جائحة كورونا .. هكذا أثرت في صناعة السينما وتوزيع الأفلام

خاص – إذاعة وتلفزيون الخليج

أثرت جائحة (كوفيد – 19) في جميع قطاعات الفنون في جميع أنحاء العالم، وجاءت صناعة السينما على رأس الخاسرين، فقد تمَّ إغلاق دور السينما، وتمَّ إلغاء أغلب المهرجانات أو تأجيلها، وتمَّ نقل إصدارات الأفلام الجديدة إلى تواريخ مستقبلية أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

وفي وقت أصبح فيه البثِّ المباشر عبر المنصات الرقمية أكثر شعبية، خسر  شباك التذاكر العالمي مليارات الدولارات، وتمَّ تأجيل أو إلغاء إنتاج العديد من الأفلام التي كان من المقرر إطلاقها، منذ منتصف مارس 2020م في جميع أنحاء العالم مع توقف عمليات الإنتاج الجارية.

وبحلول مارس 2020م خسرت صناعة السينما الصينية على سبيل المثال ملياري دولار أمريكي، بعد أن أغلقت جميع دور السينما خلال فترة رأس السنة القمرية الجديدة، وشهدت أمريكا الشمالية أدنى عطلة نهاية أسبوع في شباك التذاكر منذ عام 1998م، وأغلقت سينما (Cineworld) ثاني أكبر سلسلة سينمائية في العالم دور السينما التابعة لها في أكتوبر 2020م.

 

تراجع شباك التذاكر وأعلى إيرادات

في هذه الأجواء المتراجعة حقق فيلم (The Eight Hundred) (468) مليون دولار في جميع أنحاء العالم، وكانت المرة الأولى التي يحقق فيها فيلم غير أمريكي مستوى الفيلم الأكثر ربحـًا لهذا العام، وهو فيلم حرب تاريخي صيني يحكي قصة قتال ثمانمائة جندي صيني في مستودع وسط ساحة معركة في شنغهاي عام 1937م، وكانوا تحت الحصار  الياباني.

الجائحة وخطة التغيير

لقد أدت الجائحة إلى تعديل جداول الإنتاج السينمائي في مناطق تفشي المرض الرئيسية (في الغالب الصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا) وأضطرت العديد من الاستوديوهات إلى تغيير مواقع الإنتاج، وأغلقت بعض مكاتب شركات الإنتاج مؤقتًا،  مثلما حدث لشركة “سوني بكتشرز” التي أغلقت مكاتبها في لندن وباريس وبولندا بعد شكوك في أن أحد الموظفين قد تعرض للفيروس.

وفي حالة السينما على وجه الخصوص لا ينبغي أبدًا التقليل من التحديات الصحية التي واجهت  هذا الصناعة، فاستوديوهات الأفلام ومواقعها عبارة عن مساحات مليئة بالناس والنشاط، حيث يعمل الطاقم الفني والممثلون عن قرب من دون تباعد عن بعضهم البعض، فضلاً عن إمكانية تلوث المعدات التي يتم التعامل معها بشكل روتيني وتمريرها بين أفراد الطاقم.

في هذه الظروف طالت أولى عمليات إيقاف الإنتاج الكبيرة فيلم
(Mission Impossible 7)، الذي كان من المقرر أن يبدأ تصويره  بمدينة البندقية، ولكن أعيد طاقم الفيلم وتركت المعدات وراءهم.

كذلك عقب إصابة الممثل “توم هانكس” بفيروس كورونا تمَّ وقف إنتاج فيلم السيرة الذاتية لـ “إلفيس بريسلي” في كوينز لاند بأستراليا، ووضع طاقم الإنتاج في الحجر الصحي، وقد تواصلت شركة “ورونر بروس” مع خدمات الصحة العامة الأسترالية لتحديد الأشخاص الذين ربما كانوا على اتصال مع هانكس وزوجته ريتا ويلسون، وكانوا يؤدون عروضًا في مواقع مختلفة بما في ذلك دار أوبرا سيدني قبل فترة وجيزة من إصابتهما بكورونا.

وفي 12 مارس 2020م، أوقفت استوديوهات “مارفل” الأمريكية إنتاج أحد افلامها مؤقتـًا، وقد تمَّ تصويره- أيضًا- في أستراليا، بسبب عزل المخرج “ديستين دانيال كريتون” في أثناء انتظار نتائج اختبار فيروس كورونا التي جاءت سلبية.

في أوائل مايو 2020م، حيث بدأ رفع القيود في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، أصدرت رابطة المنتجين التجاريين المستقلين مجموعة من الإرشادات والممارسات في مكان العمل، تضمنت إرشادات محددة لجميع الإدارات ومواقع العمل المشاركة في الإنتاج.

وفي 1 يونيو 2020م، قدمت مجموعة عمل مكونة من الاستوديوهات والنقابات الأمريكية تقريرًا مع توصيات مختلفة حول إرشادات الصحة والسلامة للممثلين وطاقم الإنتاج تتضمن ضرورة إجراء الفحوصات بانتظام، وارتداء أغطية الوجه في جميع الأوقات عند عدم التصوير، فضلاً عن وجوب التباعد الشخصي للممثلين كلما أمكن ذلك، وتقليل أو تعديل المشاهد التي تنطوي على الاتصال الوثيق، وتوصية بإجراء عملية التمثيل عبر مؤتمرات الفيديو أو الفيديو المسجل.

