ازدادت نسبة المشاهدة للمسلسلات الرمضانية هذا العام، في ظل الظروف الراهنة المتعلقة بجائحة كورونا وما تبعها من حظر للتجوال أجبر المواطنين على المكوث في منازلهم، وأصبحت متابعة المسلسلات الرمضانية، وما أكثرها، وسيلة الترفيه الأولى.
أصبح المشاهد يلهث خلف القنوات الفضائية، لوضع برنامج مشاهداته اليومية.
وتمكنت الدراما الخليجية من التميز هذا العام، مع مراعاة قلة عدد المسلسلات الكوميدية، مقارنة بالدراما الاجتماعية، التي اقتربت من الواقع المعاش والقضايا الإنسانية التي تمرُّ بها العائلات الخليجية والعربية بشكل عام.
وأصبحت رؤية مؤلفي هذه المسلسلات أكثر عمقــًا من دون اللهاث خلف الاستسهال ومحاولة جذب المشاهد عن طريق أسهل الطرق.
كما تألق عدد من نجوم الصف الأول الذين قدموا أدوارهم باقتدار.
ومن الواجب أن نذكر أن الأهم في تقديم عمل ناجح، هو التأليف، فعندما تكون الحبكة الدرامية جيدة، يمكن البناء عليها، لإنجاز عمل أكثر تميزًا، وبالتالي فإن التحية للكتَّاب الذين كانوا خلف الأعمال المتميزة واجبة، ونحن نتمنى أن تزداد ورش الكتابة ومسابقات التأليف الدرامي، حتى يمكن اكتشاف مؤلفين جدد، يمكنهم أن يطرحوا على الساحة أفكارًا جديدة.
ومن الملفت للنظر وجود تماس بين بعض أفكار المسلسلات الخليجية والمسلسلات المصرية، مع اختلاف المعالجة، ولكن الإطار الدرامي كان واحدًا.
لكن الأعمال الخليجية غلب عليها الطابع الاجتماعي والقضايا الإنسانية، بينما على الجانب الآخر وقعت الدراما المصرية في فخ السعي لجذب المشاهدين عبر تصوير مجتمع لا يشكل النسبة الأكبر من المواطنين، فغلب على الأعمال طابع العنف والخيانة وحمامات الدماء.
ويمكن استعراض أهم الأعمال الخليجية في السطور التالية، تأكيدًا لاتصافها بالواقعية والبـُعد عن المبالغة.
“كأن شيئًا لم يكن”.. نوستالجيا الماضي والالتقاء بالحاضر
دارت أحداث مسلسل “وكأن شيئـًا لم يكن” في إطار اجتماعي درامي بين حقبتين زمنيتين بالتوازي، فترة نهاية التسعينيات والوقت الراهن، حيث السيدة الثرية “ليلى” التي تمرُّ بظروف صعبة، تتسبب في إصابتها بحالة نفسية، وتجد نفسها في مفترق الطرق.
العمل من إخراج حسين الحليبي، وبطولة “زهرة عرفات، فهد العبد المحسن، هبة الدري”.
قابله في الجانب المصري مسلسل “ليالينا 80″، الذي دارت قصته حول ثمانينيات القرن الماضي، مراعيًا الملابس والديكور والأحداث السياسية والاجتماعية التي مرَّت بها مصر في تلك الفترة.
“جنة هلي”.. الأسرة الخليجية في قصة مصورة
في إطار درامي اجتماعي جاء المسلسل الخليجي “جنة هلي” الذي يتناول ترابط أفراد الأسرة الواحدة، وذلك داخل أسرة “عمران وأديبة”، ومحاولة تخطي العقبات والمصاعب التي تواجههما مع أبنائهم وأحفادهم.
العمل من إخراج منير الزعبي، وبطولة “سعاد عبد الله، إبراهيم الحربي، انتصار الشراح”.
“شغف” و”نحب تاني ليه؟” قصص الفنانات المرهفات
تناول مسلسل “شغف”، في إطار درامي رومانسي، مثلث جنون الحب، حيث تقع فنانة تشكيلية في حب شاب يصغرها في السنِّ، بعدما أصيبت في أعصاب يدها وفقدت قدرتها عل الرسم، حيث تستعين به لكي يرسم أفكارها، في الوقت الذي يتعلق بقلبها شخص آخر.
العمل من إخراج محمد القفاص، وبطولة هدى حسين.
وعلى الجانب الآخر، نجد مسلسلاً مصريًّا بعنوان: “ونحب تاني ليه؟”، بطولة الفنانة ياسمين عبد العزيز، والفنانين شريف منير وكريم فهمي، وتدور أحداثه حول فنانة تشكيلية ومهندسة ديكور تقع في حب أحد الشخصيات الذي كان مرتبطـًا بصديقتها من قبل.
