الإعلام والميتافيرس .. طبيعة الأنشطة الصحفية والترفيهية وتبادل المنافع في العوالم الافتراضية

أبوظبي - عباس مصطفى

العالم الافتراضي (Virtual world)، أو كما يسمى أيضًا (ميتافيرس Metaverse)، ويوصف أحيانـًا بالعالم (الشبكي المتعددMassively multiplayer online world  ) هو بيئة محاكاة رقمية قائمة على الكمبيوتر تعيش فيها مجموعات من البشر بمعادلهم الافتراضي ويتفاعلون مع مكوناتها المختلفة، ويتواصلون مع الآخرين داخله وخارجه وينخرطون في أنشطة تشبه ما يقومون به في الحياة الحقيقية.

في هذا الموضوع الذي اقتطعته وحدثته من كتابي “الإعلام والواقع الافتراضي” الصادر في القاهرة عام 2018م، تتضح هذه العوالم وما يجري فيها.

في عالم (الميتافيرس) يمكن للمستخدمين أو السكان أن يختاروا لأنفسهم ما يطلق عليها الشخصية الافتراضية، أو المعادل الافتراضي أو الرمزي أو المجسد الذي يطلق عليه بالإنجليزية (Avatar)، فمن خلال الأفتار يمكن للمستخدم التفاعل مع البيئة الافتراضية المحيطة به، ومع أفتارات المستخدمين الآخرين، حيث يتحكم المستخدم في مظهر أفتاره، وتحركاته، وأنشطته وعلاقاته مع الآخرين بدون حدود.

مفهوم العوالم الافتراضية

يعرف (مارك بلMark W. Bell  ) العالم الافتراضي بأنه شبكة تزامنية ومستمرة سهلتها أجهزة الكمبيوتر المتصلة ببعضها، يمثل الناس فيها بالأفتار، وبحسب (ريتشارد بارتلRichard Bartle )  هي بيئة مؤتمتة ومشتركة يمكن للناس التفاعل من خلالها في الوقت الحقيقي عن طريق الذات الافتراضية.

أما (كارينا غريفانCarina Girvan )، فتعرفها بأنها بيئة استغراقية مستمرة ومحاكاة وغامرة تسهلها شبكات الكمبيوتر للعديد من المستخدمين مع أفتارات خاصة بكل واحد منهم، علاوة على أدوات الاتصال التي تمكنهم من التفاعل في الوقت الحقيقي داخل هذا العالم.

ويرجع مفهوم العالم الافتراضي إلى ما قبل ظهور أجهزة الكمبيوتر بزمن طويل، فقد عبر عالم الطبيعة الروماني، (جايوس بلينيوس سيكوندوسGaius Plinius Secundus ) المعروف بـ(بليني الأكبرPliny the Elder ) عن اهتمامه بما يطلق عليه (الوهم الإدراكيPerceptual illusion ) والمقصود بذلك بناء تصور لشيء موضوعي بطريقة تؤدي إلى سوء تفسير لطبيعته الفعلية.

وكانت أجهزة محاكاة الواقع الافتراضي من بين أوائل العوالم الافتراضية التي تم تنفيذها بواسطة أجهزة الكمبيوتر، مثل جهاز (السينسوراما Sensorama) الذي ظهر عام 1962م بواسطة (مورتون هيغليغ Morton Heilig)، ثم تطورت العوالم الافتراضية المعاصرة، خاصة ما يطلق عليها بيئات الإنترنت متعددة المستخدمين التي يتركز معظمها في مجال الألعاب.

فبين عامي (1973 و1974م)، ظهرت لعبة (حرب المتاهةMaze War ) كأول لعبة شبكية ثلاثية الأبعاد ومتعددة اللاعبين، وكانت تُلعب على شبكة وكالة مشاريع البحوث المتقدمة في الولايات المتحدة الأمريكية (أربانيت ARPANET)، التي مهدت لظهور الإنترنت في ما بعد، وتعتبر هذه اللعبة من أوائل تطبيقات الواقع الافتراضي، وعندما ظهرت شبكة الإنترنت في بداية أمرها نشأت غرف الدردشة وهي تمثل أيضًا بدايات العوالم الافتراضية.

