ليس سهلاً أن يصبح الممثل نجمـًا .. لكن يتوجب عليه أن يسعى لذلك، والنجومية هي سلطة يمارسها المشاهدون دون غيرهم، فهم الأجدر بالتقييم الشعبي الأكثر تأثيرُا من آراء النقاد والمتخصصين في هذا المجال.
لكن الأمر ليس مجرد أفكار يتمُّ السعي إلى تنفيذها من دون تخطيط وفكر علمي، أصبحت له شركاته ومؤسساته المتخصصة في صناعة النجم، وهو أمر أصبح منتشرًا على مستوى العالم.
لازلنا في عالمنا العربي، نتعامل مع الأمر بمنطق الهواة، معتبرين أن الاستعانة بالآلة الإعلامية من دون تخطيط لما يجب أن ينشر وما لا يجب، يمكن أن يكون نقطة الانطلاق لفضاء النجومية الرحب.
ولكي نتعرّف أدوات صناعة النجم، لابد من أن نتحدث عن ورش تدريب الممثل، التي أصبحت منتشرة في عالمنا العربي، لكنها ليست في معظمها الأكثر قدرة على تقديم مشروع نجم.
وقد يرى البعض أن هناك فئة من الممثلين المحترفين ليسوا بحاجة إلى هذه الورش.
ولكننا نرى أن التمثيل مثله مثل أي فن آخر، لا يتطور إلا بالتدريب المستمر، على أيدي متخصصين، بخاصة المخرجين المسرحيين، الذين يعدّون الأكثر تأثيرًا في هذا المضمار، فلهم أدواتهم التي يجب أن يتسلح بها أي ممثل، تتمثل في التدريب على مخارج الألفاظ، واللغة السليمة، والحركة المتقنة، والأداء المقنع.
كما أن تعليم فن “الإيتيكيت” أمر في غاية الأهمية، فالوجاهة الاجتماعية، تستلزم التدريب على كيفية تناول الطعام والمشروبات، وكيفية التحية، والحديث بلباقة، وارتداء الملابس الأنسب لجسد النجم المأمول .. إلى غير ذلك من التفاصيل.
حينئذ يظهر دور الإعلام، والتعامل مع الصحافة والبرامج التلفزيونية والإذاعية، فهناك مـَن يخططون للنجم في أي برنامج تلفزيوني يظهر، وعلى صفحة أي جريدة يجري حوارًا، وعدد البرامج التي يشارك فيها سنويـًّا، وما الأخبار التي يتوجب نشرها عنه؟ وما الموضوعات التي لا يحبذ الحديث عنها عبر وسائل الإعلام.
إنها خطة متكاملة يسير وفقها الممثل الذي يتطلع إلى أن يكون مؤثرًا جماهيريـًّا.
الملاحظ في عالمنا العربي، سعي بعض الممثلين الشباب إلى لفت الأنظار عبر أساليب قد تستفز متابعيه، ومؤخرًا ظهر أحد النجوم بأغنيات استفزت الجمهور، يتحدث فيها عن نفسه وقوة تأثيره، ويقيم حفلات غنائية على الرغم من أنه ممثل بالأساس، يرتدي خلالها ملابس غير لائقة، معتبرًا أن ذلك يمنحه شهرة واسعة، لكنها شهرة سلبية، فما الهدف من أن تجعل أخبارك المنفرة يتمُّ تناقلها من فم إلى آخر؟!!!
نحن بحاجة إلى نجم، يعتمد على موهبته بالأساس، وثقافته العامة كعامل لا يمكن إغفاله، إلى جانب تحليه بالمواصفات التي ذكرناها سالفـًا.
إن معاهد الفنون المسرحية تتيح للطلاب دراسة روائع المسرح العالمي، وتمثيل بعض منها، وهو ما يشكل ثقافة خاصة لدى الطالب، تنعكس على أدائه التمثيلي، كما أنه يدرس قواعد اللغة العربية، ما يجعله قادرًا على الأداء بلغة عربية سليمة، لكننا لا يمكن أن نقصر فن التمثيل على خريجي هذه المعاهد فقط، فالموهبة هي أساس الانطلاق في عالم الفن، لكن في هذه الحالة لابد من تزويد هذه الموهبة بالأوعية المعرفية الأخرى التي سبق ذكرها، وإلا أصبحت هذه الموهبة منقوصة.
