جولة في التطورات المتسارعة للـ”بودكاست” الخليجي والعربي

إذاعة وتلفزيون الخليج – الرياض

-العربية تدشن انضمامها للبودكاست بجاذبية المعلومة وأدوات القصة الصحفية وخبرة الإنتاج.

-“عقل غير هادئ” ينهي مسيرته .. وصاحبه يعلق “غادرنا في عزِّ نجاحنا وهذه هي أسراره”.

-مفهوم الانتماء يتربع على (كنبة السبت).. و(مربع) يناقش الزوايا القائمة لمعنى حياة الإنسان

يواصل البودكاست حضوره المتصاعد في خارطة المواد الإعلامية ذات الطابع العصري، فيما تزيد القنوات المعروفة وتطبيقات الموسيقى العالمية من وتيرة اهتمامها بالوجود في هذا المجال الواعد، بتطبيقاته الرشيقة التي تعمل في خلفية الهاتف المحمول، وتبث من الفناء الخلفي لمسامع الأيام المشغولة والمهام الروتينية والمشاوير القصيرة والطويلة على السواء.

في هذه الجولة السريعة، نتصفح جانبًا من محتوى البودكاست الخليجي والعربي خلال الفترة الماضية، حيث الاختيار مهمة ليست بالسهولة المتوقعة في ظل زخم متسارع من التحميلات الجديدة على مدار الساعة، لكنها مهمة تعود مثقلة بالقيمة في كثير من الأحيان، حتى في حالة الاختيار العشوائي، مقاطع لدقائق معدودة، يتم استثمار كل ثانية فيها، بأفكار لا يمكن اعتبارها مجرد حديث مرسل في “مايكروفون” مفتوح، تقول ما يبدو غير قابل للقول في وسيط آخر، في حلقات تبدو أحيانـًا أقصر من برنامج، وأعمق من محاضرة، وأغزر من كتاب.

(حب وكيمياء)

العربية بودكاست .. تقديم: راوية العلمي

ستكون بدايتنا مع بداية قناة العربية في تجربة البودكاست التي تمَّ الإعلان عن انطلاقها رسميًّا في الثالث من مارس 2021م، وبالتزامن مع احتفال القناة بمرور ثمانية عشر عامًا على تأسيسها، حيث أعلنت العربية أنها تستهدف الوصول إلى قواعد جماهيرية جديدة من خلال مجموعة من البرامج المتخصصة في السياسة والاقتصاد والمجتمع والفنون والمعرفة، فضلاً عن عدد من البرامج التي يتم بثـّها بالفعل على شاشة القناة، مثل: “سؤال مباشر”و”البـُعد الآخر” وغيرها.

وبالنسبة للجمهور الذي اعتاد على شاشة العربية، فإنه قد يشعر لوهلة برغبة لا إرادية في النظر إلى شاشة هاتفه أو جهازه اللوحي للتأكد من عدم لقطات مرئية مرافقة للمادة الصوتية، ولكنه في الوقت ذاته سيلمس الإمكانات الإنتاجية المتميزة في صنع هذه المواد الإعلامية، وسرعان ما سيتأقلم، وفقًا لذوقه الشخصي واهتمامه، مع برامج قناة العربية في نسختها البودكاستية ومن أبرزها “حياتهم” و”الحكاية” و”كلام منطقي”، بالإضافة إلى نشرات إخبارية في دقيقتين، وغيرها، والتي يتم الآن بثـّها وتحديثها على منصات “غوغل، وأبل بودكاست، وسبوتيفي وساوندكلاود”.

“حب وكيمياء” واحدة من أحدث الحلقات التي قدمتها راوية العلمي في برنامجها “كلام منطقي” وقد ناقشت فيها موضوع الحب من وجهة النظر العلمية بعيدًا عن أي تبريرات عاطفية، وفي الوقت الذي تطمئن فيه عابري مرحلة منتصف العمر إلى أنه لا يوجد وقت متأخر للشعور بالحب، إلا أنها تقول بوضوح إن قرارًا كهذا يحدث بالعقل وليس بالقلب، وأن أسبابًا بيولوجية صرفة تتحكم بهذه العملية من النظرة الأولى وحتى الطفل الأول، وربما لوقت يطول أو يقصر أو ينتهي بعد ذلك، ويتعلق الأمر تحديدًا بثلاثة هرمونات “دوبامين”،”أدرينالين”و”أوكسيتوسين”.

“الحب أعمى”، مقولة تتداولها الثقافة الاجتماعية وتؤكدها الأسباب العلمية في جسم الإنسان، وفقًا لهذه الحلقة من برنامج “كلام منطقي” فإن العقل يفقد القدرة على التحليل المنطقي ولا يستطيع إدراك المخاوف في لحظة الشعور بالحب، غير أن مقدمة البودكاست أشارت في الوقت ذاته إلى أن هذه المعطيات جميعها لا تنفي دور النضج الذي يتمتع به الناس في عيش تجاربهم بشكل مثالي قدر الإمكان، ولكسر الروتين في مراحل معينة منها، ولعل هذه الحلقة كانت مثالاً للأطروحة التي تحفز قدرات التفكير قبل أن تثير بواعث الجدل، وإن كانت الأخيرة ميزة في دنيا الإعلام.

