نظم جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ندوة بعنوان: “الإعلام ما بين توالي الأزمات وتحديات المستقبل:فيروس كورونا أنموذجـًا”، في 26 أغسطس 2020م، عبر تقنية الاتصال المرئي، وأتيحت متابعتها عبر البثِّ المباشر من خلال منصة تويتر عبر حساب جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج @GCCGRT .
شارك في الندوة متحدثًا كل من: الدكتور محمد الحيزان، المتخصص في الإعلام والاتصال من المملكة العربية السعودية، والدكتور عبيد الشقصي، الرئيس التنفيذي لمركز التدريب الإعلامي بسلطنة عُمان، والدكتور أحمد عجينة، مستشار التسويق والعلاقات العامة بمجلس الصحة لدول مجلس التعاون، وأدار الندوة الإعلامي ماجد الغامدي.
التحديات التي تواجه مؤسسات الإعلام عند الأزمات
هدفت الندوة العلمية الإعلامية إلى الوقوف على التحديات التي تواجه الإعلام والمؤسسات الإعلامية في التعامل مع مثل هذه الأزمات، وما أحدثته من تغييرات على الأساليب والوسائل والتقنيات المستخدمة من خلال تلاقي وتفاعل الباحثين والمختصين والمهتمين بالشأن الإعلامي عمومًا، وإعلام الأزمات خصوصًا في هذه المرحلة للتعريف به وتبيين أسسه وإستراتيجياته.
ويسهم جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج من خلال هذه المبادرة في تبادل المعارف الأكاديمية والخبرات المهنية حول أشكال التغطيات لأزمة فيروس “كورونا” في دول مجلس التعاون، وأكثرها نجاحًا.
وناقشت الندوة أربعة محاور رئيسة بدأت بمدخل عام حول مفهوم الأزمات والعلاقة بين الإعلام والأزمات، ثم التعاطي الإعلامي مع جائحة كورونا، والرؤى المستقبلية في إدارة الأزمات إعلاميًّا، والدور الإعلامي للجهات الصحية الرسمية في دول مجلس التعاون.
الحيزان: “كورونا” أزمة الأزمات وننتظر مزيدًا من “الصحافة الاستقصائية”
بداية تحدث الدكتور “الحيزان” عن مفهوم الأزمة وأنها تلك المشكلات أو الصعوبات الطارئة والمفاجئة التي تتطلب معالجة سريعةً سواء كانت على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو حتى الدول، واصفـًا أزمة كورونا بأزمة الأزمات لما أحدثته من أثر في كل الأصعدة عالميـًّا، موضحًا أن الرابط الإعلامي لأزمةٍ، مثل جائحة كورونا، هو ما تحدثه من أثر في الأرواح، وفي الرأي العام وفي السمعة، وهي تصب أثرها بشكل مباشر في الرأي العام وتهدد مصالح الدول والمؤسسات.
وأضاف “الحيزان”: أن الإعلام ليس إلا أداة من أدوات إدارة الأزمات، ولعله من أهمها حيث يتيح التواصل المباشر مع الجمهور لإيصال رسائل التوعية وتبيين المستجدات التي تهمه، ومع أزمة مثل “كورونا” فإن الإعلام في أبسط مهامه يعكس الجهود التي تبذلها كل القطاعات ذات العلاقة في مواجهة الأزمة.