“هيا وبناتها”.. رحلة الأمل والألم
في مسلسل “هيا وبناتها” تجبر عائلة “هيا” ابنتها على الزواج من مسن؛ لتتستر على فضيحة طالتها منذ زمن بعيد، ولكن الأحداث لا تقف عند ذلك، حيث تمرُّ السنوات ويموت الزوج، وتجد هيا نفسها وحيدة لرعاية بناتها ومحاولة إخماد نيران الماضي.
العمل إخراج خالد راضي الفضلي، وبطولة باسمة حمادة، هند البلوشي.
“الكون في كفة”.. صورة المرأة المتسلطة
أما مسلسل الكون في كفة فيرصد في إطار اجتماعي العديد من القضايا الاجتماعية الشائكة، التي تحدث داخل البيت الكويتي والخليجي بصفة عامة، وذلك من خلال قصة امرأة متسلطة، تفرض شخصيتها بجبروت على أفراد أسرتها.
العمل من إخراج سائد بشير الهواري، وبطولة إلهام الفضالة، محمود بو شهري، طيف، مرام البلوشي.
“الميراث”.. قضية لا تموت
تحتل مشاكل الميراث جزءًا مهمـًا من مسلسلات هذا العام، فمسلسل “الميراث” تدور أحداثه حول مفارقة “عبد المحسن” الحياة تاركًا وراءه وصية الميراث التي تظهر معادن الجميع، وتحدث فرقة بينهم.
العمل من إخراج تامر بسيوني، وبطولة: هند محمد، عبد العزيز السكيرين، تركي الكريديس.
وفي الدراما المصرية، نجد مسلسل “البرنس” بطولة الفنان محمد رمضان وأحمد زاهر، والفنانة نور، حيث يترك الأب وصية يتنازل فيها عن أملاكه لابنه رضوان البرنس فيحاول إخوته قتله للتخلص منه، وبالفعل ينجحون في قتل زوجته وابنه ويظل الصراع بينهم حتى يستعيد حقـّه في النهاية.
الكوميديا ليست على المستوى المأمول
أما المسلسلات الكوميدية، فلم تكن على قدر المتوقع منها، سواءً خليجيًّا أو مصريًّا، فعلى الصعيد الخليجي، جاء مسلسل “سواها البخت” في قالب دراما اجتماعية ممزوجة بالكوميديا التي تسلط الضوء على الحياة بعد التقاعد، من خلال قصة السيدة أم سليمان التي تصل إلى سنِّ التقاعد وتبدأ بالتفكير في إقامة مشروع حتى تستثمر الوقت والمال، بالإضافة إلى طرح عدد من الجوانب الاجتماعية المعاصرة.
العمل إخراج حسن أبل، وبطولة: هيا الشعبي، فخرية خميس، أحمد العونان، محمد الصيرفي.
بينما دارت أحداث مسلسل “آل ديسمبر” في حلقات متصلة منفصلة حول عائلتين بدويتين وهما “آل ديسمبر” و”الهصمصم”، وتبدأ الأحداث بوجود صلة قرابة لعائلة “آل ديسمبر” تنحدر من روسيا.
والمسلسل إخراج نعمان حسين، وبطولة طارق العلي، جمال الردهان، مرام البلوشي.
أما الفنان ناصر القصبي، فقدم مسلسل “مخرج 7″، حيث حاول دوخي جاهدًا التأقلم مع التطورات التي طرأت على المجتمع، ويفاجأ بتعيين امرأة في منصب المدير العام بدلاً منه، مما يوقعه في إشكاليات لا حدود لها، يعرضها العمل بشكل طريف، لكنه غُلف بطابع التكرار والإطالة وتوقع الموقف الدرامي مسبقـًا، وقد لقي المسلسل جدلاً جماهيريـًّا حول مستوى الفكرة والتنفيذ وكوميديا المشهد، وقد أشاد النقاد بأداء الفنان راشد الشمراني والفنانة الهام علي، لكنهم اعتبروا أن المسلسل لم يضف الجديد لقيمة وتاريخ النجم ناصر القصبي .
العمل إخراج: أوس الشرقي، وبطولة: ناصر القصبي، راشد الشمراني، الهام علي، حبيب الحبيب، ريماس المنصور، أسيل عمران، وخالد الفراج.
العنف والخيانة سمة في معظم المسلسلات المصرية
بالعودة إلى المسلسلات المصرية، فمن الملفت للنظر أنه قد غلبت عليها موضوعات “الخيانة” و”العنف والقتل”، وهو ما لا يتفق مع الواقع الاجتماعي، لكن ربما تمَّ اتخاذ أكثر المفارقات شذوذًا في المجتمع المصري لتكون المادة الرئيسية للدراما.
