المسلسلات والأفلام السينمائية الإسبانية تتمدد سريعًا حول العالم
في الفترة الأخيرة استطاعت مسلسلات وأفلام إسبانية مختلفة أن تكتسب شهرة وشعبية واسعة، وقد تمكن الإسبان من فرض أنفسهم على شاشات التلفزيون والسينما، وتصدّرت إنتاجات منصة “نتفليكس” و”أمازون برايم” و”تلفزيون أبل”.
وعلى الرغم من أن البلاد التي يتكلم أهلها باللغة الاسبانية مثل المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وشيلي بجانب إسبانيا نفسها، وجميعها من أفضل الأسواق المعتادة للإنتاج الإسباني، لكن العروض البارزة بدأت تمتد الآن إلى أنحاء مختلفة من العالم ومنه منطقتنا العربية.
حاليا تشهد السينما الإسبانية حالة من الانتعاش والازدهار على أكثر من صعيد جمالي وفكري، بحيث استطاعت أن تفرض لنفسها مكانة مرموقة في السينما الأوروبية الجديدة وخريطة السينما العالمية عموما، فقد ازداد الإنتاج الكمي ليس في داخل حدود إسبانيا، وإنما تعداها إلى بلدان أخرى ناطقة باللغة الإسبانية، وخصوصا في أميركا اللاتينية.
المعروف أن إسبانيا لم تكن يوماً من الدول ذات التراث السينمائي العريق والحضور القوي جداً في الفن السابع، بل بقيت حتى الأمس القريب تجد صعوبة في إيجاد موقع لها على الساحة الدولية في هذا المجال، ولم يفز أي إسباني باستثناء لويس بونويل بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، وقد نالها عام 1961 عن فيلم “فيريديانا”.
لكنّ السينما الإسبانية نجحت بعد ذلك في اللحاق بالركب، وباتت تفوز بالجوائز باستمرار، على نحو ما فعلت الممثلة كارلا سيمون في مهرجان برلين بفيلمها (الكاراس).
وفي ما يتعلق بجوائز الأوسكار، فقد سبق لنفس الممثلة أن حصلت على أحد التماثيل الصغيرة عام 2009، ولكن عن دور في فيلم أميركي بعنوان “فيكي كريستينا برشلونة” للمخرج الأميركي الشهير وودي آلان.
مديرة مهرجان السينما الإسبانية في مدينة نانت الفرنسية بيلار مارتينيز فاسور قالت “إن السينما الاسبانية واجهت صعوبة كبيرة في دخول عالم المهرجانات الدولية”، وأوضحت أن الأفلام التي كانت تُعرض في الخارج لم يكن يُنظر إليها على أنها إسبانية، وأضافت “لا يزال الاعتقاد سائدا داخل إسبانيا بأن السينما الإسبانية سيئة، وأن المخرجين يستفيدون من الوساطة ويتلقون الإعانات ولا يفعلون شيئا، إلا أن الكثير من الخبراء في هذا القطاع لاحظوا أن الفن السابع في إسبانيا يتمتع بتمويل أقل من ذاك المخصص للسينما الفرنسية”.
وبالعودة إلى تاريخ السينما الإسبانية نجد أنه طويل ومتنوع، بدءًا من ولادة أول فيلم مؤرخ في عام 1896، وهو شريط لم تتجاوز مدته الدقيقة، سجل خروج المصلين بعد احتفال ديني في مدينة سرقوسة، بعد ذلك بعام جاء فيلم «مشادة في مقهى» الذي بلغ طوله ثماني دقائق، وهو أول فيلم روائي قصير صامت في تاريخ السينما، أما أول فيلم روائي طويل بلغ 110 دقائق فقد أنتج عام 1916م عن حياة كولومبس تبعه عدد من الأفلام الأخرى التي أُطلق عليها اسم السينما التابعة، لأنها كانت تقليدًا لموجات السينما العالمية، إلى أن ظهرت ثلاث شخصيات سينمائية فذة أسست لسينما جديدة، هي: لويس بونويل، الذي عُرف بأسلوبه السوريالي، ولويس برلانغا، الذي أرسى لسينما نقدية شعبية، وخوان أنطونيو بارديم، الذي تأثر بالواقعية الجديدة، ومن بعدهم ماريو كاموس، فرانشيسكو ريجوير، ومانويل سومرز.
بدءًا من ثمانينات القرن الماضي عاشت السينما الإسبانية انتعاشا حيث وصل الإنتاج عام 1990 إلى 42 فيلما دون حساب أفلام الإنتاج المشترك (عشرة أفلام) وارتفع العدد عام 2000 إلى 104 أفلام محلية و21 فيلما من إنتاج مشترك، إضافة إلى انتشار الصالات الصغيرة والإقبال الجماهيري المتزايد.
