لقد أحدث الإعلام تأثير كبيرًا في كل مجالات الحياة وكافة سلوكيات أفراد المجتمع, شملت الأعراف والقواعد والقيم الاجتماعية, هذا فضلاً عن ما تعرضه وسائله المتعددة من أحداث دولية بعدما جعلت من العالم قرية صغيرة.
كما نجحت بعض الأجندات السياسة بكل أدواتها وأساليبها في توجيه دفة بعض وسائل الإعلام نحو أهدافها الإستراتيجية المرسومة، ومنها تعريض الأسرة العربية والمسلمة إلى مجموعة من التحديات بهدف عرقلة عملية بنائها واستقرارها، حيث جعلت من الإعلام ووسائله الدور المؤثر في ذلك، وفي بعض الأحيان العامل الحاسم في تشكيل عادات وقيم هذه الأسر.
لذا فإن دور المؤسسات الإعلامية لا يقل عن دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية للفرد, فالوقت الذي يقضيه الطفل أو الشاب في تعامله مع وسائل الإعلام لا يقل أهمية عن الوقت الذي يقضيه مع والديه وأسرته, ولا تتحقق وظيفة التنشئة إلا بتكامل عمل الإعلام والأسرة.
من هذا المنطلق تتضح أهمية الوسائل الإعلامية في أداء رسالتها الثقافية والتربوية, حتى لمن يجهل القراءة والكتابة, حيث إن اكتساب العادات والقيم عبر وسائل الإعلام يقوم في جوهرة على ترابط عضوي بين الانفعال السلوكي والترويح عن النفس, أي يمكن اعتبار المؤسسة الإعلامية موازية للأسرة ومكملة لعملها.
ويعتبر الإعلام عصب التطور في عصرنا الراهن شأنه شأن الزراعة والصناعة والثروات، وأصبح تطور المجتمع وازدهاره يعتمد على كمية المعلومات والتقنيات والموارد التي يمتلكها، من هنا يبرز دور الإعلام في المجتمع الذي يقدم له الكثير في ثورة المعلومات والاتصالات هذه، بقدر ما كان مستهلكًا ومستوردًا لهذه التقنيات، مما يضعنا أمام واقع يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل، فهل كل ما وصلنا من الغرب كان سيئاً؟! هل أسأنا استخدام هذه التقنيات فصارت وبالاً علينًا بدل أن ننعم بها ونوظفها في خدمة التنمية البشرية؟! هل نرفض الجديد ونتمسك بالماضي أم نطوع هذه التقنيات الحديثة بما يخدم استقرار الأسرة العربية ويطرح رؤيتنا وفكرنا وحضارتنا إلى شتى أنحاء الأرض؟!
إن هذه العلاقة المتكاملة بين الإعلام والأسرة تضعنا أمام إشكالية نوعية للمواد المقدمة عبر الوسائل الإعلامية العربية والدور الذي تؤديه مع الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية.
فالإعلام مهمته نشر وتقديم المعلومات الصحيحة والحقائق الواضحة والأخبار الصادقة، مع ذكر مصادرها، خدمة للصالح العام، ولا بد أن تتسم العملية الإعلامية بالأمانة والموضوعية، إذ يترتب عليها تأثير فعلي في سلوك الجماعة، لذلك فالبيئة الاجتماعية التي تمتاز بالغموض والشك والتردد وعدم اليقين والتفكك الاجتماعي تنتشر فيها الشائعات، كما أن الدعاية التي تعمل على إشباع حاجات الناس أو التي ترضي حاجاتهم النفسية والمادية تكون أكثر قبولاً وانتشارًا، ومن الحاجات النفسية الشائعة احترام الذات وتأكيد الذات والقبول الاجتماعي، والحاجة إلى انتماء الجماعة والحاجة إلى التقدير الاجتماعي.
بناءً على ذلك، يؤدي الإعلام دورًا مهمًا في عملية التنشئة، من خلال مجموعة من العناصر، من أهمها:
1-الإعلام وأثره في السلوك الفردي والجماعي:
وظيفة الإعلام الرئيسية في إحاطة الأفراد والجماعات علمًا بالأخبار الصحيحة والدقيقة والمعلومات الصادقة والواضحة والحقائق الثابتة التي تساعد على تكوين رأى عام صائب، وهكذا يؤثر الإعلام تأثيرًا واضحًا في سلوك الفرد والجماعة، ومن ثم توخي الصدق والأمانة والصراحة والموضوعية والبعد عن الذاتية تمامًا في تقديم الأخبار أو المعلومات، كما يسهم في مجال الصحة النفسية للفرد والجماعة.
فالإعلام ووسائله تعمل في إطار المحافظة على السلوك الثقافي القائم في المجتمع وعلى تطويره، وتزداد قوة تأثير المضمون الإعلامي في تحويل الرأي العام عند الشرح والتصريح أكثر من العرض والتلميح.
وكذلك يأتي التكرار ليقوم بتأثير قوي، شرط أن يكون متغيرًا ومتنوعًا وألا يصل إلى حد الإلحاح والمضايقة حتى لا يحدث أثرًا عكسيًّا، إضافة للاستناد إلى الحاجات النفسية وإشباعها والدوافع النفسية للسلوك لتسهيل العملية الإعلامية.