ومن حسن الحظ أنه منذ إدخال التقنيات الرقمية في إنتاج الأفلام كانت إحدى فوائدها الأساسية هي تحقيق وفورات اقتصادية، مثل تقليل الحاجة إلى السفر الدولي المكلف، وقد ظهرت تكنولوجيا يطلق عليها (Automatic dialogue replacement)  يمكن أن تساعد الممثلين في التباعد الجسدي، حيث يمكن للممثلين تسجيل حوار عن بُعد في استوديو، لتتم دبلجته على لقطات في استوديو آخر.

في 5 يونيو 2020م، أعلن حاكم ولاية كاليفورنيا “غافين نيوسوم” أنه يمكن استئناف الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في الولاية بدءًا من 12 يونيو 2020م، بشرط أن يتمَّ استلام الشروط والموافقة من مسؤولي الصحة العامة في المقاطعة، وفي اليوم التالي نشرت مجموعة من النقابات تقريرًا من (36) صفحة يوضح بالتفصيل بروتوكولات السلامة المتفق عليها للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، بما في ذلك الفحوصات المنتظمة لأعضاء فريق التمثيل والطاقم، واقتصار جلسات التصوير على عشر ساعات، وجميع الإنتاجات التي تتطلب مشرفـًـا على السلامة الصحية.

 

العزل ووسائل الترفيه البديلة

في أجواء الإغلاق هذه سيطرت منصات البث والترفيه والفيديو عند الطلب على سوق عرض الأفلام والبرامج والمسلسلات، وأغلبها إنتاجات قديمة، وقد أشارت “بي. بي. سي” إلى ازدياد شعبية خدمات البثِّ، خاصة في ظل عزل مزيد من الأشخاص في المنزل، ومن الصدف كان أحد الأفلام الشهيرة التي تمَّ بثـّها عبر المنصات هو فيلم (Contagion) القديم الذي تمِّ إنتاجه عام 2011م، فانتقل من كونه الفيلم رقم (270) الأكثر مشاهدةً لشركة “ورنر بروس” في ديسمبر 2019م، ليصبح ثاني أكثر الأفلام مشاهدةً في عام 2020م، ودخل في قائمة أفضل (10) أفلام على (أي تونز  iTunes).

في هذا الظرف زاد مخزون “نيتفليكس” من الأفلام والمسلسلات والبرامج والوثائقيات، وأصدرت المنصة سلسلة وثائقية أصلية بعنوان: (Pandemic: How to Prevent an Outbreak?)، كما تمَّ إطلاق “ديزني بلس” في الهند في 11 مارس 2020م،  أي قبل ثمانية عشر يومًا من الوقت المحدد للإطلاق.

في 23 يوليو 2020م، أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum) تقريرًا حول وضع الإنتاج السينمائي في ظروف الجائحة، جاء فيه أن  إجمالي عائدات شباك التذاكر العالمية بلغ (42) مليار دولار في 2019م، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، وقد أسهمت هذه العائدات بنحو ثلث ما يقدر بنحو (136) مليار دولار من قيمة إنتاج وتوزيع الأفلام في جميع أنحاء العالم.

أشار التقرير إلى أن هوليوود وحدها تدعم أكثر من مليوني وظيفة و(400) ألف شركة أمريكية، كما تبلغ قيمة الأفلام البريطانية حوالي (60) مليون جنيه إسترليني يوميًّا تصب في الاقتصاد البريطاني، في وقت أخذت فيه دول مثل الصين خطوات جريئة لزيادة حجم الإنتاج الإبداعي.

ولكن  تسببت الجائحة في قلب مسار الصناعة، حيث توقف إنتاج الأفلام وأغلقت دور السينما، ولأنه يجب أن تستمر الحياة الطبيعية، فقد تمَّ استئناف الإنتاج في بعض البلدان واعتمدت الصناعة بروتوكولات العمل عن بُعد متى ما أمكن ذلك، مع ذلك فإن هذه الجائحة بتقلباتها صنعت حالة من عدم اليقين، وبدأت الظروف الحالية تقود نحو تسريع التحولات الجارية في إنتاج الأفلام وتوزيعها واستهلاكها بأشكال جديدة في ظلِّ انخفاض نسب حضور الأفلام، وحدث ذلك في أغلب مراكز الإنتاج في أنحاء العالم باستثناء الصين، فقياسًا مع السنوات الماضية، لم يتغير عدد التذاكر المباعة إلا بالكاد في أمريكا الشمالية، في حين أن دخول صالات السينما في المملكة المتحدة ظل في حدود (170) مليون تذكرة سنويًّا منذ عام 2005م، وحتى في الهند – وهي قوة إنتاج – انخفض معدل دخل  الفرد إلى صالات السينما خلال الفترة من 2009 – 2018م بنسبة (32%)، ويحدث هذا على الرغم من تطور صالات السينما بترقية التكنولوجيا السمعية والبصرية، وجعل المقاعد أكثر راحة، وتقديم عروض اشتراك صديقة للمستهلك.