وعلى أي حال، فقد كانت الصفة الصحفية هي السمة الغالبة على مواد العربية بودكاست، التي جاءت أحيانـًا بأسلوب “الفيتشر ستوري”، لكن بطريقة مسموعة هذه المرة، كما عملت على استكشاف موضوعات تثير اهتمام المتلقي في دقائق سريعة مع استضافة متخصصين ومتداخلين في بعض الأحيان، وعلى أية حال فإن وصول العربية إلى البودكاست يُعدّ إضافة مهمة تتطلب تقديم إسهام نوعي وجذاب أمام المطروح في ساحة تزداد تنافسية وإبداعًا وتنوعًا يومًا بعد يوم، مما يجعل علاقتها مع جمهورها أمرًا لا يمكن فيه المراهنة على (الحب والكيمياء) فقط!.

 (انتماء)

(كنبة السبت) .. تقديم: د. أفنان الغامدي

قد يكون هذا أحد أميز النصوص المسموعة التي تسمعها يومًا في مقاربة مفهوم “الانتماء”، حيث تسلط مقدمة بودكاست “كنبة السبت” الدكتورة أفنان الغامدي ضوءًا اجتماعيًّا وفلسفيًّا على هذه الفكرة في سرد مترابط بلغة محكية سهلة مقترنة بالمعلومة المعرفية والتخصصية مع ربطها جميعًا بأغلب أفكار وتساؤلات المستمعين في الموضوع محل النقاش لتكون بمثابة إجابة طويلة، متجددة، باستطراد يكسر جدية الطرح من دون أن يمس بتسلسل الفكرة.

تتحدث الغامدي، وهي كاتبة محتوى، وطبيبة نفسية، عن الانتماء بوصفه الرغبة والحاجة الإنسانية منذ الصغر، الانتماء لأي شيء، شخص، أو فكرة، أو عائلة، أو مؤسسة، أو غير ذلك، كما تتطرق إلى فكرة “الوحدة الجماعية” بوصفها عنصر قوة للفرد الذي تزداد قوته وفرص سعادته بقدر ما تكثر لديه الانتماءات التي تمنحه السند وتعزز مناعته النفسية، وتشير هنا إلى دوائر الانتماء التي يحيط الشخص نفسه بها تؤدي دورًا كبيرًا في حمايته.

 

“إذا لم تشعر بالانتماء لعملك حاول أن تنتمي إلى الأشخاص الموجودين فيه”

نصيحة قدمتها مقدمة البودكاست التي تؤكد أن الانتماء يتغير ويتشعب مع الوقت وأن هذا ليس عيبًا، كما تشدد على أن العائلة حقيقة لا يمكن تغييرها أو استبدالها، ولهذا فإن استشعار الانتماء لها يحقق السعادة، فيما يقترن الشقاء بمقاومة هذا الانتماء، في جوانب أخرى تتطرق المقدمة أفنان إلى دراسات عالمية تربط الحياة السعيدة بالعلاقات المقربة الصحية، وتنصح مـَن يقررون التخلي بأن يتحلوا بالرفق ومن دون أذى، وأن يعوا أن القيمة في نوعية العلاقات وليس في كثرتها.

“أفتح المايك واتكلم بشكل عفوي”، هذا ما تقوله مقدمة هذا البودكاست، وقد يكون هو ذاته سر قربه من عقول وقلوب كثير من المتابعين، فضلاً عن اختيارها لموضوعات تنطلق بشكل دقيق من مواكبة نقاشات المجتمع الراهنة، حققت حلقة “انتماء” حققت المركز الأول على مستوى البودكاست العربي وفقًا لإحصائية أبل بودكاست يوم 15 مارس، في نجاح جديد يتحقق لبرنامج (كنبة السبت) التي انطلقت للمرة الأولى في نوفمبر من العام الماضي 2020م.

 

(أن تجد معنى لحياتك)

بودكاست مربع .. تقديم: حاتم النجار

يتحدث الشاب محمد عبد اللطيف عن تجربة شخصية مرَّ خلالها بعديد من الظروف والتساؤلات والتأملات التي أوصلته إلى مرحلة من افتقاد الثقة في الحياة خصوصًا بعد مروره بعدد من التحديات وحالات الفشل التي واجهها في جوانب اجتماعية واقتصادية كان لها تأثيرها المباشر عليه، وعلى طبيعة علاقته بكل شيء فيه وكل شيء حوله، وصولاً إلى مراحل متقدمة من الاكتئاب.