ففي مسلسل “البرنس”، السابق ذكره، تدور أحداثه في محاولات قتل بين الإخوة، من دون قلب أو رحمة، وتفاصيل متعلقة بالخيانة بين الأشقاء، وهي ليست من صميم عادات المصريين.
في ذات الوقت نجد مسلسل “خيانة عهد” بطولة الفنانة يسرا، والفنان بيومي فؤاد، والفنان خالد سرحان، وحلا شيحة، يدور حول خيانة الإخوة لأختهم “عهد”، وتتطور الأحداث حتى يكونوا سببًا في مقتل ابنها.
“لما كنا صغيرين”.. وخيانة الأصدقاء
في نفس الصدد، يأتي مسلسل “لما كنا صغيرين”، والذي دارت أحداثه حول مجموعة من الأصدقاء يعملون في شركة واحدة ويتم قتلهم واحدًا تلو الآخر، وتشير أصابع الاتهام إلى مدير الشركة، لكن في الحلقات الأخيرة تتكشف الأحداث ويتبين أن صديقتهم هي التي قامت بهذه الجرائم البشعة.
“الاختيار”.. الوطنية في أبهى صورها
من أهم الأعمال التي حظيت بنسبة عالية من المشاهدة مسلسل “الاختيار”، وهو يستعرض قصة البطل “الشهيد أحمد المنسي” أحد أبطال القوات المسلحة المصرية، الذي استشهد على أيدي الجماعات الإرهابية في سيناء، وما قام به من عمليات حربية شجاعة، بينما على الجانب الآخر نجد “هشام عشماري” الذي استقال من القوات المسلحة المصرية، واختار أن ينضم في صفوف الإرهابيين، وفي الوقت الذي توّج الشهيد أحمد المنسي بأكبر علامات الحب من الشعب المصري، أُعدم “هشام عشماوي” نتيجة الخيانة لوطنه.
العمل بطولة: الفنان أمير كرارة، وأحمد العوضي، وكان في كل حلقة يتم اختيار ضيف شرف للعمل، وهو من إخراج بيتر ميمي.
“الفتوة” يغرد منفردًا
غرد مسلسل “الفتوة” منفردًا بعيدًا عن الأحداث الدموية، وهو من بطولة الفنان ياسر جلال، والذي يستقي أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ عن عصر “الفتوات”” في مناطق القاهرة التاريخية.
كوميديا مصر .. نجاح محدود
وبالعودة إلى المسلسلات الكوميدية المصرية، فمعظمها لم ينجح في تحقيق المتوقع منها، ومن هذه المسلسلات “رجالة البيت” بطولة أحمد فهمي وأكرم حسني، حيث لجأ لاستخدام المواقف المرتجلة غير المكتوبة بحرفية، مما جعل المسلسل مترهلاً، بعيدًا عن كوميديا الموقف، وبعيدًا عن مشاركتهما الناجحة في مسلسلات أخرى.
ذات الأمر حدث مع مسلسل “عمر ودياب” بطولة: علي ربيع ومصطفى خاطر، و”اتنين في الصندوق” بطولة حمدي الميرغني.
عادل إمام لا يزال في القمة
الفنان الكبير عادل إمام لا زال يقدم الكوميديا الاجتماعية المتميزة، وظهر ذلك في مسلسله “فلانتينو” بطولته مع الفنانة دلال عبد العزيز، وتظهر كوميديا الموقف في زواجه الثاني من الفنانة داليا البحيري، بعد زواجه من الفنانة دلال عبد العزيز، لتعيش السيدتان في منزلين متجاورين من دون أن تدري إحداهما بأن زوجهما شخص واحد.
“100 وش”.. شكل جديد للكوميديا
حظي المسلسل الكوميدي “100 وش” على استحسان الجمهور، وهو بطولة الفنان آسر ياسين والفنانة نيللي كريم، التي تظهر بشخصية مختلفة عمـّا قدمته في السنوات الماضية، يتقمص الممثلون في كل حلقة شخصيات مختلفة لمحاولة الاحتيال والسرقة، وذلك في قالب كوميدي خفيف.
تظل الملاحظة الأهم المتكررة في كل عام هي غياب الأعمال التاريخية والدينية، مع معرفتنا بتكلفة إنتاجها العالية، لكن من المهم أن تتواجد ضمن وجبة المسلسلات الرمضانية.
كما يجب تثمين محاولات الخروج من صندوق الأفكار المعتادة، والتي من المهم أن تتزايد حتى لا تصبح الأعمال الدرامية مجرد قصص مكررة ومستنسخة.
ومن الملاحظ هذا العام ‒ أيضًا ‒ عدم الاستعانة بالأعمال الأدبية في المسلسلات، بينما كانت متزايدة في السنوات الماضية، ويبقى أن نذكر أن صناعة الدراما العربية، أصبحت سوقـًا مهمًا، لها مردودها الاقتصادي المهم.