كانت الإصدارات المبكرة لهذه العوالم تقوم على النصوص ذات التمثيل الرسومي المحدود، لذلك كان المستخدمون يتعرفون على معالم ومجتمع العالم الافتراضي عن طريق كتابة وقراءة الأوامر، وقد قادت هذه النماذج الأولى في ما بعد إلى ظهور ألعاب الإنترنت متعددة اللاعبين التي أشرنا إليها، حيث يتفاعل عدد كبير من اللاعبين داخل عالم افتراضي.

عوالم افتراضية مبكرة

من نماذج العوالم الافتراضية المبكرة، بيئة (ورلدزاوايWorldsAway ) للدردشة ثنائية الأبعاد، التي يقوم فيها المستخدمون بتصميم أفتاراتهم المختلفة، كذلك الأمر بالنسبة لعالم (دريمسكيب الافتراضي Dreamscape) وهو عبارة عن مجتمع تفاعلي صممته شركة (كوميبوسيرف CompuServe)، فضلاً عن شبكة (سيتي سبيس Cityspace)، التعليمية التي تتضمن مشروعًا لرسومات غرافيكية ثلاثية الأبعاد مصممة للأطفال، بجانب عالم مجتمع (القصرThe Palace )، وهو عالم افتراضي ثنائي الأبعاد.

في عام 1985م، ظهرت لعبة (الموئلHabitat ) التي تم تطويرها بواسطة شركة (لوكاس آرتس Lucas Arts ) الأمريكية المتخصصة في ألعاب الفيديو، وهذه هي المحاولة الأولى لبناء مجتمع افتراضي تجاري واسع النطاق يعتمد على رسومات الغرافيك، وقد تم وضع اللعبة في الشبكة في عام 1986م.

بعد عشر سنوات في عام 1996م، أطلقت العاصمة الفنلندية هلسنكي، بالتعاون مع شركة هاتف (هلسنكيHelsinki Telephone Company ) ما أطلق عليه أول تصوير افتراضي شبكي ثلاثي الأبعاد، وكان يهدف إلى رسم خريطة للمدينة بأكملها، وقد أعيد تسمية مشروع هلسنكي الافتراضي لاحقًا بمشروع (هلسنكي أرينا 2000)، وهو يصور أجزاء من المدينة الحديثة والتاريخية بشكل ثلاثي الأبعاد.

في عام 1999م، تم إطلاق موقع (Weville.net) كأول عالم افتراضي مصمم خصيصًا للأطفال، وهو مبني على قاعدة التعلم القائم على لعبة واحدة، وفي عام 2000م تم إطلاق شبكة (هابو Habbo ) المجتمعية التي نمت وتطورت سريعًا، لتصبح واحدة من أكثر العوالم الافتراضية شعبية بملايين المستخدمين في جميع أنحاء العالم.

وشهد تاريخ 23 يونيو 2003م، إطلاق أهم حدث في هذا الجانب، لعبة الحياة الثانية ( Second Life)، وكانت في الأصل موجودة منذ عام 1999م في ذاكرة مؤسسة (مختبرات ليندن  Linden Lab) في سان فرانسيسكو الأمريكية، وذلك عندما أسس (فيليب روزديل Philip Rosedale) هذه المختبرات، بهدف تطوير أجهزة الكمبيوتر للسماح للناس أن تصبح غارقة في عالم افتراضي،  وتشبه الحياة الثانية إلى حد كبير ألعاب الإنترنت متعددة اللاعبين ( Massively multiplayer online role-playing games).

في هذا النوع من الألعاب يمكن لأي ساكن القيام بجولات لا حد لها في أراض ومدن وشوارع افتراضية، كما يمكنه تصميم المنازل والمكاتب والملاعب والمحلات التجارية، وتأسيس الصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون والمعارض الافتراضية، وفي الوقت نفسه يمكنه مزاولة أعمال حقيقية تدر عليه دخلاً ماليًا.

كذلك يمكن أن يبادر شخص واحد بالعيش في هذا العالم، ومن ثم يقوم ببناء حلقة التواصل مع أشخاص آخرين، مثلما هو الحال في بعض ألعاب الفيديو التي يطلق عليها (Single-player games). مثال لها لعبة (ماين كرافتMinecraft ) التي تسمح للاعبين باختيار عالمهم الخاص من دون لاعبين آخرين، ومن ثم العمل على تكوين المهارات من اللعبة نفسها للعمل جنبًا إلى جنب مع لاعبين آخرين، والعمل على إيجاد بيئات افتراضية أكبر وأكثر تعقيدًا.

