احتضنت العاصمة السعودية الرياض على مدار ثلاثة أيام أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثانية، تحت شعار “الذكاء الاصطناعي لخير البشرية”، برعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، وحضور أكثر من (10) آلاف شخص و(200) متحدث من (90) دولة يمثلون صانعي السياسات في مجال الذكاء الاصطناعي ورؤساء كبرى الشركات التقنية في العالم، وذلك بمقر مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بمدينة الرياض، خلال الفترة من 13 – 15 سبتمر 2022م.
وتؤكد رعاية سمو ولي العهد للقمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثانية حرص سموه على الاستفادة من هذا القطاع الحيوي؛ لتحقيق التنمية للمملكة العربية السعودية، وأن تكون المملكة نموذجًا عالميًّا رائدًا في بناء اقتصاديات المعرفة لخدمة الأجيال الحاضرة والقادمة وتحقيقاً لمستهدفات رؤية السعودية (2030).
سبعة مشاهد تلخص علاقة الإنسان بالذكاء الاصطناعي
استهلت القمة أعمالها بعرض حي بعنوان: “يمكن للبشر أن يكون لهم مستقبل أفضل بفضل الذكاء الاصطناعي”، تضمن سبعة مشاهد تحكي علاقة الإنسان بالذكاء الاصطناعي، ومنها: “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وقصة التعلم الآلي، وكيف يعلم الإنسان الآلة؟ وكيف تصبح بيديه ذكية بحيث تستوعب تعليماته؟, إضافة إلى كيف تصبح مستقلة وتعمل دون الحاجة إلى مدخلات بشرية إلى أن ينسجم الإنسان مع الآلة من جديد نحو الانسجام في المستقبل؟.
وسلط معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبد الله بن عامر السواحة، في افتتاح القمة، الضوء على الدعم والتمكين الذي يوليه سمو ولي العهد لكل ما من شأنه اغتنام فرص المستقبل، من خلال التركيز على الذكاء الاصطناعي ودوره في خدمة البشرية ورسم مستقبل المملكة لبناء مجتمعات رقمية ومدن ذكية واقتصاديات رقمية مزدهرة.
وتطرق معاليه إلى نتائج هذا الدعم والتمكين وانعكاسه على مجتمع الرياديين والشركات في المملكة، الذي نتج عنه تبني حلول الذكاء الاصطناعي لخدمة المجالات الحيوية في الصحة والطاقة والاقتصاد الرقمي، متناولاً بعض التجارب الريادية التي قدمتها المملكة، وفي مقدمتها تبني أرامكو لحلول الذكاء الاصطناعي في الحفر والتنقيب، ما مكّنها اليوم لتصدّر قائمة شركات الطاقة في الحلول التي تضمن استدامة البيئة.
واستعرض الوزير السواحة أهمية مشروع “ذا لاين” وقال: إنه يمثل هدية من سمو ولي العهد للبشرية في كيفية تخطيط المدن خلال الـ(150) سنة القادمة، وكيفية تطويع المملكة لحلول الذكاء الاصطناعي والبيانات لبناء المجتمعات المستدامة.
كما ألقى معالي رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، الدكتور عبد الله بن شرف الغامدي، كلمة استهلها بالترحيب بالمشاركين والحاضرين للقمة بمدينة الرياض موطن الذكاء الاصطناعي، مستذكرًا النسخة الأولى من القمة التي عُقدت بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي عام 2020م بسبب جائحة كورونا، وقال: إنه منذ ذلك الوقت حتى الآن لم تكن القمة مجرد انتقال من قمة إلى أخرى وهذه الفترة كانت لحظة فارقة في تاريخ البشرية التي مرت بالكثير وتعلمنا منها بالسنتين الماضيتين، مشيرًا إلى أن التقنية قد تقدمت خاصة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي بشكل كبير وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من كل جانب في جوانب حياتنا، مستشهدًا باستغراق العالم خلال القرون الماضية إلى (200) عام لاكتشاف أول لقاح لمرض الجدري حتى قُضِي على المرض، في المقابل جرى تقليل هذه الفترة الطويلة إلى بضعة أشهر منذ نشر أول تسلسل جيني لـ(كوفيد – 19)، وذلك بفضل تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، لافتًا الانتباه إلى أن هذا الأمر لم يكن التغيّر الوحيد، فالذكاء الاصطناعي والمساعدة الافتراضية في الملايين من المنازل والهواتف الذكية والمركبات للقيادة الذاتية ليست خيالاً بعد الآن، فالذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي قاما بإجراء الملايين من العمليات الجراحية اليوم.
