مستقبل صناعة المحتوى.. مسؤولية التحول المؤثر باتجاه القيمة الإبداعية والاقتصادية

الرياض– إذاعة وتلفزيون الخليج

في ندوة عقدتها وزارة الثقافة والشباب الإماراتية ضمن مخيم افتراضي

-نورة الكعبي: “دورنا صناعة محتوى عصري يتصل بثقافات عديدة وينقل مفاهيم التعايش والتسامح”.

-ماجد القاسمي: “يجب أن يكون هدفنا الابتكار والإبداع وليس محاكاة الآخرين”.

-راشد العوضي: “حق صناعة المحتوى أن تصنف كوظيفة حقيقية.. وواجبها تقديم منتج يتسم بالقيمة والمسؤولية”.

-عبد الله الكعبي: “أعمالنا السينمائية لديها صفة فريدة تميزها عن أعظم الأفلام العالمية.. وهدفي تحقيق الأوسكار”.

على الإعلامي الذي لم يتحول بعد إلى عقلية صانع المحتوى أن يبدأ الآن في ذلك، ومن ثم عليه أن يفكر في كيفية الانتقال بصناعة المحتوى من مجرد أداء العمل إلى أدائه بطريقة أفضل دائمـًا، عن تحولات هذا المشهد الذي يتسارع في عالم الإعلام والشبكات الاجتماعية، وعن مستقبل الصناعات الإبداعية وكيفية تحويلها إلى عنصر يسهم في الاقتصاد.

 هذه المحاور التي تهم الكثير من أهل المهنة في العالم العربي والعالم ككل، كانت جزءًا من ندوة أدارتها معالي نورة الكعبي، وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية، بعنوان: “صناعة المحتوى..الرسالة والتأثير” في التاسع من أغسطس 2020م، وشارك فيها كل من: الشيخ الدكتور ماجد القاسمي، المؤسس الشريك في “فنيال” للإعلام، راشد العوضي، المدير التنفيذي في أكاديمية الإعلام الجديد، مثايل آل علي، رائدة أعمال ومن مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وعبدالله الكعبي المخرج والمنتج ومؤسس شركة “البوما فيلم”.

جاءت الندوة ضمن فعاليات المخيم الصيفي الافتراضي الذي نظمته وزارة الثقافة والشباب في دولة الإمارات بمشاركة واسعة وصلت إلى (198) جهة حكومية وخاصة وعالمية و(71) خبيرًا ومتخصصـًا، بالإضافة إلى تنظيم (500) فعالية افتراضية متنوعة، حضرها أكثر من (43) ألف من الشباب والمهتمين من جميع أنحاء دولة الإمارات ودول أخرى من حول العالم.

“فنيال” .. فكرة ولدت بين مدينتين

يحتاج كثير من المشاريع إلى الدراسات المسبقة والعصف الذهني، ولكن كثيرًا منها كذلك يحتاج إلى بعض الانتباه فقط، ولعل مقدمة كهذه هي أنسب ما يمكن أن يقال عن تجربة الدكتور ماجد القاسمي الذي اعتاد التنقل بسيارته بين أبو ظبي ودبي والشارقة، وكان يستشعر حجم الوقت الذي يمكن استثماره خلال هذه المشاوير بالنسبة لشخص لن يستطيع النظر كثيرًا إلى هاتفه المتنقل، ومن هنا ولدت لديه فكرة مشروع “بودكاست” صوتي ليكون رفيقـًا مثاليـًا في الرحلة، وخيارًا قيمـًا لقضاء هذا الوقت، وهي الفكرة التي تحولت فيما بعد إلى مشروع “فنيال”.

سيكون من الرائع لأي شخص أن يقرأ كتابـًا كاملاً بمجرد الاستماع إليه، هذه القناعة جاءت لتستجيب لطبيعة الحياة المعاصرة حيث يقضي الناس أوقاتـًا طويلة في السيارات ولا يجدون الوقت لتصفح كتاب، ولدت فكرة الكتب الصوتية وانتشرت على نطاق واسع في العالم، وكان الدكتور القاسمي مؤمنـًا أن الخليج والعالم العربي مازال بحاجة إلى تحويل مزيد من الكتب إلى مقاطع صوتية، خلال حديثه في الندوة، أشار إلى تجربته في نقل حكايات ألف ليلة وليلة إلى بودكاست، مستعينـًا بممثلين للصوت ومجسدين للشخصيات، ومن ثم تعزيزه لهذه الخطوة بأعمال أخرى تضع في اعتبارها نقل الهوية الثقافية والتاريخ من الإمارات والخليج إلى العالم.