وتصور ألعاب الإنترنت الواسعة متعددة اللاعبين (Massively multiplayer online games) مجموعة واسعة من العوالم، بما في ذلك تلك القائمة على الخيال العلمي، والعالم الحقيقي، والأبطال الخارقين، والرياضة، والرعب، والأمور التاريخية، وتجري معظم العمليات المرتبطة بهذه الألعاب في الوقت الحقيقي، ويشعر الناس بحرية أكثر مما هم عليه في العالم الحقيقي، حيث تختفي شخصياتهم الحقيقية، وتتلاشى القيود التي تعيق حركتهم وتحدد تصرفاتهم، وذلك على الرغم من أن العديد من هذه العوالم لها قوانين وأنظمة تحكم تصرفات وتحركات وأنشطة الناس الذين يعيشون فيها.

من الألعاب إلى الأنشطة اليومية

توفر العوالم الافتراضية لملايين المستخدمين احتياجات مختلفة لا حد لها، من علاقات اجتماعية وثقافية ودينية وعلمية وتجارية، بل يمكنهم داخلها تحقيق الأرباح والتعامل مع وجود عملة افتراضية لها سعر صرف، تمامًا مثلما هو متوفر في الحياة الحقيقية، كما توجد مجموعات من  الشركات، والمصارف، والمتاحف، والمعارض، والحدائق العامة والمؤسسات الإعلامية، ومنظمات المجتمع المدني، والأندية الرياضية الترفيهية وغيرها.

ومثل العالم الافتراضي للشركات المنتجة للسلع والخدمات مجالاً بديلاً ومستحدثـًا لعرض منتجاتها وخدماتها المختلفة، بما في ذلك السيارات والإلكترونيات، والمخططات العقارية، والموضة وغير ذلك، حيث يمكن لسكان العوالم الافتراضية القيام بكافة عمليات الشراء والبيع.

فضلاً عن ذلك أصبحت العديد من العوالم الافتراضية بمثابة مجتمعات بديلة لبعض كبار السن، بغرض تعويض أوجه القصور الاجتماعي أو العاطفي الذي  يعانون منه، أو للأطفال المحرومين من الوالدين، أو الذين يعانون من بعض المشاكل الصحية ذات المنشأ العصبي أو النفسي، مثل التوحد وغيره.

كما أصبح بعضها يمثل مجالاً هامًا للتعليم والتدريب وغير ذلك، حيث تستخدمها المؤسسات الأكاديمية والتعليمية والتدريبية التي تبتكر داخلها أساليب مستحدثة لا حصر لها للتعامل مع الفصول الدراسية الافتراضية، وتقديم الدروس والمحاضرات للطلاب وهم في منازلهم، كما تجري بعض المؤسسات العامة والخاصة داخلها دورات التدريب لموظفيها عن بُعد.

الإعلام في بيئة الميتافيرس

من بين سكان العوالم الافتراضية نشأت أجيال من الصحفيين الذين يغطون الأحداث ويعلقون على القضايا والظواهر التي تجري داخل العوالم الافتراضية، وهم صحفيون محترفون وهواة من اتجاهات وتخصصات مختلفة، بعضهم صحفيون مواطنون، وآخرون ينتمون إلى المؤسسات الإعلامية المعروفة وغيرها ينشطون في نقل أخبار العالم الافتراضي إلى صحافتهم التقليدية أو الافتراضية.

هنا نشأت صحف ومجلات ومدونات وإذاعات ومحطات تلفزيون ومسارح، كما بنيت إستراتيجيات اتصالية خاصة، وحدثت تقلبات وصراعات بين سلطاته العالم الافتراضي والصحافة الناشئة فيها. وفي لعبة الحياة الثانية على وجه الخصوص تطورت منظومة إعلامية خاصة على رأسها صحيفة الحياة الثانية الرئيسية (Second Life Herald)، وقد كانت تتابع الأخبار عن الأفراد والشركات داخل اللعبة، بما في ذلك أخبار الشركة التي أسست اللعبة، والتي يطلق عليها السكان “الحكومة”.