وأكد معاليه أن الذكاء الاصطناعي حاضر اليوم قائلاً: نكاد نلامس سطح القدرات الكامنة للذكاء الاصطناعي، فالإشارات المبكرة واعدة للغاية، حيث يمكن للمزارع الرأسية التي تعمل اليوم عبر أدوات الذكاء الاصطناعي إنتاج أغذية بطاقة إنتاجية تصل إلى ما يتجاوز (400) ضعف ما تنتجه المزارع التقليدية، وأثبت الذكاء الاصطناعي أنه يمكن أن يساعد في تقليل الانبعاثات بنسبة (40%)، وأن يتنبأ ببعض أنواع السرطان بشكل أفضل من البشر، مضيفًا أن من أكثر الموضوعات المهمة: استكشاف العلاقة بين البشر والآلات؛ أين نتوقف؟ من أين تبدأ الآلات؟ وقبل 3 سنوات بدأنا السعي للإجابة على هذا السؤال من خلال إطلاق “آرتاثون” الذكاء الاصطناعي الذي مثَل تجربة عالمية جمعت المئات من خبراء الذكاء الاصطناعي والفنانين لاستكشاف أكثر الجوانب قربًا للبشرية؛ وهي الإبداع.
وحذر د. الغامدي من الفجوة الرقمية بين الدول في ظل التقدم التقني، وبأنها لا تزال تتسع مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، وجزء من هذه الفجوات نجده حتى داخل الأمة الواحدة، وضرب مثالاً بذلك: أن الفجوة بين الجنسين هائلة، ووفقًا لدراسة حديثة فإن (12%) فقط من باحثي الذكاء الاصطناعي هم من النساء، وهذا وضع لا يمكن أن يكون صحيحًا! وسنفعل شيئًا حيال ذلك في هذه القمة، موضحًا أن هذه الانقسامات تعيدنا دومًا إلى السؤال الأساسي الأكثر إلحاحًا ما الذي يعتبر ذكاءً اصطناعيًّا مسؤولاً؟ إذا طُوِّر الذكاء الاصطناعي اليوم في مناطق جغرافية محددة، وهيمن عليها جنس واحد واستهدف أسواقًا معينة، فكيف يمكننا الوثوق فيه؟ لذلك نرحب بالاتفاق الأخير لليونسكو الذي تضمن توصيات بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وأقرته (193) دولة، ونعتقد أن جميع الدول تتحمل مسؤولية تنفيذ تلك التوصيات لتعزيز موثوقية الذكاء الاصطناعي.
كما ألقى رئيس أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين المهندس أمين حسن الناصر كلمة في الجلسة الرئيسة أفاد فيها أن أرامكو السعودية تعتز بأن تكون أحد الداعمين الرئيسيين للقمة وتعلن فيها عن مشروع إستراتيجي جديد بمسمى (الممر العالمي للذكاء الاصطناعي)، موضحًا أن هذا المشروع الطموح يسير حاليًا في خطواته الأولى ويشمل تصميمه عدة عناصر ليقوم بأربعة أدوار رئيسة هي: تأسيس مركز تميّز لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي لأرامكو السعودية والجهات المهتمة في المملكة بهذه التقنية ذات الآفاق الهائلة، وتعزيز جهود تطوير منظومة الملكية الفكرية عالية التأثير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتسويق منتجات الملكية الفكرية تجاريًا، مضيفًا أن هذا المشروع يعمل كذلك على تدريب الكفاءات السعودية الشابة وتطويرها في مجالات الذكاء الاصطناعي، ودعم جيل جديد من الشركات السعودية الناشئة المعتمدة في نشاطها على الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أنه أطلق عليه “ممر عالمي”؛ لأنه يساعد في جهود نقل المعرفة وتبادل الأفكار وتقديم الحلول بين المملكة ودول العالم، وأرامكو السعودية وهو عنصر محفز لدعم مثل هذا النشاط المهم.
مستقبل .. يسوده الذكاء الاصطناعي
تناولت القمة جملة من الموضوعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ركزت خلالها على ثلاثة محاور هي: تقنيات الذكاء الاصطناعي وحالات استخداماتها الحالية في شتى مناحي الحياة، ومستقبل قطاع الذكاء الاصطناعي وكيفية تطويره والاستفادة منه في حل أبرز التحديات حول العالم، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي والاستخدام المسؤول لتقنياته، بهدف ضمان أن يكون المستقبل حقيقة وليس خيالاً علميًا.
