الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس في صناعة الصحافة والإعلام
نشر “معهد رويترز” لدراسة الصحافة (Reuters Institute for the Study of Journalism) هذا التقرير، وهو بعنوان: “الاتجاهات والتوقعات في مجال الصحافة والإعلام والتكنولوجيا 2021م”، في السابع من يناير الماضي، كتبه “نيك نيومان” المحرر الرئيس لتقرير الأخبار الرقمية السنوي منذ عام، وهو – أيضًا – مستشار معروف في الوسائط الرقمية وإستراتيجيات الأعمال للتحول الرقمي.
وبحسب التقرير سيكون هذا العام 2021م، عامًا من التغيير الرقمي العميق والسريع في أعقاب الصدمة التي أحدثتها جائحة كورونا التي غيرت فيها عمليات الإغلاق والقيود الأخرى العادات القديمة واستحدثت عادات جديدة، وسنكتشف في هذا العام فقط مدى أهمية هذه التغيرات، فبينما يتوق كثير منا إلى العودة إلى الوضع “الطبيعي”، فمن المرجح أن يكون الواقع مختلفًا عندما نخرج بحذر إلى عالم يتعايش فيه المادي والافتراضي بطرق جديدة.
سيكون هذا – أيضًا – عامًا من إعادة التشكيل الاقتصادي، حيث يميل الناشرون إلى الاشتراكات والمبيعات الإلكترونية، وهما نموذجان للأعمال يواجهان المستقبل وقد أضعفهما الوباء، فعلى الرغم من أن حالة عدم من اليقين قد زادت وسط جمهور الصحافة، فإن هؤلاء الناشرين الذين يستمرون في الاعتماد على عائدات الطباعة أو الإعلانات الرقمية يواجهون عامًا صعبًا، مع مزيد من الدمج وخفض التكاليف والإغلاق.
تكنولوجيات الجيل التالي
في هذا الجزء نستكشف بعض التكنولوجيات التي من المحتمل أن تؤثر في حياتنا طوال العقد القادم، وعلى وجه الخصوص كيف سيؤثر تطوير الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز، وشبكات الجيل الخامس (5G)، والأجهزة الذكية في الصحافة وصناعة الأخبار؟.
الذكاء الاصطناعي يصبح أمرًا واقعًا
يظهر استطلاع “رويترز” أن (234) من قادة الإعلام في العالم من (43) دولة من المؤسسات الإعلامية التقليدية والرقمية الكبيرة عالميًّا يرون أن الذكاء الاصطناعي هو أكبر عامل تمكيني للصحافة في السنوات القليلة القادمة، وما يزيد على الثلثين (69%) من الذين تمَّ استطلاع آرائهم سموا الذكاء الاصطناعي مقارنة بنحو (18%) صوتوا لصالح فوائد تكنولوجيا الجيل الخامس، و (9%) رأوا أن الأجهزة الجديدة سوف يكون لها التأثير الأكبر.
وعلى نحو متزايد بدأت مؤسسات الإعلام في التعامل مع تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، مثل تعلم الآلة (Machine learning)، وتوليد اللغة الطبيعية
(Natural-language generation)، والتعرف على الكلام (Speech recognition) للمساعدة في العثور على قصص جديدة ومتابعين جدد، وتسريع الإنتاج، وتحسين التوزيع، وقد تمَّ توثيق جزء كبير من هذا النشاط من قبل مشروع الذكاء الاصطناعي الصحفي في مؤسسة “بولس للتفكير الإعلامي”، كلية لندن للاقتصاد (Polis media think-tank, London School of Economics).
ويشير مصطلح الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام، والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها، حيث تعمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على تحسين أداء المؤسسات الإعلامية وإنتاجيتها عن طريق أتمتة العمليات أو المهام التي كانت تتطلب القوة البشرية فيما مضى، كما يمكن للذكاء الاصطناعي فـَهم البيانات على نطاق واسع لا يمكن لأي إنسان تحقيقه، وهذه القدرة يمكن أن تعود بمزايا كبيرة على الأعمال، فعلى سبيل المثال؛ تستخدم شركة (Netflix) التعلـّم الآلي لتوفير مستوى من التخصيص، مما ساعد الشركة على تنمية قاعدة عملائها بأكثر من (25%) في عام 2017م.
كذلك يتجلى الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية في عدد من الأشكال، مثل:
1-تستخدم روبوتات المحادثة الذكاء الاصطناعي لـَفـَهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقديم إجابات أكثر كفاءة.