مؤخرًا بدأت إعادة الثقة بالفيلم الإسباني، بعد سلسلة طويلة من الجهود والمثابرة، التي اقترنت بمحاولات التحرر من الإرث الذي لازمها في حقبة سياسية واجتماعية شديدة الاضطراب والمعاناة، بدأت منذ العام 1935 واستمرت إلى العام 1975 والتي أعقبها تنظيم عدة ندوات وقراءات عميقة في أبحاث ودراسات بأقلام نقاد وأكاديميين متخصصين مهتمين في موضوع السينما الإسبانية، تحت مظلة من الرعاية والدعم والمساندة، عكفت عليها مؤسسات وشركات وأفراد معنيون.
بموجب ذلك جرت مراجعة دقيقة لمفاهيم وطروحات تتعلق بمستقبل السينما الإسبانية، ومحاولات إيجاد أسس راسخة لتفعيل حركة الإنتاج السينمائي، وعلى وجه الخصوص ما قامت به المحطات والقنوات ورجال الأعمال، بعد أن انتاب الكثير من تلك الجهات الإحساس بأن السينما الإسبانية تسير في منزلق خطير وجارف إذا لم تتصد لهذه الحالة، التي كادت أن تنزلق في ركام تلك النوعية من الأفلام الهابطة في محاكاتها السينما السائدة.
ولأنه يتم الحصول على جزء صغير فقط من مبيعات شباك التذاكر في إسبانيا من خلال الأفلام المحلية، لذلك نفذت الحكومة الإسبانية تدابير تهدف إلى دعم الإنتاج السينمائي المحلي ودور السينما، والتي تشمل ضمان التمويل من محطات التلفزيون الوطنية الرئيسية.
في ذلك قالت وزيرة الاقتصاد ناديا كالفينيو خلال العرض الرسمي لهذه الخطة “إن الهدف هو جعل إسبانيا المحور السمعي والبصري لأوروبا”.
كالفينيو أكدت أن هذه الخطة “تقوم على تحفيز الإنتاج السمعي والبصري وجذب المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، سواء في السينما أو في إنتاج المسلسلات والأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية والإعلانات وألعاب الفيديو والرسوم المتحركة”.
وستخصص للخطة اعتمادات بقيمة 1,6 مليار يورو منها 1,3 مليار على شكل قروض بضمان الدولة وحوافز ضريبية لشركات الإنتاج التي ستبادر الحكومة إلى خفض التكاليف الإدارية المترتبة عليها، وقد أوضح رئيس الحكومة بيدرو سانشيز أن المصدر الأساسي لهذه الأموال سيكون خطة التعافي الأوروبية وستكون إسبانيا إحدى أبرز الدول المستفيدة منها بإجمالي 140 مليار يورو.
وتعتبر رقمنة الاقتصاد، بما في ذلك الإنتاج السمعي البصري، أحد المحاور الرئيسية التي حددتها مدريد لاستخدام هذه الأموال، وترغب الحكومة الإسبانية في اغتنام هذه الفرصة لإعادة توجيه اقتصادها الذي يعتمد بشدة على السياحة نحو القطاعات ذات القيمة المضافة الأعلى، وقد أكد سانشيز أن “دعم أوروبا سيتيح إنعاش قطاعات معينة وجعلها أكثر قدرة على المنافسة”.
في السياق يُعزى جانب كبير من الثقة المكتشفة حديثًا في إسبانيا إلى الطلب العالمي غير المسبوق على المحتوى الإسباني الناجم عن الشهية الشرهة لمنصات الترفيه الدولية والمحلية.
ويعود سبب ازدهار الإنتاج جزئيًا إلى منصات البث الأمريكية الرئيسية التي تم جذبها إلى البلاد كمواقع عمل، وأيضًا كمزود محتوى للسوق الناطق باللغة الإسبانية، فقد اختارت شركة نتفليكس العملاقة للبث المباشر إسبانيا كقاعدة لأول مركز إنتاج أوروبي لها واستثمرت بكثافة في الالتزام بمستقبل طويل الأجل هناك، كما قامت بتوظيف أكثر من 20 ألف شخص، وهي تعمل مع مخرجين مشهود بالخبرة، فضلا عن ذلك تعمل أمازون في عمليات إنتاج ضخمة للمسلسلات الدرامية باللغة الإسبانية، كما تتمتع اتش بي أو HBO بعلاقات قوية مع إسبانيا، حيث صورت أجزاء من مسلسها التلفزيوني الشهير Game Of Thrones هناك، وفي الموسم الخامس منه، ظهر القصر الأندلسي Royal Alcázar of Seville البالغ من العمر 700 عاماً.