انبرت الجهات الرسمية الخليجية المعنية بمتابعة جائحة كورونا الوبائية في دول مجلس التعاون لإدارة الأزمة من الجانب الإعلامي بكل احترافية وشفافية، حيث كان المشهد العالمي معركة حقيقية من الناحية الصحية ومتطلباتها، والتي لن تكتمل وتدار من دون إعلام جاد ومتمكن من التوجيه والتوعية والرصد.
تطلبت أزمة كورونا بكل تداعياتها وتشعب آثارها على كل الأصعدة إعلامًا واعيـًا واستباقيـًّا، كأداة مؤثرة تخدم التوجهات الحكومية والإجراءات الاحترازية والتوعوية التي تقدمها صحيـًّا وأمنيـًّا، بل واقتصاديـًّا، حيث أعلنت بعض دول الخليج العربية عن إجراءاتها الاقتصادية التي تبذلها لتجاوز هذه المرحلة الصعبة في تاريخ المنطقة والعالم، بالإضافة للمتابعة اللحظية لتطورات الأزمة عالميـًّا ومحليـًّا، وتقديم المعلومات المهمة التي تخدم كل الجهود المبذولة للوصول بالجميع إلى برِّ الأمان.
مجلة “إذاعة وتلفزيون الخليج” تابعت بدورها تفاعل الجهات الإعلامية في الدول الأعضاء، وما تمَّ من خلال الإذاعات والتلفزيونات الخليجية بالتعاون مع الجهات والوزارات المعنية بالأزمة، من رسائل توعوية، وتعدد وسائط ولغات، ومتابعة مستمرة من خلال المؤتمرات الصحفية والبيانات الرسمية الموجهة، وبالتواصل مع عدد من الإعلاميين المختصين كان الرصد التالي:
د. بكار: “مركز التواصل الحكومي في السعودية أثبت نجاحه”
تحدث المتخصص في الإدارة الإعلامية الدكتور عمار بكار عن تجربة المملكة العربية السعودية في إدارة الأزمة إعلاميًّا وقال: “هناك نجاح حقيقي في الإدارة الإعلامية لأزمة كورونا في السعودية على الرغم من ضخامة التحدي، ونرى النجاح في عدة نقاط هي: سرعة التواصل الإعلامي مما قلل فرص ترويج الشائعات، ووضوح الرسالة الإعلامية، ونشر رسالة موحدة بشكل واسع من خلال وسائل الإعلام والحسابات المؤثرة في الشبكات الاجتماعية، وكذلك التضييق على أي رسائل قد تربك الجمهور”.
وأضاف “بكار” أن ما يميـّز هذا النجاح هو عدة تحديات أهمها: أن الأزمة عالمية والمعلومات تأتي من كل أنحاء العالم، والموضوع يهم كل شخص، وهو جديد تمامًا، كما أن الإجراءات كثيرة ومتسارعة، وتتداخل فيها أجهزة حكومية عديدة؛ فلولا الإدارة الإعلامية المميزة لتسبب ذلك في فوضى غير عادية.
كل هذا سببه نضج مبادرات التعاون الاتصالي بين الأجهزة الحكومية في المملكة، والتي بدأت قبل ثلاث سنوات بالتسارع، حيث جاءت أزمة كورونا لتجسد نجاح هذه المبادرات.
وأشار “بكار” إلى أن أهم مبادرات التعاون الاتصالي في السعودية هي تأسيس مركز التواصل الحكومي التابع لوزارة الإعلام، ومركز الاتصال والإعلام الجديد بوزارة الخارجية، كما أن وزارة الصحة –أيضًا– بذلت جهدًا كبيرًا في تطوير حملات التوعية لديها، حيث تميزت الوزارة بحملاتها، والتي لقيت تجاوبًا لافتـًا من الناس، كما أن السعودية وجهت خطابها للمجتمع واستهدفت المقيمين بأكثر من (13) لغة تضمنت أهم مستجدات الوضع الصحي والتدابير المتبعة للوقاية.
وختم “بكار” حديثه عن التجربة السعودية بقوله: “هناك وعي يتزايد لدى وسائل الإعلام والمؤثرين في الشبكات الاجتماعية بأن الإثارة ونشر الرسائل التي تسبب القلق لا تجذب الجمهور بل تغضبه، وكان لهذا أثره الإيجابي عمومًا في انضباط تفاعل مواقع التواصل، كما أن مشاركة القيادة والوزراء بأنفسهم في التغذية الاتصالية نقطة مهمة، ومنها كلمة خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، التي بيـّن من خلالها أهمية المرحلة وطمأن المجتمع بأن حكومته تقوم بعملها لصالح الإنسان أولاً، ونجد أن وزير التجارة ووزير الإعلام المكلف كان له مشاركة شخصية في التأكيد على توافر المواد الاستهلاكية الأساسية، ومشاركة وزير الصحة شخصيـًّا برسائل توعوية عديدة على الشبكات الاجتماعية، كما شاركت وزارة الداخلية وأمراء المناطق وغيرهم من ممثلي القطاعات المسؤولة عن الأزمة.
وكان من الإيجابي الاعتماد الواضح على الفيديو القصير والإنفوجرافيكس والشبكات الاجتماعية بدلاً من التركيز على المؤتمرات والبيانات الصحفية فقط، وأعتقد أن ما أمكن تحقيقه خلال هذه الأزمة سيستفاد منه في الأزمات والحملات الإعلامية القادمة.
