-بعد رحلة أول رائد فضاء عربي مسلم… أقمار سعودية جديدة في مدارات التقدم العلمي
-الأمير سلطان بن سلمان: تفاؤل بإنجازات مستقبلية كبرى تعزز ريادة المملكة في مجال الفضاء.
كان الإثنين 22 مارس 2021م، موعدًا لتقدم جديد يضاف إلى سجلات صناعة الفضاء وعلومه في المملكة العربية السعودية، والتي تعود بداياتها إلى شهر يوليو عام 1985م، حين انطلق صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، كأول رائد فضاء عربي مسلم في الرحلة التي أقلعت من مركز كينيدي في الولايات المتحدة الأمريكية، ضمن مهمة ديسكفري الثامنة عشرة لوكالة الفضاء الأمريكية، وشهدت أول إطلاق للقمر الصناعي الشهير (عرب سات).
بعد قرابة (36) عامًا، تمَّ بنجاح إطلاق القمر الصناعي السعودي (شاهين سات) على متن الصاروخ الروسي سيوز، من قاعدة بايكونور في كازاخستان، ليصبح بذلك أحدث الأقمار الصناعية التي أطلقتها المملكة نحو الفضاء، حيث يحمل هذا القمر الرقم (17)، وكان قد سبقه أول قمر صناعي سعودي مخصص للاتصالات، والذي أطلق في شهر فبراير 2019م من أمريكا الجنوبية، مشتهرًا بقطعته التي وقع عليها سمو ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، بعبارة “فوق هام السحب”.
صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، رائد الرحلة الرائدة، والرئيس الحالي للهيئة السعودية للفضاء، كان أول المباركين لهذا الإنجاز الجديد ولما يمثله من قيمة تصب في تطوير قطاعات صناعات الفضاء، وقد تذكر سموه مهمة ديسكفري الشهيرة واعتماد المملكة لأول برنامج للفضاء، كما أكد على أن الكثير من العمل قد تمَّ للوصول إلى هذه اللحظة التي سيكون لها ما بعدها، وفقـًا لما عبر عنه الأمير سلطان من تفاؤل بمزيد من البناء على الريادة وتحقيق الإنجازات الكبرى التي تليق بقدرات المملكة العلمية، مختتمًا تعليقه على المناسبة لوكالة الأنباء السعودية، بعبارة واثقة “نستحق الريادة في كل شيء”.
وإن كانت رحلة الأمير سلطان بن سلمان قد دشنت الريادة السعودية في مجال الفضاء، فقد مثلت مقدمة لتجربة المملكة في تصنيع وتطوير الأقمار الصناعية السعودية في العام 2000م، بإطلاق القمرين (سعودي سات1) و(سعودي سات 1ب) المختصان بتخزين البيانات وإرسالها إلى المحطات الأرضية، لتليها عدة أقمار نفذت عدة مهام تقترن مباشرة بتطوير الإمكانات التقنية بما فيها من ترقية أنظمة الراديو والاتصال، والاستشعار والتصوير الكهروضوئي، وإجراء التجارب الفيزيائية، والرصد والنقل والتخطيط العمراني، وتعقب حركة الملاحة التجارية، بل وحتى الإسهام في درء أخطار السيول.
(شاهين سات) هو عنوان المهمة الفضائية الجديدة التي تضمنت إطلاق قمرين صناعيين سعوديين، يحمل الأول مسماه من “الصقر” بمدلولاته الراسخة في الثقافة العربية والسعودية، متشابهًا معه في “حدة البصر” حيث يستخدم القمر جهاز تلسكوب له قدرة فائقة على التصوير بدقة عالية، بجانب مزايا الخفة والمرونة بوزنه الذي لا يتجاوز (75) كيلو جرام، وجميعها عوامل سيكون من شأنها مساعدة هذا الشاهين الفضائي على اصطياد كثير من الأهداف العلمية والبحثية والاقتصادية، أما القمر الثاني (كيوب سات) فيتبع لجامعة الملك سعود، فهو أول قمر على مستوى الجامعات السعودية، ويزن كيلو جرامًا واحدًا، وهو مشروع تعليمي يهدف إلى إعداد طلاب الهندسة في مجال تصميم وبرمجة الأقمار الاصطناعية.