يتحدث القاسمي عن التحدي بالغ الدقة، والذي يتطلب من صناع المحتوى الصوتي أن يتعاملوا معه بمهنية وإدراك، قائلاً “أغلب المقترحات كانت تطلب منا التركيز على اللهجة البيضاء، وضعنا في اعتبارنا أن نستخدم لغة أخف من الفصحى، ولكن مع الحفاظ على قوة العبارة ووصول الفكرة، وأن نضع في اعتبارنا الفارق الثقافي بين منطقتنا والمناطق الأخرى من دون أن نفقد هويتنا” أما عوامل النجاح الأخرى فيربطها الدكتور ماجد بالعمل “يدًا بيد” بين وسائل الإعلام بمختلف أنواعها من منطلق أن هذه المنتجات جميعها تنطلق من منبع واحد وتواجه التحديات ذاتها، هذا ما قاله خلال الندوة الافتراضية التي عبر فيها كذلك عن اقتناعه الشخصي بأن هدف صانع المحتوى العربي يجب ألا يتوقف عند مواكبة المنتج الغربي أو العالمي، بل أن يتجاوزه بالابتكار والإبداع.

المحتوى.. والتأسيس للاحترافية الرقمية

يتحدث كثيرون بحماس عن المشاريع التي يعملون فيها، لكن على الرغم من ذلك، سيكون عليك الاستماع لراشد العوضي يتحدث عن “أكاديمية الإعلام الجديد” لترى حماس مَنْ يتحدث عن مشروع كما لو كان قضيته الشخصية، فهو حريص على التأكيد على دور المؤسسة الوليدة في التصدي لمسؤوليات مهمة تنطلق من أسس علمية ذات إدراك عميق بأن صناعة المحتوى هي صناعة ضرورية في عالم اليوم والغد، وهو أمر يجعلها بحاجة إلى مزيد من الاحترافية والنموذج المؤسسي.

يقول العوضي “نؤمن أن صناعة المحتوى وظيفة حقيقية اليوم، ولا بد من أن نستحدثها ونضيفها للهياكل الرسمية والتنظيمية في مجال التسويق والاتصال في مختلف المؤسسات، المحتوى منتج متنوع بين ما هو مكتوب وصوتي ومرئي، وعلينا أن نبدأ الرحلة لإيجاد صناع محترفين له، وذلك من خلال وضع إستراتيجيات لا تتوقف عند إنشاء المحتوى بل تقوم بتحليله وتحسينه باستمرار، وهذا هو المبدأ الذي اعتمدناه في أكاديمية الإعلام الجديد حيث نهدف إلى تأهيل جيل من المحترفين في المحتوى الرقمي المتكامل، على يد أفضل الخبراء وأنجح الممارسات في هذا المجال”.

ويرى العوضي أن دور المتخصصين يتمثل في مساعدة الجيل الجديد وتشجيع صناعة المحتوى لتكون عنصرًا مؤثرًا في سوق متنام يبلغ حجمه مليارات الدولارات حاليـًا، ويوضح “المحتوى اليوم يسهم في دعم نمو الاقتصاد، وعلى الرغم من ذلك فإسهام الإعلام الرقمي لا يتجاوز (4%) من الناتج القومي في العالم العربي، بينما يتجاوز (22%) في العالم، مؤكدًا أن في منطقة الخليج والعالم العربي مواهب، ولكنها لا تصل للعالم، منتقدًا قلة المشاركات العربية في المحافل الدولية المتخصصة في صناعة المحتوى، ويختتم حديثه بالدعوة إلى تطوير المحتوى الرقمي، مؤكدًا على ثلاث نصائح مهمة للمهتمين بالمنافسة في مستقبل هذا المجال، وهي على التوالي ” المحتوى المرتبط بتقنيات الواقع المعزز، والبرامج التي تتيح العمل واللقاءات وعقد الاجتماعات عن بـُعد، والسلع الافتراضية”.