من التجارب النموذجية في مجال صناعة النجم، مشروع “الاستديو” الذي تقيمه وزارة الثقافة المصرية تحت إشراف المخرج المسرحي الكبير خالد جلال.
ما يميز مشروع “الاستديو” عند خالد جلال، أن دوره لا ينتهي عند إعداد ممثل قادر على الدخول في معترك الحياة الفنية، لكنه – أيضـًا – يسعى إلى تقديمهم إلى الساحة في أبهى صورهم.
يحرص جلال على أن يكون هناك كتيب مطبوع يواكب عرض مشروع تخرج كل دفعة، يضم صور الممثلين وأسمائهم، ويدعو إلى هذا العرض أهم المنتجين والمخرجين والممثلين وصناع السينما والتلفزيون، ويدعو – أيضـًا – رجال الصحافة والإعلام، وهو ما يتيح لهؤلاء الطلاب أن تلتقطهم شركات الإنتاج للمشاركة في الأعمال التي ينتجونها.
بل إنه يتعمد أن تكون مشاركة خريجي “الاستديو” في أي مقابلة لعمل “كاستينج” لأي مشروع سينمائي أو تلفزيوني، ذا طبيعة خاصة، فيفرد لهم يوم خاص لمقابلتهم، ويكون دخولهم في هذه المشاريع من خلال تعامل له خصوصيته.
النتيجة كانت أن أصبح خريجي كل دفعة لهم مكانتهم على الساحة الفنية، ويكفي أن نقول إن أكثر من (75%) من الممثلين الشباب الذين ظهروا على الساحة الفنية منذ بدء مشروع “الاستديو” هم خريجو هذه الورشة ومن طلاب خالد جلال.
نتج عن ذلك الزيادة الهائلة في عدد المتقدمين لاختبارات الورشة، والتي بلغت الآلاف في السنوات الأخيرة، لأن كل ممثل شاب هاو يدرك أن صك الدخول إلى عالم الاحتراف يبدأ من المرور على “ستديو” خالد جلال.
ربما تسبب ذلك في استحداث الورشة ذات المصروفات الدراسية، وذلك لتخفيف عبء الإقبال المتزايد على الورشة الأساسية.
أصبحت الورشة ذات المصروفات الدراسية هي الأقصر زمنـًا، قياسـًا بالورشة الأساسية، حيث يتلقى طلابها التدريب على إعداد الممثل وورشة الارتجال فقط، من دون المواد الأخرى.
لذا، فإنه عند التعرض لتجربة خالد جلال، لابد من أن يكون نصب أعيننا، قدرته على صناعة النجوم، وهي الحلقة الأخيرة في سلسلة التدريب والتقويم، وتزود عضو الورشة بمهارات مهمة، حتى أنه يدربه على فن “الإيتيكيت” لكي يتعود على كيفية التعامل مع الآخر والحديث والآداب الأخرى المهمة بالنسبة للممثل المحترف.
من الجدير بالذكر – أيضـًا – أن جلال يقوم بتدريبه على التصوير الفوتوغرافي، من خلال الاستعانة بمصورين محترفين، يدربون عضو الورشة على كيفية التعامل مع الكاميرا، والوقوف أمامها.
يحرص خالد جلال على أدق التفاصيل الخاصة بالمتدربين، ومنها على سبيل المثال؛ ملابسهم أثناء التدريب، حيث يتم تصنيع زي موحد لهم، يلتزمون بارتدائه، وفي نهاية العروض التي يقدمونها للجمهور، يهتم بأن يرتدوا أزياءً ذات طبيعة مميزة، وفي الغالب تكون “البدل” السوداء للرجال، و”الفساتين” السوداء – أيضـًا – للإناث.
إنه يصنع نجمـًا بكل ما تحويه الكلمة من معنى، سواء من الناحية الاحترافية والمهنية، أو من حيث الشكل العام للممثل.