وهدفت القمة إلى إنشاء منصة عالمية حديثة تجمع قادة الذكاء الاصطناعي ورواده من جميع أنحاء العالم للتواصل والتعاون فيما بينهم، وإحداث حركة عالمية وتحفيزها لتحول الأفكار إلى أفعال، وحتى تصبح الأفكار حقيقية وسريعة.
قمة استثنائية على مدار ثلاثة أيام
تُعد هذه القمة قمة استثنائية من حيث الحضور النوعي من الشخصيات والخبراء من مختلف دول العالم، ومن حيث حجم التفاعل الكبير من المشاركين والاتفاقيات التي تجاوزت (40) اتفاقية جمعت شراكة فريدة بين القطاعين العام والخاص نحو استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير الخدمات التي تقدمها الجهات وينعكس أثرها في جودة الحياة وخدمة البشرية في العالم، ناهيك عن إعلان (10) مبادرات محلية ودولية ما بين شركات ومؤسسات عالمية في سبيل تعزيز التعاون الدولي حول الذكاء الاصطناعي واستخداماته.
ويأتي تنظيم “سدايا” للقمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثانية ضمن اهتمامها الكبير بدعم مبادرة التحول إلى الاقتصاد المعرفي وبناء اقتصاد قائم على البيانات لتحقيق رؤية سمو ولي العهد في الارتقاء بمكانة المملكة إلى مصاف الاقتصاديات القائمة على البيانات.
وشكلت القمة وعلى مدى ثلاثة أيام منصة دولية جمعت الخبراء والمختصين والأكاديميين، والرؤساء التنفيذيين لكبرى شركات التقنية في العالم، وقادة الفكر والمبدعين وصناع القرار في القطاعات الحكومية والخاصة من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الشركات الرائدة والمستثمرين ورجال الأعمال؛ لمناقشة مستقبل الذكاء الاصطناعي في مجالات متفرقة.
وانضم المشاركون في القمة إلى أكثر من (100) جلسة عُقدت في القمة مع أكثر من (220) متحدثًا محليًّا ودوليًّا قدموا مجموعة من الرؤى المختلقة حول الذكاء الاصطناعي لتكون بمثابة ميثاق عالمي تستفيد منه دول العالم في رسم سياساتها تجاه الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتنوعة.
ففي اليوم الأول للقمة ناقشت الجلسات التي تخلّلتها حوارات علمية متنوعة أبرز استخدامات التقنية للحفاظ على البيئة، منها جلسة بعنوان: “استخدام التقنية لإعادة إحياء الغابات”، ضمن منتدى مبادرة “السعودية الخضراء” أكد خلالها معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبد الله بن عامر السواحة أهمية أن يكون الجميع في التغيير المناخي ومعرفة حقيقة ضخامة هذه الأزمة والتركيز على حلول الاقتصاد في الكربون وتعزيزه.
كما عُقدت جلسة بعنوان: “القطاع العام والحوكمة العالمية .. تحديد الرؤية الكبيرة لتقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية والقادمة، والبحوث والسياسات والآثار الاجتماعية”، تطرق فيها المشاركون إلى كيفية اكتشافها من خلال إمكانية توحيد الرؤى والأطر المتباينة للذكاء الاصطناعي وكيف يمكن للتكنولوجيا والقادة الأكاديميين في جميع أنحاء العالم الاستفادة منها وتوظيفها لصالح البشرية.
وفي جلسة بعنوان: “الذكاء الاصطناعي للتوائم الرقمية”، عدّ الرئيس التنفيذي لشركة نيوم، المهندس نظمي النصر، الذكاء الاصطناعي بمثابة القلب النابض لنيوم، مشيرًا إلى أنها ستقود المستقبل في التصاميم والتقنيات الحديثة، حيث تم خلال السنوات الخمس الماضية تخطي التوقعات من خلال تحويل الرؤية إلى إستراتيجيات بالتعاون مع العديد من الشركاء، لافتًا الانتباه إلى أن مشروع “ذا لاين” الذي سيكون مستقبل العالم وسيعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل كامل، وهو الرهان الأول، إضافة إلى أن المشروع سيُحدث ثورة في عالم التصاميم للمدن والتخطيط الحضري وأسلوب العيش.