على الإعلام أن يواكب تغيرات الأزمات
وزاد “الحيزان” أن التعامل الإعلامي مع الأزمة ينبغي أن يراعي متغيراتها، مشيرًا إلى أنها أحدثت تغيرًا جذريـًّا حتى في طريقة الوصول للجمهور، والذي كان لصالح شبكات التواصل الاجتماعي لما تتيحه من سرعة وصول الرسالة الإعلامية مع جماهيريتها وسعة انتشارها، مؤكدًا على أهمية الحرص على شفافية المعلومات وسرعة تزويد الجماهير بها، وعلى الأقل يجب الاستفادة من هذه الأزمات لتصبح الجهات المعنية على استعداد دائم للتعامل مع الرأي العام ومنع تداول الشائعات المؤججة التي تفاقم الأزمات، وأقل ما يمكن أن توضحه مع كل طارئ يحدث أنها على علم بالأزمة وتطمئن الجمهور، وقد استفاد قطاع الإعلام من هذه الأزمة التأكيد على ثقة ومتانة الإعلام التقليدي وأن الجانب الرقمي من الإعلام يجب أن يواكب بحذر ويكون أكثر دقة في سباق النشر والاعتماد على مصادر المعلومات الرسمية والموثوقة.
وقال “الحيزان” مجيبـًا عن السؤال الخاص بدور الصحافة الاستقصائية في إدارة الأزمة إنه كمتابع اطلع على كثير من النماذج الجيدة، ولكن لا زلنا بحاجة إلى مزيد، فالصحافة الاستقصائية لها دور مهم في تتبع الأزمات ورصد معلوماتها التي تمكن المسؤول والمتلقي من اتخاذ القرارات الأصوب.
وعن الصراع الإعلامي القائم بين منصات التواصل الاجتماعي ومَنْ يسمون بالمشاهير أو بالمؤثرين والجهات الإعلامية الرسمية قال “الحيزان”: إن الجهد الاتصالي الجماعي الذي أحدثته وسائل الاتصال الحديثة وإمكاناتها لا تتيح للجميع تصدر المشهد، ولا تنفي أن المرحلة بكثافة تقنيات الاتصال ومنصاته صنعت أسماء وأوجدت نوافذ لنقل المعلومات والأخبار، ولكن يبقى هؤلاء (اتصاليون) لا نصادر جهودهم ولا نتبناها، إلا أن التنافسية المتسارعة ستنتج أشكالاً وقوالب إعلامية مختلفة عن السائد، ويبقى الأهم هو الالتزام بالقيم الإعلامية والأمانة والصدق والاعتماد على المصادر الموثوقة.
الشقصي: “كورونا” أحدثت تغيرًا جوهريًا في الإعلام
من جانبه أجاب الدكتور “الشقصي” عن التساؤل: هل الإعلام صانع للأزمات أم مفتاحًا سحريـًّا لحلولها؟ بقوله: الإعلام ربما يكون الصديق والعدو في آن واحد، فمن خلال المعلومات المغلوطة قد يوجد الإعلام الأزمة فضلاً عن مجرد تأجيجها خصوصًا مع أزمة مثل “كورونا” لما يكتنفها من غموض، ولأنها مفاجئة وسريعة، بينما يؤدي الإعلام رسالته بعناية ويسهم في حل الأزمات بإيصاله للمعلومات السليمة ونقلها عن مصادرها الموثوقة، مثل الجهات الصحية.
وأضاف “الشقصي”: متى ما أحسن استخدام الإعلام لإدارة الأزمات أثبت أنه أداة فاعلة، لأن الأزمات تمس الدول، وقد تمس العالم كله وتؤثر فيه كما فعلت جائحة “كورونا”، وجميعنا شهدنا كيف أن بعض الجهات الصحية العالمية حملت تصريحاتها مع بداية الأزمة الكثير من اللغط والتناقض الذي أقلق المتابعين، حتى أن بعض الدول أصبحت تراقب الإجراءات التي تتخذها دول أخرى لتتبعها في ظلِّ عدم الوضوح الذي زادته تلك التصريحات المتناقضة.
