الروبوت الإعلامي

د. ذكرى يحيى القبيلي

الروبوتات الذكية وتطورها واكتساحها لسوق العمل من الموضوعات المهمة والرائجة، ولم تعدّْ تقتصر مجالات استخدامها على الأعمال الشاقة أو الخطرة أو البدنية، فقد صارت قادرة على محاكاة شيء من القدرات الذهنية التي تفرد بها الإنسان، مما مكنها من أداء أنواع من المهام الذهنية التي كانت مقتصرة عليه.

ويُعدُّ دخول الروبوت عالم الصحافة والإعلام مرحلة متقدمة من منجزات الذكاء الاصطناعي، وبتنا نسمع عن “المذيع الروبوت” و”الصحافة المؤتمتة” أو “صحافة الروبوت”.

والروبوت المذيع واحد من منجزات الذكاء الاصطناعي، وهو يحاكي تصرفات المذيع البشري ويقلد حركاته، ويمتاز بأنه لا يخطئ ولا يتعب، وهو لا يتقاضى مرتبًا ولا يحتاج ملابس وغيرها، لكنه يكلف في صنعه وأنظمته، ويحتاج متابعة تحديثات وصيانة، كذلك فإن تعبيرات الوجه لديه والانفعالات التي يمكن إظهارها محدودة، كالغضب والحزن من خلال الأعين، والأضواء وظهور رسم للقلب في شاشات عيونه دلالة على الحب.

وأول مذيع إلكتروني أو روبوت إعلامي صممته شركة شينخوا الصينية بمناسبة افتتاح المنتدى العالمي للإنترنت، بمدينة ووزين الصينية وقد ظهر في نوفمبر 2018م، وكان يتحدث اللغة الإنجليزية بإتقان ويحاكي الإعلامي البشري؛ فهو مصمم على صورة وصوت شخص إعلامي حقيقي، وظهر مقدمًا النشرة الإخبارية واستهلها بقوله: “أهلا بكم أنا مذيع اصطناعي!”.

وبعدها بشهور وتحديدًا في مارس 2019م، أطلقت الشركة نفسها روبوت مذيعة صينية، والشيء بالشيء يذكر ففي الشهر ذاته وفي منتدى الإعلام العربي تفاجأ الحضور حين اعتلى المنصة روبوت بشخص الإعلامي مصطفى الآغا في جلسته (إعلامي المستقبل)، وقال: إنه يمكنه رؤية الحضور وإنه أول روبوت لم يبرمج بالإجابات المسبقة.

أما الصحافة المؤتمتة فقد عرّفها بروفيسور الاتصال في جامعة بنسلفانيا الأميركية “مات كارلسون” بأنها: العمليات الحسابية التي تحول البيانات إلى نصوص إخبارية سردية مع عدم التدخل البشري عدا العمل على البرمجة الأولية أو الأساسية.

وقد استعانت وكالة “أسوشيتد برس” بفريق من أحد عشر روبوتا لتغطية وتصوير أولمبياد 2016م، من الزوايا التي يصعب على الإنسان الوصول إليها، وأعلنت استعانتها بروبوتات متطورة وبرامج ذكاء اصطناعي في التقارير الإخبارية الرياضية، وأطلقوا على مشروعهم “الصحافة المعززة”.

وكذلك ذكرت مؤسسة واشنطن بوست أنها اعتمدت على روبوت صحفي في تحرير (850) مقالة.

وفي عام 2017م، نجحت مؤسسة “تشاينا دايلي” في تطوير أول روبوت صحفي في العالم قادر على كتابة المقالات، وأعلنوا أنه يمكنه كتابة نص مؤلف من (300) رمز كتابي في مدة ثانية واحدة!

كل هذا لا شك في أنه يُعدُّ إنجازًا للابتكارات البشرية، ويصبّ في خدمة عالم الإعلام ويجوّد العمل، ويجعلنا نستبشر بمستقبل يفوق التوقعات ويتجاوز القدرات الطبيعية، يتشارك فيه البشري والروبوت؛ الأول بقدراته الذهنية والإبداعية، والثاني بدقة الآلة وسرعتها المدهشة في التنفيذ والجمع والتدقيق وغير ذلك.

يرى الخبير والصحافي الألماني “زاشا لوبو” أن ما يعرف باسم صحافة الروبوت واستخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار يتيحان لعالم الإعلام كثيرًا من الفرص، وأنه يمكن دعم الصحافيين في عملهم وتحسين اتصالاتهم بالقراء ومستخدمي الإنترنت عبر الذكاء الاصطناعي، وأن الأمر لا يدور فقط حول تقديم الدعم في كتابة النصوص، فالفرص التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في هذا المجال أكبر بكثير من ذلك، فعبر الذكاء الاصطناعي يمكن المقارنة بين إحصائيات معينة أو فـَهم بعض السياقات التي قد لا يمكن للفرد إدراكها، وهذه الآليات أهم بكثير من مسألة ما إذا كان تقرير مباراة كرة قدم كُتب بواسطة صحافة الروبوت أم لا.

لكن يظلّ العمل مفتقرًا حتمًا للجانب الإبداعي، حسب المتخصص في الصحافة الإلكترونية الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، وإن كانت تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستوفر لوسائل الإعلام أدوات أكثر ذكاءً وتقدمًا وسرعة في نقل الخبر إلى المتلقي وتفاعل الأشخاص مع ذلك، وبطريقة تتناغم مع أنماط الحياة المتسارعة في القرن الحالي.

فهل سيكون أداء الروبوت ناهضـًا بدور الصحفي والإعلامي البشري مساهمًا في الإنجاز وإحضار المعلومة وتحليلها وجمعها وتقديمها؟! أم أنه سيتجاوزه ويشكل منافسـًا وربما خطرًا عليه مهددًا فرص التوظيف؟! وهل هذه الأسئلة وغيرها مشروعة أم أنها من بنات قلق أنصار الصحافة الورقية ومصالح الإعلام التقليدي؟!

ويبقى السؤال المهم الذي يتقدم كل هذا .. هل سيظل الروبوت تحت سيطرة صانعه أم سنشهد تمردًا أمست له علامات مقلقة؟