لا مستحيل في الطريق نحو الأوسكار

يمتلك المخرج الإماراتي الشاب عبد الله الكعبي طموحًا كبيرًا بالفوز بالأوسكار منطلقـًا في ذلك من حبـّه للسينما المقترن بإدراكه بأن تصدر هذا المجال ليس حكرًا على دول دون أخرى، كما أنه ليس مستحيلاً على دول تصدرت في كثير من المجالات الأخرى، وقد تحدث في هذه الندوة مؤكدًاً وجهة نظره التي بناها عبر سنوات من التجربة “السينما طريقة للسفر بين الثقافات، وهي توصل للعالم طريقة نظرتنا للحياة، إنها علم جديد، وسوق جديدة أيضـًا، وصناعة المحتوى السينمائي مجال ليس بالسهولة التي يتخيلها البعض، فهو يحتاج إلى الشغف بالدرجة الأولى، ومن ثم يتطلب إنتاج أعمال تتميز بشكل واضح عن كل ما هو موجود في الساحة”.

يرى الكعبي أن المخرج شاعر يكتب بالكاميرا بدلاً عن القلم، ويمتلك رغبة قوية في تجسيد الهوية الثقافية عبر السينما، وفي توظيفها كوسيلة لإيصال مفاهيم التسامح والسلم، وقد ركز هذه الرغبة في عمله الذي يرغب في أن يشارك به لنيل جائزة الأوسكار”.

“عدّيت الأسامي .. ونسيت الأسامي”

من حيث انتهى حديث عبدالله الكعبي سنبدأ حديث رائدة الأعمال المعروفة في الشبكات الاجتماعية مثايل آل علي، وتحديدًا من مشكلة التعريف أو المسمى الوظيفي غير المحسوم حتى الآن لصناع المحتوى في منطقة الخليج العربية والعالم العربي، تتحدث مثايل عن الأمر كطرفة عايشت فصولها ومراحلها بشكل شخصي، فتقول: “في بداياتي كانوا يطلقون عليّ  لقب “بلوجر” وكنت أستغرب ذلك حيث أنني لا أملك “بلوج”، وفيما بعد تمت تسميتنا بلقب “فاشنيستا” على الرغم من أن هذا اللقب قد لا ينطبق على الجميع، لتأتي بعد ذلك عبارة “مؤثر” ولم أكن أعرف تمامـًا ما هو معيار هذا التأثير، وهو ذات السؤال الذي يجب أن نطرحه على تسمية “صانع المحتوى”.

أيـًا كان مسمى صناع المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد كانوا يجدون شيئاً من الصعوبة في تقبل المجتمع لهم، وفقـًا لمثايل آل علي، التي تعلق “أحيانـًا تشعر أنهم لا يأخذونك على محمل الجد”.

درست مثايل الإعلام، ولكن حينما دخلت مجال “السوشيل ميديا” كان عليها أن تعلم نفسها بنفسها كما تقول، ولعل من أبرز مكتسباتها التي تنقلها للآخرين بعد هذه التجربة هو “أهمية إيصال الفكرة ببساطة، للجمهور الصحيح، في الوقت الصحيح”.

لا تأثير من دون إثراء

هذا هو المبدأ الذي أكدت عليه وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية نورة الكعبي خلال إدارتها لهذه الندوة، مؤكدة على ضرورة توحيد الجهود ووجود المظلة المرجعية وخارطة الطريق للمبدعين؛ من أجل التحول نحو مفهوم الصناعات الإبداعية والوصول إلى مستوى الإنجازات العالمية، مضيفة “مستقبل صناعة المحتوى يتغير، دورنا صناعة محتوى عصري يتصل بثقافات عديدة وينقل مفاهيم التعايش والتسامح”.

ومن الجدير بالذكر أن “المخيم الصيفي الافتراضي” هو مبادرة أطلقتها وزارة الثقافة والشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة بهدف تزويد الشباب بالمهارات الإبداعية لتطوير أفكارهم، وتنمية مواهبهم، وإثراء خبراتهم، ولا سيما في مجالات الثقافة والمستقبل والإعلام الجديد وتطوير الذات بما يسهم في مجالات التنمية، وقد عقدت فعالياته عبر منصات التواصل الافتراضي، خلال الفترة من 19 يوليو حتى 29 أغسطس 2020م.