وزاد “الشقصي” محللاً وضع الإعلام ما قبل أزمة “كورونا” وما بعدها، وقال: أحدثت هذه الأزمة تحولاً جوهريـًّا في طريقة الوصول للجمهور، وبيـّنت الفرق بين الإعلام التقليدي ووسائله، والإعلام الحديث، الأمر الذي دفع الجهات الرسمية للاهتمام بحساباتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث الأثر الكبير الذي يمكن أن يحدثه الإعلام الرقمي المباشر في تواصله مع الجماهير، ويبقى أنه لا يمكن الاعتماد عليها وحدها، وإن كانت السرعة وقياس الرأي عاملان مهمان في صناعة القرار وتوجيهه للمتلقي؛ لذلك ستجتهد الجهات الرسمية لتطوير وتفعيل حضورها عبر تلك المنصات، وأدعوها لتأهيل كوادرها ووضع الإستراتيجيات الإعلامية الأفضل لإدارة الأزمات إعلاميـًّا، لأن الدراسات الحديثة تشير إلى ضعف كبير لدى كثير من الدول والمؤسسات في جانب التعامل الإعلامي مع الأزمات الطارئة.
الأزمات ليست مجالاً للباحثين عن الشهرة
تطرق “الشقصي” لموجة إعلام منصات التواصل الذي تأثر بحضور الدخلاء على مهنة الإعلام وقال: إن الأزمات ليست مجالاً للباحثين عن الشهرة لأن ترويج المعلومات غير الدقيقة عبر مَنْ أسميهم (المؤثرين) عبر مواقع التواصل يصنع الأزمات ويزيد من حدتها، وعلى هؤلاء الالتزام بالمصداقية وتحري الدقة، ولهذا يجب على الإعلام التقليدي الرصين أن يواكب التطور التقني؛ لأن التأخر عن مواكبة مستجدات وسائل الإعلام وتطورها يفقدها ما يجب أن تكون عليه من زيادة الانتشار وقوة التأثير.
عجينة: التهافت على السبق الإعلامي قد يبدد جهود المواجهة
من جهته تحدث الدكتور “عجينة” عن كيفية التعاطي الإعلامي الخليجي مع أزمة “كورونا” قائلاً: إن هذه الجائحة أزمة عالمية تركت آثاراها وتداعياتها على نطاق واسع وليس على دولة بعينها أو قطاع دون آخر، وإن تهافت الجهات الإعلامية لتقديم السبق الصحفي يؤثر في جودة المعلومات وقد يبدد الجهود المبذولة في السيطرة على الأزمة، إلا أن الإعلام الصحي بمفهومه الصحيح تجاوز مرحلة السباق ومجرد النشر والوصول للجمهور، ويبقى التحدي الأكبر في الرسالة الإعلامية الوقائية والسلوكية التي من شانها أن تغير المفاهيم نحو إيجابية الحياة الصحية والوعي المجتمعي الصحي.
وأضاف “عجينة” أن الهدف الإعلامي اليوم يركز على تكرار وتكثيف الرسائل الإعلامية الأسمى في التوعية والتثقيف الصحي، وقد أثبتت أزمة “كورونا” قوة ومتانة القطاع الصحي الخليجي، لأن تحولات الأزمات الصحية تتطلب الإنذار والاستعداد والوقاية، فبينما اتضح ضعف الإستراتيجيات لدى بعض الجهات أدت وزارات الصحة الخليجية دورها باقتدار، وما زلنا نطالب بتمكين الجهات الإعلامية الصحية في ظل التهديدات المتوقعة لموجة ثانية للجائحة؛ فالاستعداد الإعلامي يتيح للمسؤول عن صنع القرار سرعة إيجاد الحلول متى ما كانت الرسائل الإعلامية تصل للجميع من الأفراد إلى القطاعات ذات العلاقة أيًا كانت، ليكون الجميع على استعداد للتعاون وتبادل المعارف والخبرات والأدوات التي تمكن من مواجهة الأزمة.