ويؤكد (ليوناردو ويت وآخرين Leonard Witt, et al)، بدايات صحافة الواقع الافتراضي التي تعود إلى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، حيث كانت تمارس في المقام الأول في الحياة الثانية، خاصة من خلال البرامج التلفزيونية الإخبارية الأسبوعية، مثل برنامج (ميتانوميكس  Metanomics) مع المقدم (روبرت بلومفيلد Robert Bloomfield)، وهو أستاذ للمحاسبة في جامعة (كورنيل الأمريكية Cornell University).

فضلاً عن ذلك كانت تصدر مجموعة من الصحف مثل: (سكند لايف هيرالد The Second Life Herald)، وصحيفة (أفاستار AvaStar)، و(صحيفة ميتافيرس تريبيون The Metaverse Tribune)، و(نيو وورلد نوتس New World Notes)، و(صحيفة ميتافيرس مسنجر Metaverse Messenger)، و(ميتافيرس جورنال Metaverse Journal).

ويلاحظ أن جميع هذه النماذج ظلت تعمل على تقديم الخدمات الصحفية بطرق ومداخل مختلفة للسكان المقيمين داخل البيئة الافتراضية وخارجها، بغرض فهم الحياة في العالم الافتراضي، وذلك بجانب مئات المدونات التي كانت تسجل وتعلق على أحداث هذا العالم الخيالي، فضلاً عن النشاطات الأخرى المتعددة التي تصب في صناعة الإعلام، أو تتفرع منه مثل التصوير بنوعيه والرسم وأعمال الموسيقى وصناعة السينما وغيرها.

وكانت الحياة الثانية قد حصلت على أول صحيفة خاصة بها هي( سكند لايف هيرالد The Second Life Herald) بعد أقل من عام على ظهورها، وكانت مهمة هذه الصحفية تتركز في رصد وتسجيل ودراسة الآثار القانونية والاجتماعية والاقتصادية للحياة في العالم الافتراضي، وكانت معظم مقالات هذه الصحيفة تكتب بشكل أقرب لمداخلات المدونات.

تأسست (سكند لايف هيرالد) على يد أستاذ الفلسفة واللغويات (بيتر لودلو Peter Ludlow)، كتجربة مستحدثة على منصة لعبة عوالم افتراضية أخرى تسمى (سيمز أون لاين The Sims Online)، حيث كان يطلق عليها هناك اسم آخر هو (الفافيل هيرالد The Alphaville Herald)، وذلك منذ 23 أكتوبر 2003م، لكن ما حدث أن لودلو، أو بالأحرى أفتاره واسمه في الواقع الافتراضي (أوريزينوس سكلار Urizenus Sklar) تعرض للطرد سريعًا من عالم (سيمز) بسبب مقال افتتاحي نقدي كتبه عن الشركة التي بنته، واسمها (إليكترونيك أرتس Electronic Arts).

فضلاً عن ذلك  تجرأت هذه الصحيفة وكشفت قصصًا عن حالات احتيال في مجتمع لعبة الحياة الثانية وانتشار البغاء الإلكتروني، وسلطت الضوء على اللامبالاة تجاه الفنون الإلكترونية، وأشارت إلى سلبيات ومشاكل الديموقراطية الافتراضية، وهي كتابات أنهت حساب (لودلو) في (سيمز أون لاين)، فانتشر خبره في عناوين الصحف الدولية ليهاجر في يونيو 2004م إلى عالم افتراضي آخر هو الحياة الثانية كما أشرنا.

وكان (بيتر لودلو ومارك والاس Mark Wallace)، الذي رأس سكند لايف هيرالد قد نشرا كتابًا بعنوان: (The Virtual Tabloid that Witnessed the Dawn of the Metaverse) قدما فيه نظرتهما المتعمقة حول التحديات المختلفة التي تواجه الصحفيين في العالم الافتراضي، فضلاً عن عرض عام للتطورات التي تجري في هذا العالم. تعبير (ميتافيرس Metaverse) الذي استخدماه في عنوان كتابهما المشترك، وهو يمثل جزءًا من أسماء عدد من صحف العالم الافتراضي، كان يعبر عن مجال تخيله كاتب الخيال العلمي (نيل ستيفنسون Neal Stephenson) في عام 1992م كفضاء افتراضي تجري فيه أنشطة الحياة اليومية، ويتم الوصول إليه عبر الإنترنت، ووفقًا لودلو ووالاس، فإن هذا المستقبل سيأتي بأسرع مما قد نتصور، ونشير هنا إلى كيف أصبح هذا العالم بمثابة إستراتيجية رئيسية بالنسبة (لمارك زوكربيرغ) الذي يرى فيه مستقبل الإنترنت وليس فيسبوك وحدها.