فريق عمل سعودي من تخصصات هندسية متنوعة من جامعة الملك سعود ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، أنجز المهمة التي وظفت أعلى درجات التقدم التقني لخدمة الأهداف التنموية السعودية، حيث هذه المهمة الفضائية من مهام الجيل الجديد للأقمار الصناعية ذات الأحجام الصغيرة، والتي سيتم من خلالها توظيف البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في تتبع السفن وتوفير صور استطلاعية.
وتعد هذه المهمة امتدادًا جديدًا لنجاحات المملكة في تطوير وتصنيع الأقمار الصناعية، في وقت يشهد فيه العالم اهتمامًا غير مسبوق من حيث المهام الاستكشافية والأبحاث العلمية الفضائية، حيث تقود الهيئة السعودية للفضاء توجهًا إستراتيجيًّا لتعزيز تقنيات الفضاء بما تتضمنه من فرص العمل وجذب الاستثمارات وتوطين الخدمات في قطاعات تنموية متنوعة في المملكة، وبما يتوافق مع أهداف رؤية 2030م، حيث تقدم القيادة السعودية دعمًا كبيرًا للبحث والابتكار بما يحقق إنشاء قطاع فضائي وطني قوي ومستدام.
في ذات الاتجاه، شاركت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في تنفيذ تجارب علمية في الفضاء بالتعاون مع وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” وجامعة ستانفورد على متن القمر (سعودي سات 4) في عام 2014م، فضلاً عن مشاركتها في رحلة (تشانق أي 4) بالتعاون مع وكالة الفضاء الصينية في عام 2018م في مهمة نادرة لاستكشاف الجانب غير المرئي من القمر، وتواصل المدينة العمل على تأهيل مزيد من المتخصصين والمهندسين السعوديين وإثراء خبراتهم وهو ما من شأنه تحقيق مزيد من الإنجازات في مجال تصنيع واختبار الأقمار الصناعية في المملكة.
ووفقًا لوكالة الأنباء السعودية، فإن المملكة العربية السعودية تتصدر الدول العربية اليوم من حيث عدد الأقمار الصناعية المرسلة إلى الفضاء، كما تتعاون المملكة ممثلة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مع عدة دول رائدة في قطاع الفضاء، ومنها الولايات المتحــدة الأمريكية، والمملكــة المتحــدة، وجمهوريــة الصيــن الشــعبية، وروســيا الاتحادية، وجمهوريــة جنــوب إفريقيـا، وجمهوريـة الهنـد، وجمهوريـة ألمانيـا، وسويســرا، وذلك في تطوير مجال الفضاء من خلال الأبحاث والبرامج الخاصة بالتقنية والابتكار وتأسيس المراكز العلمية والبحثية.
في اللحظة الحالية، تدور آلاف الأقمار الصناعية حول الأرض، والتي انضم إليها القمران المصنعان بأيدي سعودية (شاهين سات) و(كيوب سات) في بعد أن حملهما الصاروخ الروسي (سيوز) في مهمته الناجحة رقم (25) منذ 2011م، بهدف المشاركة في مسيرة التقدم العلمي الذي يحققه العالم منذ نجاح أول مهمة لاستكشاف الفضاء وحتى الآن، ومن المؤكد أن مزيدًا من الأقمار في طريقها إلى مدارات جديدة وبمهام جديدة تعزز المعرفة والاتصال وجودة الحياة وتقنيات المستقبل، أقمار ستعمل من الفضاء الخارجي، لتجعل الحياة أفضل على الأرض.