2-في التلفزيون والفيديو مثلاً يمكن لمحركات التوصية تقديم توصيات مؤتمتة للبرامج التلفزيونية استنادًا إلى عادات المشاهدة للمستخدمين.
3-في الصحافة بشكل عام تنتج الأخبار ببرامج وآلات الذكاء الاصطناعي، بدلاً عن المراسلين، وهي تقوم بتفسير البيانات وتنظيمها وعرضها بطرق يمكن قراءتها.
4-يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل المعلومات المهمة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتعرّف اتجاهات الرأي مثلاً.
ومن أمثلة تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصحافة التي عرضها التقرير، ما يأتي :
1-صممت منصة الأخبار” أوجو بوبليكو” (Ojo Público) في بيرو، أداة لكشف الأنماط المحتملة للفساد في عقود المشتريات الحكومية.
2-قامت هيئة الإذاعة البريطانية باختبار “تشاتبوت” (BBC Corona Bot) للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بفيروس كورونا بناءً على التقارير والمعلومات الموثقة الخاصة.
3-تستخدم صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” الذكاء الاصطناعي لتحديد نوعيات جمهور القراء حتى يسهل عليها استهداف المشتركين الجدد بشكل أفضل.
4-تستخدم وكالة “رويترز” للأنباء تكنولوجيا تحويل الكلام إلى نص
(Speech-to-Text)، لإضافة معلومات مرمزة بالوقت إلى أرشيفها الكامل من الفيديوهات القديمة التي يعود تاريخها إلى عام 1896م، مما يجعل من السهل العثور على اللقطات الرئيسة فيها بإحدى عشرة لغة مختلفة.
5-يستخدم عدد من المطبوعات الصحفية أدوات الذكاء الاصطناعي لرصد قضايا التحيـّز العرقي في الكتابات المختلفة وإبلاغ رؤساء التحرير بالنتائج، وقد اقترح مشروع الذكاء الاصطناعي في الصحافة (AIJO)، وهو تعاون بين ثمانية ناشرين طرقـًا لـِفـَهم وتخفيف تحيزات غرف الأخبار.
وعلى الرغم من تبني بعض مؤسسات الإعلام للتكنولوجيات الجديدة، فإن البعض الآخر يخشى أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم الفجوة بين الشركات الإعلامية الضخمة والبقية، وكثير من المؤسسات الإخبارية الأصغر ليس لديها المال للاستثمار في البحث والتطوير على المدى الطويل وتحمل كلفة علماء البيانات، وبالتالي التخوف من البقاء في الخلف.
وقد يكون من الممكن شراء حلول الذكاء الاصطناعي من الرف في المستقبل، ولكن هذه الحلول قد تكون أقل ملاءمة مع النشاط الإعلامي المحدد، ومن المرجح أن تكون التكاليف مرتفعة، وهنا يشعر أغلب المستطلعين وهم بنسبة (65%) أن كبار الناشرين سوف يستفيدون أكثر من غيرهم من هذه التكنولوجيا.
ماذا يمكن أن يحدث هذا العام؟
تعتبر عمليات أتمتة صيغ الوسائط المتعددة من النص Automation of Multimedia Formats From Text)، الكاملة أو غير الكاملة لقوالب جديدة من النصوص أحد أكثر المجالات إثارة للاهتمام هذا العام، من ذلك تقوم هيئة الإذاعة البريطانية بتجربة تقنيات تحول قصة إخبارية نصية إلى “قصة بصرية” مناسبة للهواتف الذكية، وهذا قد يساعد مؤسسات الإعلام على تلبية مختلف تفضيلات الشكل الذي تظهر به القصص الإخبارية بين أجيال الشباب والكبار، فضلاً عن ذلك يعتزم مزيد من الناشرين إضافة نسخ صوتية للقصص الإخبارية هذا العام باستخدام الأصوات الاصطناعية.
تطور أتمتة اللغات الجديدة
لقد أدى التقدم في التعلـّم الآلي إلى إدخال تحسينات على الترجمة الآلية مكنت من عمل ترجمات عالية الجودة بأكثر من (100) لغة، ويجري الآن وبصورة متزايدة دمج تطبيقات تسمح بترجمة محتوى منصات التواصل الاجتماعي والمقالات الإخبارية على الفور، لذلك من المتوقع أن نرى استفادة مزيد من المؤسسات الإخبارية من هذه التطورات، بما يمكنها من تقديم نسخ من النصوص والمنتجات الصوتية والفيديو باللغات الأجنبية بأقل تكلفة.