وقد ظلت تنشط في الحياة الثانية صحيفة (ميتافيرس ماسينجر Metaverse Messenger) التي ظهرت لأول مرة في 9 أغسطس 2005م، وقد بادر بإصدارها (كريستان هول Kristan Hall) بأفتاره في الحياة الثانية (كات كونغو Katt Kongo)، وذلك مع (آلان سيغر Alan Seeger) أو (فينيكس بسالتيري Phoenix Psaltery)، وهو أيضًا اسم أفتار للاستخدام في العالم الافتراضي.

وإلى منتصف عام 2009م، ظلت (ميتافيرس ماسينجر) تصدر كصحيفة تابلويد بعناوين عريضة وملفتة وصور قوية وإعلانات، وهي تنشر المقالات والأخبار وتتابع الرياضة والأزياء والمناسبات المجتمعية، فضلاً عن تخصيصها صفحات للأطفال ووجهات النظر ورسومات الكاريكاتير، كما تتناول قصصًا إخبارية بانتظام عن السكان، والمبدعين والبرمجيات، وهي ترجع بانتظام للمتحدثين من مختبرات ليندن التي تدير الحياة الثانية، وذلك للتعليق على الأحداث والأخبار في إطار تحقيق التوازن والحياد، لا سيما عند استخدامها للمصادر الصحفية التقليدية، وقد كانت تصدر في هيئة (بي دي إف) وتوزع مائتين وخمسين ألف نسخة، كما يقول ناشروها في موقعها على شبكة الإنترنت.

أيضًا كانت تصدر صحيفة (ميتافيرس جورنال The Metaverse Journal) على نمط صحف الإنترنت، وهي تركز على تغطية مجالات مختلفة تشمل الأعمال التجارية والتعليم والصحة والأخبار العامة المتعلقة بالعوالم الافتراضية، أما صحيفة (ميتافيرس تريبيون  The Metaverse Tribune)، أو بالاسم الثاني (أخبار العالم الافتراضي Virtual Worlds News)، فقد كانت ترصد الأحداث ذات العلاقة المباشرة بالتقدم التكنولوجي في البيئات الافتراضية.

وفي عام 2005م، أسس (جيمس جونو James T. Juno)، وهو أحد السكان في الحياة الثانية، (صحيفة الحياة الثانية Second Life Newspaper)، وذلك بغرض توفير وسيلة سهلة للسكان لفهم ما يجري حولهم، فقد كانت تعتمد على المقابلات مع السكان وتنشر آرائهم وأفكارهم المختلفة، كما كانت تضم أقسامًا غير تقليدية لا تتوفر في الصحف الأخرى، منها قسم للقصص الخيالية وغيرها.

ومثلما هو الحال في الحياة المادية، فإن صحافة العالم الافتراضي ذات الشأن كانت تباع وتوزع للمشتركين الذين يدفعون قيمة اشتراكهم، فعندما خطط الناشر الألماني المعروف (أكسل شبلينغر Axel Springer) لوضع صحيفة في هذا العالم كان سعر بيعها من ضمن الخطط، وهو  بين (10 و15) دولارًا من دولارات ليندن، أي العملة الافتراضية للحياة الثانية (Linden dollars)، كما خطط لها أن تباع عن طريق الاشتراك بإرسال نسخها الجديدة إلى صناديق البريد الخاصة بسكان العالم الافتراضي.

هذه الصحيفة نشطت تحت اسم (أفاستار AvaStar) أسستها صحيفة (بيلد Bild) الألمانية، وقد صدرت من خلال الذراع الرقمي لها وهو موقع (بيلد. تي أون لاين Bild.T-Online)، وكانت قد نشرت موضوعاتها لأول مرة في ديسمبر 2006م باللغة الإنجليزية، ثم أصبحت لاحقا تصدر بالإنجليزية والألمانية.

