لغة الإشارة هي الوسيلة الرئيسية للاتصال بين ضعاف وفاقدي السمع وغيرهم، ويتم التعبير عنها من خلال حركات الجسم والأيدي ومن خلال تعابير الوجه، ويتم الجمع بين هذه الميزات لتشكيل إشارات تنقل معنى الكلمات أو الجمل، وتُعد القدرة على التقاط وفهم العلاقة بين الكلام والكلمات أمرًا بالغ الأهمية لمجتمع الصم من أجل إرشادنا إلى عصر يمكن فيه تحقيق الترجمة بين الأقوال والكلمات تِلْقَائِيًّا.
وتؤدي تقنيات الذكاء الاصطناعي دورًا مُهِمًّا في كسر حواجز التواصل بين الصم أو ضعاف السمع مع المجتمعات الأخرى، مما يسهم بشكل كبير في اندماجهم الاجتماعي، وقد مهدت التطورات الحديثة في كل من تقنيات الاستشعار وخوارزميات الذكاء الاصطناعي الطريق لتطوير تطبيقات مختلفة تهدف إلى تلبية احتياجات مجتمعات الصم وضعاف السمع.
مؤخرًا أصبح بالإمكان استخدام الذكاء الاصطناعي في ترجمة اللغة المسموعة إلى لغة الإشارة، وقد كان هذا التطور محصورًا فقط في تطبيقات أخرى مثل إعلانات الطقس وعلامات السكك الحديدية وما إليهما، إلا أننا سنراه قريبًا على شاشات التلفزيون، في تطور أكثر تعقيدًا يوفر لفئة من البشر فرصًا لمتابعة المحتوى التلفزيوني.
تشمل عمليات التطوير الجارية التعرف على الإيماءات الذي يعتبر في صميم تفسير لغة الإشارة بالذكاء الاصطناعي، ويُعد التعرف على الإيماءات موضوعًا شائعًا في عالم الحوسبة في الوقت الحالي، حيث يعمل المبرمجون على تعليم الآلات لفهم الإيماءات البسيطة.
تقول مجلة “برودكاست” البريطانية وهي تتحدث عن شركة اسمها (روبوتيكا Robotica)، قامت مؤخرًا بتطوير منظومة ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنشاء لغة الإشارة، بأن هدف هذه الشركة في الوقت الحالي هو أن تكون قادرة على توفير لغة إشارة لأكبر حجم ممكن من المواد التلفزيونية، بدءًا من البرمجة للأطفال.
حاليًا، يسلم العميل المحتوى السمعي البصري والنسخ إلى روبوتيكا، والتي تستخدم التعلم الآلي والمدخلات البشرية لإنشاء لغة الإشارة بالذكاء الاصطناعي، ويتم استخدام أفتار خاص بديلاً عن المترجم البشري، كما يتم ضبط مخرجاته بواسطة متخصصين في لغة الإشارة لضمان دقتها، ويستغرق الأمر حوالي (4 – 8) ساعات لإنشاء أفتار خاص للغة الإشارة البريطانية (British Sign Language) مثلاً، ويصف المطورون لغة الإشارة البريطانية بأنها: “إشارات رقمية فائقة الواقعية تشبه الإنسان”.
تأسست روبوتيكا منذ عامين، وطورت أفتارات للغة الإشارة البريطانية والماكاتون Makaton، وهي تقوم الآن بتطوير الذكاء الاصطناعي للغات الإشارة الأمريكية والإيطالية ولغات الإشارة الأخرى، والماكاتون هو برنامج لغوي يستخدم الإشارات مع الكلام والرموز، لتمكين الناس من التواصل، وهو يدعم تطوير مهارات الاتصال الأساسية، مثل: “الانتباه، والاستماع، والفهم والذاكرة، والتعبير عن الكلام واللغة.
لقد تم تصميم أفتار لغة الإشارة البريطانية ليبدو شبيها بالبشر تمامًا بإشارات أيدي، وتعبيرات وجه أكثر وضوحًا، وتمكّن التكنولوجيا الشركة من ترجمة كل شيء إلى لغة إشارة على نطاق واسع، مع الأخذ في الاعتبار أن لغات الإشارة معقدة بشكل خاص، لأنها لا تشترك في القواعد أو المفاهيم مع مرادفات الكلمات المنطوقة.
هذا التطور بالنسبة للعديد من الصم، يمثل فتحًا هائلاً أمامهم، فقد تكون القراءة صعبة أو مستحيلة بالنسبة لهم، وقد لا تساعدهم الترجمة والوصف الصوتي.
تعلق كاثرين كوبر، مستشارة ثقافة الصم: “بالنسبة للأطفال على وجه الخصوص، فالترجمة المصاحبة لا تصلح لهم، وهم بحاجة إلى لغة إشارة على شاشة التلفزيون”.
وتقول روبوتيكا: “إن قيمة صناعة لغة الإشارة من المتوقع أن تبلغ (366) مليون جنيه استرليني في غضون خمس سنوات، ويتحدث رئيسها التنفيذي عن وجود نقص عالمي في مترجمي لغة الإشارة والمترجمين الفوريين، مشيرًا إلى أنها مهمة صعبة وتستغرق سنوات لتعلمها، فحتى لو كان عدد المترجمين أكبر بمائة مرة، فلن يكون هناك ما يكفي لتلبية متطلبات العالم الرقمي المتعطش للمحتوى، ففي العام الماضي، أصدرت هيئة الإذاعة البريطانية (28) ألف ساعة من المحتوى الجديد.
علاوة على ذلك في كل ساعة، يتم إنشاء عشرات الآلاف من الصفحات الجديدة، كما يتم تحميل (30) ألف ساعة من مقاطع الفيديو على يوتيوب، والطريقة الوحيدة التي يمكن لمستخدمي لغة الإشارة من خلالها الحصول على المساواة في الوصول إلى المعلومات والترفيه هي من خلال “الترجمة الآلية”، ولكن هذا لا يعني التخلي عن البشر في الترجمة وفق مايكل ديفي، أحد مؤسسي روبوتيكا، الذي يرى بأن هناك دائمًا حاجة للمسة الشخصية.