وفي السياق ذاته أكد رئيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية “كاوست”، البروفيسور توني تشان، في إحدى مشاركاته بجلسات القمة، أن تقنية الذكاء الاصطناعي أسهمت بشكل فاعل في تطوير قطاعات الصناعة والابتكار والصحة والبنى التحتية، وأسهمت بدور حيوي في مواجهة وحل الكثير من التحديات، مجملاً ذلك بأن هذه التقنية باتت أكثر أهمية في وقتنا الحاضر لخدمة الإنسان.
كما شهد اليوم الأول من القمة توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات بين كبرى الشركات العالمية والجهات الحكومية في المملكة، منها توقيع الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، اتفاقية مع شركة “سنس تايم” الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بالعالم لإنشاء شركة جديدة في المملكة بقيمة استثمارية تقدر بـ(776) مليون ريال، لتمويل مختبر ذكاء اصطناعي متطور، وابتكار وظائف متميزة للسعوديين الموهوبين لوضع المملكة في مركز الريادة بمجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المنطقة.
كما وقعت وزارة الطاقة و”سدايا”، من خلال مركزهما المشترك “مركز الذكاء الاصطناعي للطاقة”، اتفاقية إستراتيجية مع شركة (IBM) لتسريع تبنّي الاقتصاد الدائري للكربون باستخدام الذكاء الاصطناعي، كما وقّعت “سدايا”، ممثلةً في مركز الذكاء الاصطناعي للطاقة المشترك مع وزارة الطاقة، مذكرة تفاهم مع شركة “هاليبرتون” (المدرجة في بورصة نيويورك) لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي في البترول والغاز محليًّا وعالميًّا.
شهد اليوم الثاني من أعمال القمة جلسات وحوارات علمية متنوعة، منها جلسة بعنوان: “دور التصنيع المتقدم والذكاء الاصطناعي في مجال الصناعة والتعدين”، شارك فيها معالي وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر بن إبراهيم الخريِّف، أكد فيها أهمية التصنيع المتقدم والذكاء الاصطناعي في مجال الصناعة والتعدين ودورها في دعم وزيادة الإنتاجية، مبينًا أن التصنيع المتقدم والذكاء الاصطناعي في مجال الصناعة والتعدين يُسهم في تحسين الموثوقية وتعزيز سلامة الموظفين، وجعل الصناعة المحلية أكثر استدامة.
وشهدت القمة في اليوم الثاني تدشين معالي وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ماجد بن عبد الله الحقيل، ومعالي رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، الدكتور عبد الله بن شرف الغامدي، ومعالي الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض، فهد بن عبد المحسن الرشيد، مسابقة “سمارتاثون” تحت عنوان: “تحدي المُدن الذكية”؛ بهدف تطوير حلول حديثة لتحسين المشهد الحضري بمُدن المملكة، والتوصل إلى حلول تقنية تُسهم في الكشف عن مظاهر التشوه البصري والحد منها.
ووقعت “سدايا” اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) لتطوير إطار عمل عالمي لقياس جاهزية الذكاء الاصطناعي ومساعدة دول العالم على مشاركة وتبنِّي أفضل ممارسات الذكاء الاصطناعي، والأطر التنظيمية والإصلاحات المؤسسية اللازمة للبلدان لتسخير جميع إمكانيات الذكاء الاصطناعي من أجل خدمة البشرية.
وفي إحدى الجلسات الحوارية تحدَّث معالي مدير الأمن العام في السعودية، الفريق محمد بن عبد الله البسَّامي، عن عمل وزارة الداخلية، ممثلةً في الأمن العام “القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة” والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، لوضع شراكة إستراتيجية لتطوير عدد من الخوارزميات الهادفة إلى تحسين الخدمة المقدمة لقاصدي بيت الله الحرام والمسجد النبوي، وذلك في إطار ما يجده الحرمان الشريفان من متابعة واهتمام من خادمِ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين.
كما شهد اليوم الثاني للقمة إعلان انضمام المملكة، ممثلةً في “سدايا”، إلى شراكة التنمية الرقمية تحت مظلة البنك الدولي، وهي شراكة تعاونية بين القطاعين العام والخاص؛ لمساعدة الدول النامية على الاستفادة من الابتكارات الرقمية؛ لحل بعض القضايا الأكثر تحديًّا، وبصفتها عضوًا جديدًا في هذه الشراكة ستسهم المملكة بدعم المبادرات التي تهدف إلى تعزيز تطوير قدرات البيانات، وتسريع استخدام الأدوات الرقمية، ومشاركة خبرات المملكة وقدراتها من أجل تحقيق النمو المستدام والتنمية الاقتصادية.