عهدية أحمد: “البحرين استخدمت (الإعلام الصحي) بتسع لغات”
تحدثت رئيسة مجلس إدارة جمعية الصحفيين البحرينية، عهدية أحمد عن التجربة الخليجية والبحرينية في التعاطي من الأزمة وقالت: “في دول الخليج العربية تناولت الجهات الرسمية الأزمة بطريقة مهنية وبشفافية مميزة أسهمت في نشر الوعي عبر وسائل الإعلام بكل أنواعها، وهذا دليل على مستوى الاحترافية والتضافر والتكامل الإجرائي بين كل الوزارات والإدارات المرتبطة التي حملت مسؤولية مواجهة جائحة كورونا، مثل وزارات الإعلام والصحة والداخلية في كل دولة”.
وعن التجربة البحرينية وما قدمت إعلاميًا للمواطنين والمقيمين على أرض مملكة البحرين قالت عهدية: “أُديرت الأزمة في البحرين إعلاميًّا بتفوق ومتابعة متواصلة، ومن أهم الآليات التي نفذها الإعلام البحريني أنه خاطب كل فئات المجتمع والجاليات المقيمة بتسع لغات؛ ليضمن وصول رسائله للكل، وعمل المسؤولون عن متابعة الأزمة على تفعيل إعلام صحي وإداري موحد ومنتظم من خلال التنسيق المشترك بين الجهات المعنية، وأسهم ذلك في عدم إشاعة الذعر، وتمـَّت السيطرة على المعلومات المغلوطة التي كان من الممكن أن تزيد من الآثار السلبية للأزمة”.
ولفتت “عهدية” إلى أن التحرك المهم لعدد من الحسابات المؤثرة على مواقع التواصل في البحرين جنب المجتمع البحريني فوضى الشائعات وزاد وعيه، مشيرةً إلى أن الوضع ذاته تم في دول الخليج العربية، حيث أثبتت مواقع التواصل من خلال المؤثرين والمتابعين أن أوطاننا خطوط حمراء وأن استقرارها ومصلحتها العامة فوق كل اعتبار.
وحول استخدام الجهات الرسمية نفسها لمنصات التواصل أكدت “عهدية” أن الأداء الإعلامي للجهات الرسمية يشهد تطورًا ملحوظـًا ويتضح ذلك لمن يتابع حساباتها الموثقة المسؤولة عن تقديم المعلومات للجمهور، حيث واصلت تلك الحسابات الليل والنهار لمتابعة مستجدات الأزمة وطمأنة المواطنين وإرشادهم بكل حرص.
الجهوري: “هبّة الإعلام الخليجي صنعت وعي المجتمع”
من جانبه أشاد نائب رئيس جمعية الصحفيين بسلطنة عُمان، الصحفي والكاتب سالم الجهوري، بالعمل الإعلامي في دول مجلس التعاون خلال أزمة كورونا، وقال: تجربة دول الخليج خلال هذه الأزمة الصحية تستحق التوقف عندها لاعتبارات عديدة، من أهمها نضج الفكر الإعلامي لدى القيادات الخليجية، والذي تمثل في إيضاح الصورة للمواطن الخليجي وتقديم المعلومات له بدقة، وتجنيد كل الوسائل الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة إلى جانب منصات التواصل؛ لتقديم وشرح جهود دول الخليج العربية في مواجهة الجائحة العالمية.
وأكد “الجهوري” أن الأداء الإعلامي الخليجي جاء مواكبًـا لكل مراحل وصول الفيروس للمنطقة، وقال: “الإعلام الخليجي أفرد الصفحات والمساحات الزمنية في الإذاعة والتلفزيون لتغطية الأحداث ووضع المواطنين والمقيمين في الصورة ناقلاً الإجراءات الحكومية وحزم التوعية في هبّة إعلامية صنعت وعيًا أكبر، وأسهمت في تشكيل القناعة لدى المجتمع بأهمية وسلامة الإجراءات الاحترازية المتخذة، مثل غلق المطارات والحدود، خصوصًا أن معظم الحالات المصابة كانت قادمة من دول أخرى مثل إيران والصين وبعض دول أوروبا”.
وأضاف “الجهوري” أن المحتوى الإعلامي الذي قدمته وسائل الإعلام الخليجية عزز التدابير الحكومية مثل فرض حظر التجوال ومنع التجمعات، وأسهم في منع تفشي العدوى بشفافية تتطلبها المرحلة من الإعلام الرسمي، خصوصًا أنه لا يقف وحيدًا في المشهد في ظل وجود نوافذ جماهيرية هي مواقع التواصل الاجتماعي، وبادر الإعلام الرسمي ليقطع الطريق على شائعات شبكات التواصل بل وسخرها لإيصال المعلومة الصحيحة بوضوح، وكانت هذه ميزة تحسب للإعلام الرسمي أسهمت في إيصال ونجاح الخطط الوقائية الحكومية.
وختم “الجهوري” حديثه موضحـًا أن المجتمع يبقى بحاجة للمتابعة الإعلامية وتكرار المعلومات المهمة؛ لترسيخ الوعي وإبقاء المواطن والمقيم على اطلاع ليقف الجميع صفـًّا واحدًا في مواجهة مثل هذه الأزمة.
بقي القول إن وعي المواطن والتزامه بالتعليمات والإجراءات الاحترازية هي ثمرة الثقة المتبادلة بين القيادات والشعوب، ما منع المزايدين والحاقدين على مكانة ومقدرات دول مجلس التعاون من تحقيق أهدافهم.