أزمة الجائحة أعادت النظر في أهمية الإعلام الصحي
قال “عجينة” : إن أزمة “كورونا” وضعت الإعلام الصحي على المحك ولفتت الأنظار إليه بعد أن كان لا ينظر إلى أهميته كوسيلة توعية عالية الحساسية لأهمية المعلومات التي يبثـّها وضرورة أن تكون دقيقة وناجحة في أثرها الذي تتركه على المتلقي، مع ضرورة استغلال إمكانات وسائل التواصل الاجتماعي وتأهيل الكوادر الإعلامية الصحية للتعامل معها، مع التأكيد على أن “مشاهير” تلك المنصات هم أدوات للوصول والتأثير، ويجب ألا تترك الجهات الإعلامية الرسمية المجال لبعض الفئات لتتسلق على الأزمات وتستغلها لزيادة الشهرة عبر تداول المعلومات الحساسة التي تهم حياة الناس.
واختتم “عجينة” حديثه بضرورة العمل على الإستراتيجيات التي تضمن أفضل السـُبل للتعامل مع الأزمات إعلاميـًّا، والتي يجب أن تكون مستدامة وغير مرتبطة بحدوث الأزمات فقط، وتوظيف الخبرات والأدوات لصالحها، ففي كل أزمة تظهر أهمية تأهيل وتدريب المتحدث الرسمي ومسؤول الإعلام في أيٍ من الجهات المرتبطة بالأزمة.
دور الجهاز في تفعيل العمل الخليجي الإعلامي المشترك لمواجهة “كورونا”
يسعى جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج من خلال برامجه لتحقيق أهداف العمل الخليجي المشترك في جانب تطوير الأداء الإعلامي في دول مجلس التعاون، حيث يواصل أعماله ومبادراته “عن بـُعد” مكثفـًا جهوده منذ بداية جائحة “كورونا” لاستحداث مبادرات وفعاليات تسهم في مواجهة الآثار التي فرضتها الأزمة.
يذكر أن الجهاز عقد عدة اجتماعات خلال الفترة الماضية عبر تقنية الاتصال المرئي، ومنها اجتماعين لمسؤولي الإذاعات والتلفزيونات الخليجية من خلال اللجنتين الدائمتين لمسؤولي إذاعات وتلفزيونات دول مجلس التعاون، واجتماع اللجنة الدائمة للتوثيق الإعلامي، والاجتماع الثالث لمسؤولي التدريب بالدول الأعضاء.
وقد أثمرت الاجتماعات توصيات مهمة تابع الجهاز تنفيذها، وكان من أبرزها تكليف الجهاز بمتابعة تشكيل فريق عمل من المعنيين بالدول الأعضاء والأمانة العامة لمجلس التعاون والجهات المختصة لإعداد تصور شامل لخطة إعلامية موحدة لدول مجلس التعاون؛ لمواجهة الأزمات إعلاميـًّا، وإنشاء منصة رقمية ضمن البوابة الإلكترونية لجهاز إذاعة وتلفزيون الخليج؛ لعرض المواد الإعلامية المتعلقة بأزمة كورونا، والتي أنتجتها الدول الأعضاء والمنظمات الخليجية المتخصصة.
وتابع الجهاز من خلال برنامج التبادل البرامجي الإذاعي والتلفزيوني جهوده لتحقيق التكامل الإعلامي وتعزيز التعاون بين الهيئات الأعضاء، وتمَّ تبادل الانتاجات التي تتضمن إصدارات توعوية خاصة بالجائحة.
كما نظمت دورات تدريبية مواكبة بعناوين مختلفة استهدفت قطاعي الإذاعة والتلفزيون في جانب إدارة الأزمات إعلاميـًّا، بالإضافة إلى دورة بعنوان “إدارة منصات التواصل الاجتماعي”، لما لمواقع التواصل من تأثير وارتباط بإعلام أزمة “كوفيد19″، واستهدفت الدورات المقامة عن بـُعد قرابة (70) متدربًا ومتدربة من مختلف الهيئات الأعضاء ومنظمات العمل الخليجي المشترك، والأمانة العامة لمجلس التعاون وجهاز إذاعة وتلفزيون الخليج.