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يكون مسؤولاً عن كل شيء، بدءًا من نتائج البحث التي تراها إلى الموضوعات ذات الصلة التي تشجع على استكشافها بشكل أكبر.
في 6 فبراير 2023م، أعلنت “غوغل” عن (بارد Bard)، وهو روبوت محادثة ذكاء اصطناعي توليدي، للمحادثة مدعوم من (لامادا LaMDA)، وهي عائلة من نماذج اللغات الكبيرة التخاطبية التي طورتها “غوغل”، وقد تم طرح “بارد” لأول مرة لمجموعة مختارة من “المختبرين الموثوقين”، قبل إصداره بشكل واسع النطاق، ويشرف عليه “جاك كراوتشيك” (Jack Krawczyk)، الذي وصف المنتج بأنه: “خدمة تعاونية للذكاء الاصطناعي” أكثر من كونه محرك بحث.
في 10 مايو 2023م، وخلال مؤتمر مطوري “غوغل” السنوي في ماونتن فيو، في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، عرض سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، ما كانت تعمل عليه فرقه الداخلية خلال العام الماضي، مشيرًا إلى أن هذه الدورة كانت ثقيلة بشكل خاص على الذكاء الاصطناعي وما يسمى بنماذج اللغة، وهي الجزء الأكثر سخونة في صناعة التكنولوجيا.
ما أُعلن في مؤتمر “غوغل” والتطورات التي ظهرت في محرك “بينغ” التابع لمايكروسوفت وصفت في الصحافة بأنها سباق بين الشركتين العملاقتين في مجال الذكاء الاصطناعي، فبعد سنوات من هيمنة “غوغل” في مجال التكنولوجيا المعلوماتية الطليعية، نجحت منافستها “مايكروسوفت”، التي تتقدم عليها أصلاً في التقنية السحابية، في أن تطغى عليها من خلال ترسيخ نفسها كشركة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
هذا الوضع وغيره من التغيرات حتم على “غوغل”، التي استغنت عن نحو (12) ألف موظف في يناير الماضي، (6%) من قوتها العاملة، وقلصت مشاريعها العقارية، أن تسعى في الوقت نفسه إلى الدفاع عن مكانتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
فقد حققت “مايكروسوفت” تفوقًا واضحًا في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي (القادر على إنشاء محتوى حسب الطلب بلغة الحياة اليومية) منذ إطلاق شركة “أوبن أيه آي” الأميركية الناشئة برنامج “تشات جي بي تي” في نوفمبر 2022م، إذ استثمرت المجموعة بكثافة في هذا المجال.
“مايكروسوفت” دمجت برنامج “جي بي تي” في محركها للبحث “بينغ” مما أنعشه وأتاح له استقطاب عدد متزايد من المستخدمين بفضل الذكاء الاصطناعي، بعدما كان عاجزًا عن منافسة “غوغل”.
ويتجاوز هذا الوضع التطورات التكنولوجية، فقد باتت الشركتان تتنافسان بقوة في الترويج عن إضافة وظائف الذكاء الاصطناعي التوليدية إلى برامجهما، من معالج النصوص “وورد” إلى صندوق “جي ميل” البريدي.
يقول سوندار: “إن”معظم المؤسسات تفكر في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية تحولها”، وقد جمعت “الفابت” فرق “برين” و”ديب مايند” التابعة لغوغل لتسريع البحث في مجال الذكاء الاصطناعي”.
علاوة على ذلك نشر رئيس وحدة “غوغل ديب مايند” الجديدة، ديميس هاسابيس، تغريدة كتب فيها: “لدينا بالتالي فرصة لبناء الذكاء الاصطناعي، وعلى المدى الطويل الذكاء الاصطناعي العام في خدمة الإنسانية”، وكان يشير بذلك إلى فكرة عممتها شركة “أوبن أيه آي”، وتتمثل في إنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي تتفوق في أدائها على البشر في مهام إدراكية كثيرة.
بحسب مدونة “غوغل”، فإن التقنيات الجديدة ستتيح للمستخدمين الحصول على إجابات لأسئلة لم يكن يُعتقد سابقًا بوسع محركات البحث التفاعل معها، كما ستتيح هذه التقنيات تنظيم المعلومات بشكل مغاير تمامًا، والهدف حسب الشركة مساعدة المستخدم على ترتيب ما هو موجود وفهمه.
ووفق ما عرضته الشركة في مؤتمرها السنوي، فإن الردود عن الأسئلة باستخدام الذكاء الاصطناعي لن تغير كثيرًا في واجهة البحث، وسوف يستمر المستخدم في إيجاد روابط على الإنترنت لما يبحث عنه، لكن محرك البحث سيساعده كثيرًا في العثور على ما يريد في وقت قياسي.
وحسب موقع “وايرد”، فإن تقنيات البحث الجديدة لغوغل أكثر تعقيدًا مما يقدمه روبوت “تشات جي بي تي”، إذ يتجنب غوغل الردود عن المواضيع التي تثير الجدل كالسياسة والاستشارات الطبية أو المالية، ومن ذلك أسئلة حول أداء الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومعلومات حول قوانين الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية.
تعمل “غوغل” على تحسين البحث باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، بهدف فهم عبارات البحث، واكتشاف وجهات نظر ورؤى جديدة، وعرض النتائج بسهولة أكبر، حيث سيساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي على فرز المعلومات الضخمة المتاحة وتجميعها بدلاً من المستخدم، وتقديم الإجابة بسرعة إلى المستخدم، بما في ذلك المعلومات الرئيسية التي يجب مراعاتها مع روابط للبحث بشكل أعمق.
