انتصار الحقيقة رغم خطاب الكراهية

د. وجدان فهد باحثة في الإعلام - مملكة البحرين

مع إندلاع الحروب والأزمات فإن أول الضحايا هي الحقيقة، فكل طرف في النزاع يحاول أن يستقطب أكبر عدد ممكن من المؤيدين، حتى لو كان ذلك من خلال التضليل والتزييف، وما يهمنا في المجال الإعلامي أن نتابع ونرصد بدقة الأحداث، ونحاول تنقيتها التزامًا بالمصداقية وإحقاق العدالة المعلوماتية.

فمنذ اندلاع الأحداث المؤسفة في قطاع غزة، تبلورت رسائل الكراهية والتمييز العنصري ضد العرب والمسلمين في وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، وبالمثل ضد الإسرائيليين في وسائل الإعلام العربية، وجاءت تلك الرسائل عامة لا تخص فصائل معينة أو جهات رسمية محددة، سواء كانت عسكرية أو أمنية أو سياسية، بل قصدت كل المدنيين، وانتشرت المحتويات التحريضية والمضللة في فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى المحطات الإخبارية الرسمية والخاصة نقلاً عن تلك المنصات، مما أعاد على الأسماع مصطلحات مثل: «الإسلامفوبيا ومعاداة السامية».
أما مصدر تلك الرسائل وصناعها فلم يكونوا أفرادًا فقط متأثرين ومنحازين لاحد طرفي النزاع، بل أن المسؤولين أنفسهم كانوا هم مصدرها، فعلى سبيل المثال لا الحصر دعت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية المجتمع الدولي إلى إعادة توطين الفلسطينيين بدلاً من إرسال الأموال إلى قطاع غزة الذي تعرض للقصف منذ السابع من أكتوبر عام 2023م، وهاجمت الأونوروا ووصفتها بالفاشلة.
خطاب التحريض ذاته امتد إلى صناع السينما في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ دعا الممثل والمنتج الأمريكي «جيمس وودز» في منشور عبر منصة «إكس» إلى مواصلة إسرائيل حربها على غزة».
ومالك منصة «إكس» نفسه لم يسلم من الهجوم، فالملياردير الأمريكي «إيلون ماسك» باتت منصته معرضة لخسارة تفاعلات البيت الأبيض والنخب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعلن البيت الأبيض الانضمام إلى منصة «ثريدز» التابعة لشركة «ميتا» والمنافسة أساسًا لمنصة «إكس».
التي تواجه خروج العديد من كبار المعلنين بعد منشور لمالكها «أيلون ماسك» قيل إنه يتبنى فيه نظرية مؤامرة معادية للسامية.
وفي تقرير نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» تحت عنوان: «حرب غزة تشعل معارك رقمية بين منصات التواصل»، بتاريخ 5 نوفمبر 2023م، جاء فيه بأن إسرائيل دفعت ملايين الدولارات من أجل الترويج لروايتها في الحرب، فحسبما أوردته صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أن هذه الفيديوهات حققت أكثر من (1.1) مليار ظهور لنحو (535) مليون مستخدم فرنسي، كما أنفقت (2.4) مليون دولار لاستهداف المستخدمين في ألمانيا، و(1.2) مليون دولار؛ لاستهداف الجمهور البريطاني، في حين (4.6) مليون دولار في فرنسا.
كما أن الحملات الدعائية الإسرائيلية وصلت ألعاب الفيديو، ولمواجهة خطابات الكراهية التي يتم الترويج لها في العالم الغربي، فإن الرد العربي كان حاضرًا من خلال ما جاء على لسان الأمين العام المساعد رئيس قطاع الإعلام والاتصال بجامعة الدول العربية، السفير أحمد رشيد خطابى: «نشهد حربًا إعلامية أو بالأحرى حربًا دعائية، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لزيف الرواية الإسرائيلية، وذلك باللجوء إلى حجب صفحات وإغلاق حسابات، ومنع تدوينات عبرت بشكل أو بآخر، عن رفضها للوضع الكارثي وقصف قطاع غزة دون مراعاة أحكام القانون الدولي الإنساني».
وأكد أهمية وضع إستراتيجية موحدة للتعامل مع الشركات الإعلامية العالمية وفي صلبها، الدفاع عن المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي.
إن من يتابع أداء منصات التواصل الاجتماعي التي يفترض أن تكون متنفسًا لعموم الأفراد وفضاءات مفتوحة للتعبير لن يخطئ انحياز القائمين عليها، وتوظيف تلك المنصات لطرف دون الآخر في الحروب والنزاعات، فأداء منصة «ميتا» على «الفيسبوك» و«ثريدز» أكبر دليل على ذلك في أحداث حرب قطاع غزة، بل قبل ذلك في الصراع بين روسيا وأوكرانيا بما ينفى حيادية أدوات الإعلام، ما جعل الحقيقة أولى ضحايا الحرب، إلا أن في حالة غزة يبدو الأمر أكثر ضراوة، إذ تؤدي الخوارزميات دورًا واضحًا، وتقوم لجان مراقبة المحتوى في «ميتا» بدور ملموس في حجب الحقيقة، وتمرير الأخبار والتقارير التي تناسب هذا الانحياز.
والمفارقة أنه على الرغم من الانحياز من قبل «ميتا»، فقد كانت الحقيقة تفرض نفسها في مواقع أخرى، والدليل أن الصور والفيديوهات انتشرت على الرغم من العدوان، ووصلت إلى العالم، وحركت ملايين المواطنين عبر العالم.
والشاهد أن الحرب في غزة هي حرب على الحقيقة في العالمين الفعلي والافتراضي، توّظف فيها الخوارزميات مثلمًا توظف الصواريخ والطائرات المسيّرة.