السعودية تطلق مبادرة مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
شهدت القمة في يومها الثاني إطلاق المملكة العربية السعودية مبادرة مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التي قامت بإعدادها؛ لتسهم هذه المبادئ بتسهيل التطبيق العملي للأخلاقيات أثناء مراحل دورة حياة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، كما تسهم في دعم مبادرات تنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة بما ينعكس على مستوى جودة الخدمات التي تقدمها المملكة للأفراد ويضمن الاستخدام المسؤول لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وفي جلسة بعنوان: “تصور النظام البيئي لاعتماد الذكاء الاصطناعي” أطلقت وزارة الصحة والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” النموذج الأولي لبرنامج الكشف المبكر عن سرطان الثدي باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي، كما تضمَّن توقيعَ حزمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين القطاعين العام والخاص شملت المجالات الصحية والتقنية والفنية، إلى جانب إطلاق جملة من المبادرات، وعقد ورش عمل استعرضت استخدامات الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية حظيت بتفاعل جماهيري كبير مع أركان وأجنحة المعرض المصاحب للقمة.
كما أُطلِق أولُ مركز متخصص في حلول الاستدامة وتطبيقاتها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في البيئة والمياه والزراعة تحت مسمى “مركز الذكاء الاصطناعي في البيئة والمياه والزراعة (AIEWA)، وكذلك أطلقت (SDAIA) و(MEWA) و(Google Cloud and Climate Engine) برنامج مراقبة الأرض والعلوم الذي يعتمد على تكنولوجيا مراقبة الأرض والذكاء الاصطناعي (AI)، لتوفير حلول الاستدامة التي من شأنها معالجة مخاطر تغير المناخ، وتعزيز حماية البيئة في المملكة والمنطقة، مثل: تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من (278) مليون طن سنويًا بحلول عام 2030م، وزراعة (10) مليارات شجرة في جميع أنحاء المملكة بحلول عام 2030م.
كما كُشف عن إنشاء سدايا ووزارة الصحة مركز التميز للذكاء الاصطناعي في الصحة (AIH) لدعم وتوحيد الجهود الوطنية لتطوير المعرفة والخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي، وقيادة البيانات التي تركز على الصحة وابتكارات الذكاء الاصطناعي.
وأعلنت “سدايا” ممثلةً بالمركز الوطني للذكاء الاصطناعي إطلاقَ نظام “صوتك” المتقدم لتحويل الكلام إلى نصوص اعتمادًا على تقنيات التعرُّف على الصوت بالتعاون مع الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي “سكاي” المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وفي اليوم الثالث من القمة عُقدت جلسة حوارية بعنوان: “كيف يمكننا تمكين قادة الشباب من خلال تعليم الذكاء الاصطناعي”، أكد فيها الرئيس التنفيذي لبرنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية “ندلب”، المهندس سليمان المزروع، أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في مضاعفة إنتاجية قطاعات الطاقة والصناعة والتعدين، ويمكن من خلالها جعل محطات الطاقة والموانئ أكثر ذكاءً، مبينًا أن رؤية المملكة (2030) ستسهم في رفاهية المجتمع المحلي، ومع وجود الذكاء الاصطناعي وقوة أبناء الوطن ليصبحوا قادة المستقبل.
وفي جلسة أخرى بعنوان: “برنامج (Elevate) العالمي لتمكين المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي”، أكدت صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت عبد العزيز آل مقرن، المندوبة الدائمة للمملكة العربية السعودية لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، حرص المملكة على تعزيز تمكين المرأة في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في مجال العلوم، وذلك من خلال مبادرات مختلفة، إضافة إلى إسهامها في صياغة توصية اليونسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لضمان عدم تخلف أحد عن الركب.
وقبل اختتام أعمال القمة بساعات أطلقت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” وشركة جوجل كلاود برنامج (Elevate) وهو تعاون جديد يهدف إلى تمكين المرأة في العالم من ممارسة وظائف جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وذلك من خلال تمكين المرأة في الأسواق الناشئة وتدريب أكثر من (25) ألف امرأة على مدى السنوات الخمس المقبلة.