وفيما يتعلق بالجوانب السلبية للذكاء الاصطناعي إعلاميًّا فقد أصبحت أكثر وضوحًا، مثال لذلك أن العام الماضي 2020م شهد توزيع عدد كبير من فيديوهات التزييف العميق (Deep fake)، ومعظمها مصنوعة من أجل الترفيه وليس الخداع، على سبيل المثال؛ قدمت القناة الرابعة البريطانية شبيهة للملكة لتوصيل رسالة تهنئة عيد ميلاد بديلة، وكانت ترتدي “بروش” على شكل فيروس كورونا، وهي تلقي النكات عن أفراد عائلتها، كذلك طرحت شركة الذكاء الاصطناعي (Synthesis) “سانتا كلوز” بالتزييف العميق – أيضًا – وهو يقدم التهاني بالميلاد.
حاليًّا تكثر مقاطع الفيديو والصوت المزيفة في يوتيوب، وبعضها لمغنيي الراب المشهورين الذين تستغل أصواتهم لقراءة مقاطع لـ”شكسبير” وغيره، استنادًا إلى برامج ذكاء اصطناعي تغذى بساعات من الأمثلة من أصواتهم الحقيقية، كذلك يتمُّ –أيضًا- خداع بعض الأشخاص بما يسمى بـ “التزييف الضحل” (Shallow fakes)، الذي يتضمن مقاطع فيديو تمَّ تعديلها بشكل مضلل أو بإبطاء في سرعة تحريكها، ومع تقدم التكنولوجيا بوتيرة سريعة، سيشكل التزييف بمختلف أنواعه تهديدًا أكبر في هذا العام 2021م وما بعده.
الاستفادة الواسعة من شبكات الجيل الخامس
يمكن لشبكات الجيل الخامس نقل البيانات أسرع بعشرات المرات من شبكات الجيل الرابع، ما سيمكن من التصفح الأسرع وبثِّ ونقل الفيديو عالي الجودة، ويجب معرفة أن الجيل الخامس ليس مجرد جيل آخر من الاتصال اللاسلكي، بل سيتيح توصيل مزيد من الأجهزة ببعضها في نفس الوقت، ما يوفر العمود الفقري للمنازل الذكية والمدن الذكية ومركبات المستقبل ذاتية القيادة.
وتقول التوقعات أن عدد الهواتف الذكية المزودة بتقنية الجيل الخامس سيتضاعف إلى أكثر من الضعف ليصل إلى (600) مليون في هذا العام 2021م، وذلك وفقًا لشركة أبحاث السوق (Strategy Analytics)، على الرغم من أن التغطية ستظل غير مكتملة في العديد من البلدان، حيث سيستغرق التبني وقتـًا أطول مما كان يأمله الكثيرون.
وبالنسبة للمؤسسات الإخبارية، فإن الجيل الخامس سيمكن من تقديم تقارير متنقلة عالية الوضوح، حيث يصبح من السهل التعامل مع الوسائط الإعلامية من أي مكان في العالم.
أما بالنسبة للمستهلكين، فسوف تعزز هذه الشبكات من الاستفادة القصوى من البثِّ المباشر للفيديو، والألعاب، والتقنيات الغامرة مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز، فضلاً عن الزيادة في الأخبار الشخصية، وتنوع صيغ صحافة الهواتف الذكية، ومزيد من الصحافة البصرية، بالإضافة إلى الهواتف الذكية، ستساعدنا مجموعة من المعدات المجهزة بأجهزة استشعار واتصال دائم بالإنترنت (إنترنت الأشياء) على عيش حياة أكثر ذكاءً.
تكنولوجيات وأجهزة جديدة .. الأجهزة الصحية القابلة للارتداء
لقد جعلتنا جائحة كورونا أكثر وعيًّا بصحتنا أكثر من أي وقت مضى، وهذا يساعد في زيادة المبيعات للمبتكرات الجديدة ذات الصلة، مثل الأجهزة القابلة للارتداء (Health-focused wearables)، وعلى سبيل المثال –أيضًا- أضافت ساعة “فيتبت سنس” (Fitbit Sense) للصحة واللياقة البدنية مستشعرًا كهربائيـًّا للجلد، يستخدمه علماء النفس لتحديد مستويات التوتر، بينما أضافت ساعات أبل (Apple Watch Series 6) مستشعرًا للأكسجين في الدم لاكتشاف مستويات التشبع.
ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مؤسسة (Gartner)، فمن المتوقع أن يصل إنفاق المستهلكين على التكنولوجيا القابلة للارتداء إلى (63) مليار دولار في عام 2021م، أي أكثر من ضعف الرقم في عام 2018م، مع التقدم في تكنولوجيات الساعات الذكية وإكسسوارات اللياقة البدنية، وهنا ربما يكون قد حان الوقت للمؤسسات الإخبارية لتطوير صيغ وقوالب إعلامية وإخبارية تحديدًا تتناسب وهذه المنصات القائمة على المعصم.
انتشار واسع لسماعات الأذن الذكية
حققت سماعات “أبل ايربود” (Apple Air Pods) نجاحًا غير متوقع، وهي تشكل الآن القطاع الأسرع نموًا في الشركة الأكثر قيمة في العالم، وتشير التقديرات إلى أن شركة “أبل” شحنت أكثر من (80) مليون وحدة في عام 2020م، مع شركات مصنعة أخرى لمثل هذا النوع من السماعات التي يطلق عليها (Hearable) التي حققت مبيعات قياسية، وتتضمن الميزات الجديدة وظائف تعمل على ضبط مستويات الصوت حسب السياق أو الموقع، وهي تسمح – أيضًا– بالتحكم في الإيماءات، وبالتالي ستزيد شعبية هذه السماعات من أهمية التنسيقات الصوتية مثل البودكاست والقصص المقروءة.
استخدامات جديدة لمكبرات الصوت الذكية
لقد بدأ نمو مكبرات الصوت الذكية (Smart speakers) في التباطؤ على الرغم من انخفاض الأسعار والأجهزة الجديدة، وقد قامت غوغل مؤخرًا بتحديث مجموعتها الرئيسة بأجهزة جديدة واسم جديد (Nest Audio)، كما خضعت أجهزة
(Amazon Echo) أيضًا للتحديث، بينما اطلقت “أبل” جهازها باسم (Home Pod mini).
المعروف أن مكبر الصوت الذكي هو نوع من مكبرات الصوت اللاسلكية، وجهاز أوامر صوتية مع مساعد افتراضي متكامل يمكن أن يستخدم في مجالات أخرى غير تشغيل الصوت، مثل التحكم في أجهزة أتمتة المنزل الذكي، وتفقد حالة الطقس، وتشغيل الموسيقى، وإنشاء قوائم تسوق، والبحث عن وصفات طعام، وتعمل هذه الأجهزة بأوامر صوتية من المستخدم.
ومن المتوقع هذا العام أن يحمل مزيد من مكبرات الصوت شاشات للاستفادة من الكمية المتزايدة من محتوى الصوت والفيديو الهجين، وذلك لمساعدة المستهلكين على اكتشاف الخيارات المتاحة بسهولة أكبر، وقد تختفي مكبرات الصوت المستقلة (Stand-alone speakers) في النهاية، حيث يتم دمج المساعدات الصوتية في أجهزة التلفزيون والساوند سيستمز والسيارات.
عودة النظارات الذكية
ظلَّ هناك شعور على نطاق واسع بأن نظارة غوغل (Google Glass) كانت سابقة لعصرها، على الرغم من أنها ولدت من جديد، وقد كانت هذه النظارة هدفًـا لبرنامج أبحاث وتطوير “مختبر إكس” الخاص بشركة غوغل، الذي عمل على كثير من التكنولوجيات المستقبلية الأخرى كالسيارة ذاتية القيادة، وإنتاج نموذج تجريبي للشاشة المثبتة بالرأس أو ما يعرف بـــ(head-mounted display) تستبدل العدسات بالشاشات، وفي ذلك قامت غوغل بابتكار مجموعة ألعاب جديدة تعمل بالتوافق مع نظارتها الذكية ومشروع النظارات.
وحتى يصبح لهذه النظارات بُعدًا أكثر جاذبية، فقد اتخذت نظارات أخرى، اسمها (Snapchat’s Spectacles)، أسلوبًا أكثر مرحًا باستخدام الفلاتر والتأثيرات ثلاثية الأبعاد، ولكنها لم تحقق نجاحًا تجاريًّا، مع ذلك هناك كثير من الترقب حول دخول شركة “أبل” إلى سوق “الواقع الممتد” Extended reality)) المرتبط بهذا النوع من النظارات والذي يشير إلى جميع البيئات المدمجة الواقعية والافتراضية والتفاعلات بين الإنسان والآلة الناتجة عن تكنولوجيا الكمبيوتر والأجهزة القابلة للارتداء، وفي ذلك يُقال إن نظارة “أبل” (Apple Glass) ستكون قادرة على عرض رسائل البريد الإلكتروني والخرائط والأخبار في مجال رؤية المستخدم.