لمدة ساعة تقريبًا، كان اللقاء أشبه بفيلم وثائقي مسموع عن قصة إنسانية حقيقية، شاهدها الوحيد هو بطلها الفعلي، والذي حدثت له نقطة تحول حين التقى بشخص قاده إلى طريق الحكمة وأعاد إليه التوازن، تكلم محمد خلال البودكاست مطولاً عن إيمانه بعظمة الوعي البشري الذي كان بمثابة طوق النجاة بالنسبة له، مؤكدًا على أن الشفاء يبدأ من معرفة الإنسان لمعنى حياته.

إضافة إلى ذلك، فقد سلط عبد اللطيف الضوء على ما يتعرض له الناس في العصر الراهن من ثورة تقنية قد تقودهم إلى فقدان تركيزهم، وبالتالي انفصالهم عن أولوياتهم ورسالتهم، وهو ما يتطلب منهم إيجاد منهجية لاستعادة زمام المبادرة بإعادة اكتشاف القيم، مشيرًا في هذا السياق إلى أن كثيرًا من القرارات كالعمل والارتباط، بل حتى التصرفات والقرارات اليومية في الغالب تخضع لمعايير أساسية وقيم عليا مترسخة لدى الإنسان سواء عرفها أو لم يعرفها.

“رسالتك في الحياة ليست بالضرورة أن تجعلك حديث الشاشات، قد تكون رسالتك أن تعد ابن أو ابنة لفعل شيء كبير في الحياة ذات يوم”، هذا جزء مما قاله محمد عبد اللطيف الذي نصح المستمعين بعدم الانقياد لمعوقات ناتجة عن الأحكام الشخصية أو أحكام الآخرين، وهو الذي بدأ بنفسه حتى عرف معنى حياته بل وأصبح شخصًا متخصصـًا في تدريب الناس على فعل الشيء ذاته، فضلاً عن مشاركته تجاربه عبر البودكاست الخاص به، والذي اختار له اسم (ورقة بيضاء).

 

(الصوت الأخير)

بودكاست: عقل غير هادئ .. تقديم: مبارك الزوبع

بدأنا مع بداية برامج جديدة على عالم البودكاست، ونختتم مع الحلقة الأخيرة التي أعلنت التوقف النهائي لبثِّ برنامج (عقل غير هادئ)، وسنعلم أهمية خبر كهذا حين نعرف أن هذا البرنامج قد تمَّ تصنيفه (البودكاست الأضخم في الشرق الأوسط حسب قائمة أبل بودكاست لعامي 2019 و2020م) ليمثل انتهاؤه خبرًا مفاجئـًا لعدد كبير من المتابعين.

اشتهرت حلقات بودكاست (عقل غير هادئ) بطرحها لأسئلة تحفز أذهان المتابعين، وتوقد فيهم جذوة التأمل والتفكير والإبداع، ولكن هذه الحلقة تحديدًا لم تأت بأي أسئلة كما جرت العادة، بل جاءت كإجابة عن سؤال محدد (لماذا سيتوقف هذا البودكاست؟)، وهو السؤال الذي أجاب عنه صاحب الفكرة وكاتبها الأساسي مبارك الزوبع، مستخدمًا أسلوبًا مبسطًا ومباشرًا بأعلى درجات الصراحة والموضوعية، لقد فعل ذلك لتأتي الإجابة مقنعة تمامًا.

(35) حلقة فقط على مدى ثلاث سنوات، تابعها أكثر من (4) ملايين مستمع، أرقام وصفها صاحب بودكاست (عقل غير هادئ) بأنها كانت أكثر مما يتوقع وهو الذي يصف نفسه بالشخص الذي “يركض خلف الدهشة”، مثمنـًا للمتابعين قيامهم بتسويق حلقات البرنامج “كنتم رأس مالنا” ومؤكدًا على رضاه التام عن القرار “لقد توقف البودكاست في عزِّ نجاحه”، قبل أن يعبر عن وجهة نظره بأن المحتوى ينجح حين يأتي في الوقت والمكان المناسبين، وبالصيغة المناسبة، ليؤدي دورًا محددًا، ولا مشكلة في انتهائه، المشكلة أن يستمر بشكل لا نهائي.

يقول الزوبع: إن أكثر ما يخيفه هو أن يقولبه الناس في شكل معين، معترفًا بأن صناعة المحتوى ليست أسلوب حياة بالنسبة له كما هي بالنسبة لأشخاص آخرين، كما يكشف في حديثه الختامي عن جانب من أسرار التجربة، ومن ضمنها عدم استضافة أي مشهور، واستكشاف “القصص الحقيقية الخام”، وجعل الضيف يبوح بتلك الأشياء التي لم يسبق له قولها حتى في حواراته مع نفسه، يرى مبارك أن كل ما يحتاجه الإنسان أحيانـًا أن يجد مـَن يسمعه فقط، ويخاطب مستمعيه قائلاً: “اصنعوا أنتم المحتوى لما تحسـّون المحتوى وقّف يصنع لأجلكم”.