إن الإعلام الناجح هو الإعلام الذي يهدف إلى إشباع الحاجات النفسية للجماهير وتلبية رغباتهم وتحقيق فائدة ملموسة لديهم، ومن أهم الحاجات ما يلي:
-الحاجة إلى المعلومات والتسلية والترفيه.
-الحاجة إلى الأخبار حول مشكلات السابقة.
-الحاجة إلى دعم الاتجاهات النفسية وتعزيز المعايير والقيم والمعتقدات والتوافق مع المواقف الجديدة.
2-التخطيط الإعلامي:
طالمًا أن للإعلام أهميته وله تأثيره النفسي في سلوك الفرد والجماعة، فإنه يجب أن يقوم على أساس التخطيط العلمي والمدروس والبحوث العلمية الدقيقة، إذ أن الخطة الناجحة تتصف بالشمول والتكامل والمرونة والتجدد بالقدر الذي يوصل لتحقيق الأهداف العليا. ومنها التغيير الإيجابي للسلوك، أي إلى إحداث التغيير النفسي، عن طريق برامج تنفيذية وتكتيكات عملية للاتصال بالجماهير، ولا بد من توخي الدقة في تحديد الأهداف القريبة والبعيدة التي تساير الإيديولوجية الاجتماعية.
أهمية الإعلام الأسري
لقد غيرت وسائل الاتصال الحديثة والطفرة التكنولوجية التي حدثت في السنوات الأخيرة، معالم كثيرة في حياتنا الاجتماعية والمهنية والثقافية والعائلية؛ فهذه التحولات التكنولوجية المتسارعة التي لم يستوعبها مجتمعنا – بحسب عدد من الخبراء في مجال علوم التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم الإعلام والاتصال –بدأت بخلق مفاهيم مستحدثة في العلاقات الأسرية، كما أسهمت في إعادة تشكيل مفهوم الأسرة بمعايير معولمة قد تبتعد نسبيًّا أو كليًّا في بعض الأحيان عن قيمنا العربية والإسلامية والأخلاقيات والسلوكيات التي يجب أن تسود في المجتمع المسلم.
وللحفاظ على الهوية والصورة النمطية للأسرة العربية المسلمة، سعى عدد من الباحثين والمفكرين والإعلاميين إلى إعادة زرع مقومات ثقافتنا الأسرية ونشر دعائمها عبر وسائل الإعلام الجديد، من خلال إحداث إعلام أسري موجه يسهم في استقرار الأسرة وثبات المجتمع المحيط بها.
يتأتى ذلك من خلال تفعيل دور منظمات المجتمع المدني من أجل الإعداد لبيئة تربوية وثقافية تتسم بالخبرات الفنية التي تنمي قدرات الأسرة في ضبط سلوك الطفل وانفعالاته وتعريفه بما هو ممنوع عنه وما هو مرغوب فيه، وتوظيف وسائل الإعلام والاتصال المختلفة في نشر الوعي بالتحديات التي تواجه الأسرة، وسُبل التعامل معها بالتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص, وتوعية الأسرة بالتعامل الأمثل مع تقنيات الاتصال الحديثة لتدعيم الترابط الأسري, وتعزيز دورها والقيام بوظيفتها المنوطة بها في التنشئة السليمة لأفرادها وجعلها بيئة جاذبة, وتكثيف الجهود لحث مؤسسات الإعلام على غرس وتدعيم القيم الأسرية المنبثقة من تعاليم الدين الإسلامي لتمكين الأسرة من القيام بوظائفها, ولمواجهة أهم التحديات الأسرية في التقليد الأعمى الذي تسلكه بعض وسائل الإعلام في استنساخ برامج لا تناسب قيمنا الدينية والمجتمعية.
لذلك يتوجب على المؤسسات الإعلامية العربية والإسلامية أن تأخذ بعين الاعتبار الوظائف الحديثة والمضافة لوسائل الإعلام, وبحاجة إلى رؤية جديدة للإعلام في إطار دوره الاجتماعي والسياسي والثقافي تتناسب مع المعطيات والاستحقاقات الراهنة, وإلى سياسات إعلامية وطنية بعيدة عن الأنماط التقليدية, للوصول إلى مستوى التأثير والفاعلية، تكسبها ثقة الجمهور الذي تتوجه إليه, والمطلوب ليس فقط التوسع في استخدام أحدث الأجهزة في مجال الإعلام والاتصال, ولكن ما يجب التركيز عليه هو ضرورة تعميق تناول الإعلاميين للمشاكل والقضايا الاجتماعية, وبتبسيط المصطلحات والدراسات التي تتناول قضايا الأسرة من جميع جوانبها, والقيام بتطوير المضمون حتى يماثل الشكل, بلغة بسيطة وواضحة قادرة على الوصول إلى أفراد الأسرة للإسهام في عملية التنشئة الاجتماعية والبناء الاجتماعي السليم القائم على القيم الإسلامية.