التعبيرات العنصرية بحد ذاتها تُعدّ مخالفة صريحة للمادة الرابعة من الاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز العنصرى، حيث تنص على أن الدول الأطراف في الاتفاقية تشجب جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل اثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري.
وعلى الرغم من الجهود الدولية لمكافحة العنصرية والتحيز واهتمام مجلس حقوق الانسان ومناقشته في دورته الخمسين الأخيرة تداعيات العنصرية والتمييز العنصري، إلا أن تكرار الممارسات العنصرية ومعاناة اللاجئين والمهمشين، تستدعي ضرورة الوقفة الصارمة لمراجعة جدوى المواثيق الدولية والمهنية في ضبط الدور الإعلامي والدفاع عن حقوق هؤلاء البشر الذين يتعرضون للتمييز والعنصرية.
لقد كشفت الأزمة (الروسية/الأوكرانية) عن انتهاكات إنسانية طالت المهاجرين أو طالبي اللجوء، وتحديدًا من جانب أجهزة الإعلام، حيث استخدمت بعضها لغة التحيز والعنصرية ضد العرب وأصحاب البشرة السمراء، بالإضافة إلى عدم السماح لبعضهم بعبور الحدود الأوكرانية والحصول علي فرصة استكمال الحياة في الدول المستقبلة للمهاجرين واللاجئين، بعيدًا عن ويلات الحرب.
كما كشفت الأزمة تصنيف الغرب للمواطنين النازحين من بؤر الصراع في الشرق الأوسط إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مساواتهم بمواطني دول الاتحاد الأوروبي، ما يعتبر مخالفة صريحة وكارثية لكل المعايير الإنسانية والأخلاقية.
ومما أثار الاستياء إزاء التحيز الإعلامي في تغطية أخبار الأزمة (الروسية/الأوكرانية) ما ذكره مراسل شبكة “سي بي أس” الأمريكية تشارلي داغاتا، الذي قال: “هذا المكان “أوكرانيا” لم يشهد، مع احترامي للعراق وأفغانستان، نزاعًا لسنوات طويلة”، و”تعرفون أنه (مكان) متحضر وأوروبي بشكل نسبي، وعليّ أن أختار كلماتي بعناية، مدينة لا تتوقع أو تأمل أن هذا سيحدث”.
وأدت تعليقات داغاتا لردة فعل واسعة رد عليها معتذرًا بسرعة، لكنه ليس وحده في التغطية المتحيزة، فقد ذكر أحد المعلقين في برنامج إخباري فرنسي: “نحن لا نتحدث عن اللاجئين السوريين، بل نتحدث عن أوروبيين خلفوا وراءهم سيارات تشبه سياراتنا لحماية حياتهم”.
وكتب المعلق البريطاني في صحيفة “ديلي تلغراف” دانيال هانان: “يبدون مثلنا، وهو ما يجعل (الأمر) صادمًا: فالحرب لم تعد أمرًا يحدث في الدول المعدمة ولأناس بعيدين!”.
وفي ذات السياق لم تبرز أي قناة أوروبية سواء خاصة أو عامة قرار منع السلطات البولندية لبعض الطلاب الأفارقة والعرب بالعبور من حدود أوكرانيا إلى بولندا، فيما عدا بعض الصحف المكتوبة.
ومشهد آخر من مشاهد التحيز في الأزمة (الروسية/الأوكرانية)، أن الصحافة البريطانية وفي غضون ثلاثة أسابيع فقط من اندلاع الأزمة قد نادت بضرورة حماية الإرث الثقافي الأوكراني، بينما اهتمامها بإرث العراق وأفغانستان قد جاء متأخرًا، وقد تفكك وتمت سرقته.
وردًا على تلك التغطيات الإعلامية الغربية المتحيزة، فقد سجل الصحفيون العرب ردة فعلهم، فصدر بيان من جمعية الصحفيين العرب والشرق أوسطيين بالولايات المتحدة الأمريكية جاء فيه: “في الأيام الأخيرة رصدنا نماذج من التغطية العنصرية التي تعطي أهمية أكبر لبعض ضحايا الحروب مقارنة مع ضحايا حروب آخرين، يتعين على هيئات التحرير ألا تقوم بمقارنات تتضمن تبرير نزاع بالمقارنة مع نزاع آخر، فالخسائر المدنية وتهجير السكان أعمال تظل متساوية في البشاعة سواء حدثت في أوكرانيا او بلدان أخرى”.
ومع إشادتنا بمحاولة جمعية الصحفيين العرب في الولايات المتحدة الأمريكية في اتخاذ موقف عاجل إزاء التغطية الإعلامية الغربية المتحيزة لقضية إنسانية هامة، فإننا نخلص في مقالنا إلى أهمية دعم وتكثيف المبادرات الإعلامية الشرق أوسطية، والعربية على وجه الخصوص، للفت نظر وسائل الإعلام الدولية بالالتزام بالمعايير المهنية في التغطية الإعلامية المستقلة خلال الصراعات المسلحة، وأن تسلط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئين، حيث تُعدّ الممارسات الإعلامية جزء لا يتجزأ من الحرب نفسها، وألا تعلي من العنصرية بين الشعوب وتنتهك وتحطم المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان القائمة على مبدأ المساواة بين كل البشر، وأن تتجنب اختراق مبادئ الحرية والموضوعية بانحيازها لعنصر بشري بعينه في اختراق واضح لمبادئ الأمم المتحدة ولقيم حقوق الإنسان التي يتساوى فيها جميع البشر، وهي المساواة في نفس الحقوق ونبذ العنصرية والتمييز ومواجهة ازدواجية المعايير، وفقًا لجميع المواثيق الدولية وما تضمنته الشرعية الدولية من حقوق للإنسان.