الأمين العام يدعو إلى تبني الاعتمادية المتبادلة لمعالجة التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط

الأمانة العامة ‒ كامبريدج

دعا معالي الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى تبني الاعتمادية المتبادلة لمعالجة التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط.

وقال: “إن المدخل الأساسي لمعالجة تحديات منطقة الشرق الأوسط هي كيف نشجع الآخرين على تبني المفهوم الأساسي للاعتمادية المتبادلة من دون الصراعات الرهيبة”، مشيرًا إلى أننا إذا أردنا أن نؤثر في القوى الخارجية كي تعمل على التوفيق بين مصالحها ومصالح المنطقة، فإننا سنحتاج بالتأكيد إلى استجابة منسقة ومشتركة ومركزة للقضايا التي نواجهها.

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها معاليه أمام منتدى مركز الخليج للأبحاث، منتصف يوليو الماضي في جامعة كامبريدج، بمشاركة نخبة من المختصين والمفكرين والباحثين.

وتحدث الأمين العام عن التطورات الجارية في المنطقة، وموقف الدول والقوى الدولية منها، مشيرًا إلى أن جميع اللاعبين الخارجيين يسعون إلى التأثير في المنطقة من أجل ما يسمونه بالمصالح الوطنية، غير أن هذه القوى باتت تدرك أن من الأفضل لها أن تعمل على تحقيق تسويات دائمة لأزمات المنطقة بدلاً من المغامرات القصيرة المدى.

وأثار الأمين العام في كلمته عددًا من التساؤلات المهمة، ومنها: ماذا بعد أن تهدأ الأوضاع في الشرق الأوسط ؟ وكيف يمكن التأثير في القوى الخارجية بحيث توجه القوى الخارجية مصالحها لما فيه صالح المنطقة؟ وما السبيل إلى تحقيق شرق أوسط آمن ومستقر ومستدام؟! ودعا معاليه المشاركين في المنتدى إلى البحث عن إجابات وتصورات للأسئلة المثارة.

وقال الدكتور عبد اللطيف الزياني: “إن الصورة الكلية للمنطقة معقدة للغاية، فهناك علاقات متداخلة وفوارق بسيطة وتناقضات واضحة ومحركات متنامية بصورة دائمة، إلا أن القضايا والتحديات واضحة تمامـًا، وهي: فلسطين وإيران وسوريا واليمن وليبيا والعراق، وداعش وغيرها من الجماعات الارهابية، والأنشطة العدائية السيبرانية، والتهديدات العالمية للإرهاب، والتطرف الديني وما إلى ذلك”.

وأضاف: “إنني مؤمن بأن التحديين الرئيسيين المعاصرين اللذين علينا معالجتهما، هما القضية الفلسطينية، والمسألة الإيرانية”، مشيرًا إلى أنهما سبب كثير من التوترات الحالية، كما أشار إلى أن عدم التوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية هو الذي يغذي أنشطة إيران واللاعبين الآخرين في نشر الإرهاب والتطرف في المنطقة وخارجها، داعيـًا إلى ضرورة تنسيق جميع طاقاتنا ودبلوماسيتنا تجاه التوصل إلى حلّ للقضية الفلسطينية.    

وأوضح الأمين العام إن السبيل الأفضل لتحقيق الزخم في مواجهة التحديات الفردية هو وضع رؤية بعيدة الأمد ترتبط بها كل خططنا المستقبلية. وقال: “إن هذه الرؤية رؤية طموحة، لكنها بسيطة في نفس الوقت، وتتلخص في إيجاد شرق أوسط مستدام وآمن ومزدهر”.

وأعرب الأمين العام عن قناعته بأنه يمكن تنسيق المصالح والتوصل إلى تسويات وتحقيق التعاون وتوفير الفوائد للقوى العظمى ودول المنطقة على حد سواء من خلال الاعتمادية المتبادلة، مشيرًا إلى أنه يمكن إقناع بعض دول منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بقيمة التعاون وأهميته وضرورته، بدلاً من السعي  المستمر إلى تحقيق مصلحة وطنية ضيقة.

وأضاف: “إن هذا التحدي بالغ الخطورة يتطلب منا سعة الخيال والمرونة والإرادة السياسية والتوفيق الحذر، بالإضافة إلى موازنة التكلفة المالية مقابل العوائد طويلة الأمد، أي الموازنة بين التريليونات التي تنفق على الصراعات وما ينتج عنها من بؤس وشقاء، وبين الفوائد والمنافع التي سوف تتحقق لمصلحة الجميع”.

 وقال الدكتور عبد اللطيف الزياني: “إن الدول ذات التفكير المتشابه ينبغي عليها أن تضع رؤية بعيدة الأمد وخطة تنفيذية تصورية، ومن ثم التواصل مع الأطراف المعنية والمهتمة، لتكون وحدة مترابطة يكون هدفها الرئيس تحقيق الاستقرار والسّلم والازدهار من خلال الاعتماد المتبادل، مشيرًا إلى أنه يمكن احتواء المشككين والخصوم من خلال هدف جاذب ومغر، بحيث إن مـَن لا يرغب في أن يكون جزءًا من هذه الرؤية فسوف يكون خاسرًا  ومهمشـًًا.

وأضاف الأمين العام أن رؤية الاعتمادية المتبادلة لن يكتب لها النجاح من دون حوافز ودعم مالي، ولذلك ينبغي حثّ مزيد من الأطراف في المنطقة على إدراك الفوائد الاقتصادية للتعاون بدلاً من المواجهة، والبدء في إشراك القوى الخارجية في تشجيع هذه الاعتمادية المتبادلة ماليـًّا.

وأشار الأمين العام إلى أن الجهود الأخيرة في المنطقة ومنها ورشة “السلام من خلال الازدهار” التي عُقدت في مملكة البحرين، يمكن اعتبارها نواة لخطة مارشال الشرق الأوسط الجديدة التي تستقطب استثمارات كبيرة من المنطقة وخارجها لتطوير وتوسيع البنية التحتية المادية وشبكات التعاون والتجارة التي تشكل حجر الأساس للاعتمادية المتبادلة الحقيقية، مشيرًا إلى أن هكذا خطوات لا يمكن أن تثمر إلا في سياق تسوية سياسية مستدامة وشاملة، لأن الاعتمادية المتبادلة لا يمكن بناؤها في الفراغ، فهي تتطلب على أقل تقدير حل القضايا السياسية بأسلوب عادل ومستدام. وأعرب الأمين العام عن اعتقاده بأن مصالح كافة القوى الخارجية سوف تتجه نحو تحقيق هذه الرؤية نظرًا لارتباط الاستقرار الإقليمي بالاستقرار العالمي، حيث إن الازدهار الإقليمي يعزز من النمو العالمي، مشيرًا إلى أن تلك القوى الخارجية يمكن لها أن تساعد من خلال الاستثمار في حقبة جديدة متفائلة بدعمها للمؤسسات والشبكات من خلال كونها الجهة الراعية للمنافع التي ستتبع ذلك، ومن خلال تشجيعها كل الأطراف المعنية على التحرك بجد وصدق نحو تحقيق هذا الهدف، وبذلك فإن الأطراف التي سوف تختار عدم المشاركة ستكون هي الخاسر الوحيد.