كما أبرمت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وجامعة القصيم ممثلة بكرسي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل للذكاء الاصطناعي اتفاقيةً لتعزيز الشراكة في مجال البحث والتطوير التقني، ووقعت الجامعة السعودية الإلكترونية مذكرة تفاهم مع مركز تميز الصحة الرقمية التابع لوزارة الصحة تتناول مشاريع ومبادرات التعاون وتوظيف الإمكانيات والخبرات للطرفين بما يحقق المصلحة المشتركة لهما.
وفي ختام أعمال القمة كرّم معالي رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، الدكتور عبد الله بن شرف الغامدي، الفائزين في “أرتاثون” الذكاء الاصطناعي في نسخته الثانية ضمن مبادرات القمة، حيث حقق المتسابقان عبيد الصافي وإلين المركز الأول عن عملهما الفني (Where Loss Goes)، فيما حقق العمل (City Of Poems) وأعضاء فريق العمل: ريم الرويلي، ووفاء الغامدي، وفاطمة الغامدي، المركز الثاني، وجاء المركز الثالث من نصيب العمل (Spatial Of Ecologies) وأعضاء الفريق: ياسر سنجاب، وفراس سيف الدين.
آراء وأصداء
حظيت القمة العالمية للذكاء الاصطناعي بنسختها الثانية التي نظتمها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” بمدينة الرياض باهتمام واسع من المهتمين بالتقنية من خارج المملكة، حيث لفت أنظارهم ما قُدّم خلالها من جلسات وورش وعروض حية في المعرض المصاحب للقمة من جوانب عدة تتعلق بحياة الإنسان مثل: الصحة والصناعة والبيئة والطاقة وغيرها من العلوم التي يدخل في استخداماتها الذكاء الاصطناعي.
ونستعرض فيما يلي بعضًا من آراء العديد من الزوار من مختلف دول العالم، ومنهم المهتم بالتقنية من الصين السيد لي يونج الذي قال: “إن التطورات التي تشهدها المملكة أثبتت جاهزيتها التامة في قيادة العالم للتنمية في مجال تقنية الذكاء الاصطناعي”، مُبديا سعادته بزيارته الأولى للقمة العالمية للذكاء الاصطناعي التي تقام على أرض المملكة في نسختها الثانية ووصف المجتمع السعودي بالطموح لاهتمامه بمثل هذا النوع من المؤتمرات العالمية التي تخدم البشرية، مع وجود العديد من القطاعات الحكومية السعودية التي وظفت تقنية الذكاء الاصطناعي في أعمالها.
وقال اندرياس، أحد زوار المعرض من أستراليا: “إن احتضان القمة العالمية للذكاء الاصطناعي, والتقدّم والتحول السريع الذي تشهده المملكة, مذهل خلال الأربع سنوات التي قضاها في المملكة، حيث تظهر كل شهر قرارات وتحولات وإصلاحات مستمرة لتحقيق رؤية المملكة (2030)، مضيفًا: أنا متحمس للعودة في (2030) وعلى يقين تام بأني سأرى نيوم وذا لاين والعديد من المشروعات التي نُفذت على أكمل وجه بهمة قيادة السعودية وهمة شبابها”.
ونوّه بول، أحد زوار المعرض من نيجيريا، بما وصلت إليه المملكة اليوم من تقدم كبير في مجال التقنية والذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أنه تفاجأ كون معظم المهتمين هم جيل الشباب الذي يُعد ركيزة أساسية في تحقيق التنمية والازدهار، مشيدًا بالجامعات السعودية ومخرجاتها في المال العلمي والتقني.
فيما أبدت دانيا كوني من الولايات المتحدة الأمريكية التي تزور المعرض الإعجاب بالمستوى العالي لما تقدمه القمة من أعمال ومخرجات تخدم جميع الجوانب المتعلقة بالتقنيات المتقدمة سواء في جانب الورش أو الجلسات والمتحدثين أيضًا من حول العالم، مشيدة بمدى تطور التقنية في المملكة في مختلف القطاعات وباهتمام الشعب السعودي في هذا المجال وحرصهم على المشاركة والحضور.
وأوضحت فيكتوريا أحد المهتمين في مجال بيانات الروبوت من الولايات المتحدة الأمريكية وتتواجد للمرة الأولى في المملكة أن مستقبل المملكة يتّضح جليًّا من خلال هذه القمة التي جمعت الكثير من القطاعات وصناع القرار حول العالم الذي يشتركون في نفس الأهداف والطموحات والاهتمامات بمجال تقنية الذكاء الاصطناعي التي تعد المستقبل للحياة البشرية، مبينةً سرعة التحولات والتطورات التي تشهدها المملكة.