كما تعمل – أيضًا – على مساعدة المستخدم في التسوق، وجعل قرارات الشراء الأكثر تعقيدًا أسرع وأسهل بكثير، وذلك بتقديم لمحة سريعة عن المنتج الذي يريد المتسوق شراءه ومواصفاته وتقييمه من قِبل المستخدمين الآخرين، بالإضافة إلى صور لهذا المنتج وأسعاره.
أما مايكروسوفت، فهي تقول عن محرك “بينغ”: نتولى التزامنا تجاه الذكاء الاصطناعي المسؤول بشكل جدي، ويتم تطوير “بينغ” وفقَ مبادئ الذكاء الاصطناعي الخاصة بنا، ونعمل مع شريكنا (OpenAI) لتقديم تجربة تشجع على الاستخدام المسؤول.
على سبيل المثال، لقد عقدنا شراكة مع “أوبن أيه أي” حول عمل النموذج الأساسي وسنستمر في تلك الشراكة، كما قمنا بتصميم تجربة مستخدم “بينغ” لإبقاء المستخدمين في مركز الاهتمام، وقمنا بتطوير نظام أمان مُصمم لتقليل حالات الفشل وتجنب إساءة الاستخدام مع أشياء مثل تصفية المحتوى والمراقبة التشغيلية والكشف عن إساءة الاستعمال، إلى جانب عوامل حماية أخرى.
وتُعد عملية قائمة الانتظار بحسب مايكروسوفت جزءًا من نهج الشركة تجاه الذكاء الاصطناعي المسؤول، وسنتلقى ملاحظات المستخدم من هؤلاء الأشخاص الذين لديهم إمكانية وصول مبكر إلى “بينغ” لتحسين الأداة قبل جعلها متوفرة على نطاق واسع.
تقول الشركة: إن الذكاء الاصطناعي المسؤول هو عبارة عن رحلة، وسنعمل باستمرار على تحسين أنظمتنا على طول الطريق، ونحن ملتزمون بجعل الذكاء الاصطناعي أكثر موثوقية ومصداقية، وستساعدنا ملاحظاتك على تحقيق ذلك. لمعرفة المزيد حول كيفية استخدام “بينغ” على نحو مسؤول.
قبل بضع سنوات، كان بإمكان صندوق البريد الالكتروني التابع لغوغل (جي ميل)، توقع العبارات والكلمات البسيطة التي ينوي المستخدم كتابتها.
اليوم، لقد تعلم جي ميل جيدًا من مليارات رسائل البريد الالكتروني مع التطورات التي حدثت مؤخرًا، وأصبح يمكنه الآن إنهاء جمل كاملة، هذا النوع نفسه من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أصبح الآن قادرًا بما يكفي لكتابة مقالات كاملة بمفرده.
هذه القدرة على التعلم تجعل الذكاء الاصطناعي أقوى من البرامج التقليدية التي سبقته، وهذا هو السبب – أيضًا – في أن الذكاء الاصطناعي أصبح أمرًا أساسيًّا لأي محرك بحث يتم استخدامه اليوم.
وتعتبر عمليات البحث عن المعلومات معقدة للغاية بالنسبة للبشر أو حتى بالنسبة للآليات التقليدية للتعامل معه، وتشير التقديرات إلى أن “غوغل” وحدها تعالج (63000) استعلام بحث ضخم كل ثانية، أو تريليوني عملية بحث سنويًّا.
هذا يعني أنه حتى أكبر فريق من البشر ليس بإمكانه معالجة هذا الحجم من البحث بشكل فعال، والبرامج التقليدية التي ليس لديها القدرة على العثور على أنماط في البيانات وإجراء تنبؤات ليست على مستوى المهمة، وأنه من المستحيل تقديم نتائج بحث دقيقة في الوقت الفعلي بهذه السرعة والحجم دون الذكاء الاصطناعي، لهذا أصبح بالإمكان تشغيل كل جزء من محرك البحث تقريبًا لعمل مهام، بما في ذلك ما يلي:

  • فهرسة جميع الصفحات المنشورة على الإنترنت وفهم محتوياتها.
  • تفسير استعلامات البحث من خلال فهم اللغة البشرية.
  • مطابقة الاستعلامات مع النتائج الأكثر دقة والأعلى جودة.
  • تقييم جودة المحتوى وإعادة تقييمها لتحسين نتائج البحث باستمرار.
    أخيرًا تقول “غوغل”: “إن الذكاء الاصطناعي التوليدي لن يتوقف على المعلومات العامة، بل سيتيح كذلك مساعدة من يستخدمون “غوغل” للتسوق الالكتروني”، وتذكر مدونة الشركة أنه عند البحث عن منتج ما، فالمستخدم سيحصل على كل المعلومات التي تتناسب مع الفاتورة التي يريد دفعها، كما سيحصل المستخدم على أوصاف للمنتج ونتائج تقييمه، وتستفيد “غوغل” هنا من منصة التسوق الخاصة بها التي تحتوي حسب المصدر ذاته على أكثر من (35) مليار منتج.
    تضيف المدونة أنه بإمكان الذكاء الاصطناعي التوليدي إنشاء محتوى جديد تمامًا، مثل النصوص الكاملة والصور، باستخدام بيانات سابقة، وقد تطور مؤخرًا لتصميم المواقع والبرمجة وإنتاج مقاطع الفيديو.