وبحسب (ستيفن توتيلو Stephen Totilo)، فقد ارتفعت في عام 2006م شعبية الحياة الثانية مع تزايد عدد السكان المقيمين، وبزيادة كمية التقارير الإعلامية التي يكتبها الصحفيون عن البيئة الافتراضية ويتم نشرها في الصحف الرقمية والمدونات، فقد زادت وتيرة التغطيات عن هذه البيئة أيضًا في وسائل الإعلام التقليدية، وبسبب الفضول المتزايد حول الحياة الثانية، فقد أسست المؤسسات الإخبارية مثل وكالة “رويترز” للأنباء وشبكة “سي إن إن” الإخبارية مكاتب داخلها، حيث أصبح الصحفيون يكتبون تقارير صحفية ومقالات عن الطرق المختلفة التي أسستها الحياة الثانية لتقليد الحياة المادية.

فمع نمو اقتصاد الحياة الثانية بدأت مؤسسات من العالم المادي ومنها جهات إعلامية تنشط داخل هذا الفضاء الافتراضي، عينت “رويترز” اثنين من الصحفيين لمتابعة الأخبار عن العملات الافتراضية والشركات العاملة في الحياة الثانية، وكانت تقارير مراسل الوكالة في لندن (آدم باسيك Adam Pasick)، والذي عمل مراسلاً لها في الحياة الثانية، لا تختلف كثيرًا عن الطريقة التي يعمل بها في العالم المادي، فهو يجري مقابلات مع أكبر عدد ممكن من الناس، ويبحث عن قصص مثيرة للاهتمام فيتابعها، علمًا بأن “رويترز” كانت تنشر مواد نصية وصوتية ومصورة بالفيديو للمتابعين داخل وخارج العالم الافتراضي، وكان باسيك يعمل من خلال أفاتار باسم (Adam Reuters).

يقول توتيلو: “إن رويترز تواجدت في الحياة الثانية إثر حدوث موجة قدوم الصحفيين المحترفين كأفراد، بعدها رتبت الوكالة العالمية أوضاعها لتعيين مراسل بدوام كامل فيها، وكان أحد الأسباب المنطقية لرويترز للعمل في هذا العالم، هو نمو  قطاع الأعمال الذي كان يتمتع بنشاط اقتصادي بين السكان، فدولار ليندن (Linden Dollar) كان هو عملة الحياة الثانية القابلة للتحويل بحرية إلى العملات الصعبة، حيث تتولى مختبرات ليندن عملية تحويل الأموال الافتراضية إلى أموال حقيقية في حسابات بطاقات الائتمان الخاصة بسكان الحياة الثانية”.

كذلك تواجدت شبكة “سي إن إن”، وذلك من خلال نافذتها (سي إن إن إي ريبورتCNN iReport)، وهي تمثل نموذجًا للصحافة التشاركية في بيئة الحياة الثانية (Participatory journalism)، حيث تسمح بمشاركة القراء الافتراضيين في صنع الأخبار، ولم تكتف “سي إن إن بذلك”، بل جاءت في مارس 2017م بتطبيق جديد يستفيد من التطورات الجديدة في الواقع الافتراضي أطلقت عليه اسم (CNNVR)، وهو بالإضافة إلى كونه قابل للعرض على الهواتف الذكية، يمكن الوصول إلى محتواه مباشرة بواسطة أجهزة عرض الواقع الافتراضي المختلفة وبعض متصفحات شبكة الإنترنت.

ثم جاءت مؤسسات اقتصادية إلى الحياة الثانية، عندما اشترت شركتا (بونتياك Pontiac)  و(بي إم دبليو BMW) أراضًا، وفتحت معارض خاصة بهما، كما شيد اتحاد البيسبول الأمريكي ملعبًا خاصًا (Major League Baseball)، وأسست “صندانس” مسرحها الافتراضي (Sundance Channel)، وفتح متجر الملابس الشهير (أمريكان أباريل American Apparel) معرضه الخاص، وهكذا.

وكانت أكبر الشركات التي نشطت في هذا العالم الافتراضي في أيامه الأولى، شركة “أديداس” الألمانية المتخصصة في الأحذية والملابس الرياضية، وصانع السيارات الياباني “تويوتا”، وشركة “سوني بي إم جي” للموسيقى (Sony BMG)، و”صن مايكروسيستمز” لبرمجيات الكمبيوتر، وشركة أخبار التكنولوجيا (سي نت Cnet)، وغيرهم.