يبحث المعلنون عن أفضل الطرق لحملاتهم التسويقية وتطوير المعرفة المتعمقة عن اتجاهات السوق والعملاء، مـَن هم؟ وما احتياجاتهم المختلفة؟ وهذه المعرفة تؤدي بلا شك إلى فهم عميق لمحفزات الشراء, فضلاً عن تطوير طرق الإعلان، ومؤخرًا برزت تطبيقات الواقعين الافتراضي والمعزز كأفضل الوسائل المستحدثة التي تقود هذا المجال إلى الأمام وتحقق له مزيدًا من التطور غير المسبوق.
ويوفر الواقع المعزز على وجه الخصوص فرصة فريدة للتواصل مع العملاء بطرق لا يمكن للوسائل التقليدية، مثل: «الصحف، والإذاعة، والتلفزيون» وغيرها إنجازها، حيث يمكن للعلامات التجارية التي تستثمر في الحملات التفاعلية أن تصل بسرعة إلى عدد كبير من المستهلكين، وتتواصل بقوة مع المشترين المحتملين، وتحفز المستخدمين بسهولة أكبر على التفاعل مع علاماتهم التجارية وبشكل متكرر.
يمكن فـَهم الواقع الافتراضي بشكل أولي بأنه بيئة محاكاة تفاعلية تحدث فيها حالة استغراق كاملة لمستخدمها لتمثل تجسيدًا للواقع غير الحقيقي الذي يكون فيه المستخدم محاطـًا بشكل تام بعالم مصطنع متعدد الأبعاد من خلال برامج الكمبيوتر. أما مفهومه فيستند إلى الأفكار والأدبيات المختلفة حول رغبة الإنسان في الهروب من حدود العالم الحقيقي إلى آخر خيالي، وطالما كان الإنسان قادرًا على أن يندمج في بيئة افتراضية يتخيلها أو تصنعها له الآلة، فسيجد نفسه منساقـًا تمامـًا إلى عوالم خيالية وغارقـًا في مكوناتها المختلفة ومندمجـًا معها في كافة حركاتها وسكناتها.
الواقع المعزز يحاكي الكائنات الاصطناعية في البيئة الحقيقية، حيث يستخدم الكمبيوتر أجهزة الاستشعار والخوارزميات لتحديد موقف وتوجه الكاميرا. أما الواقع الافتراضي فهو يستلزم حدوث الاستغراق الكامل في البيئة الافتراضية، وفي حين أن الواقع الافتراضي يضع المستخدم داخل بيئة الكمبيوتر المصنوعة تمامـًا، فإن الواقع المعزز يعمل على تقديم المعلومات التي يتمُّ تسجيلها مباشرة في البيئة المادية.
وأقرب نموذج لـِفـَهم الواقع المعزز هو لعبة «بوكيمون غو» (Pokémon Go) التي تمَّ تطويرها من قبل شركة «نيانتيك» التي تستخدم نظام التموضع العالمي وتسمح لمستخدميها بالتقاط وقتال وتدريب كائنات افتراضية تدعى البوكيمونات، والتي تظهر على شاشات الأجهزة وكأنها موجودة في العالم الواقعي.
وللواقع الافتراضي والمعزز مجموعة واسعة من التطبيقات مثل: «الألعاب، والتعليم، والإعلام، والترفيه، والفنون، والإعلان، والسياحة، والرياضة، والطب والرعاية الصحية، والهندسة بتطبيقاتها المختلفة بخاصة المعمارية والتصميم الداخلي، والتطبيقات العسكرية»، وغيرها كثير.
ويتطور توظيف استخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز في مجالي الإعلان والترويج التجاري للسلع والخدمات، فواحدة من المزايا الرئيسية لهذه التكنولوجيا الجاذبة في هذا المجال، قدرتها على وضع المشاهد في أماكن من غير المرجح أن يكون قادرًا على زيارتها بجسده، إما لأنها بعيدة جدًّا، خيالية ولا توجد في الواقع، مكلفة للغاية، خطرة، خارج الحدود، أو لمجرد أنه لا يحب السفر بالطيران أو بغيره.
هذا التطور في استخدامات التطبيقين أتاح لشركات الإعلان أن تمكن أي شخص من تسلق جبال «إيفرست»، واستكشاف الصحراء الكبرى في إفريقيا، وركوب جندول في مدينة البندقية الإيطالية، بل وأن يجرب المبيت في غرفة فندقية، قبل ان يقدم على قرار السفر إلى هذه الجهة أو تلك، فمنح أي شخص فرصة استكشاف تجربة جديدة قبل أي قرار للسفر أو الانتقال من مكان إلى آخر، يمثل قيمة عالية بالنسبة لقطاع السياحة والنقل والضيافة، على سبيل المثال لا الحصر.
ويتضمن جانب كبير من القوة التفاعلية للواقع المعزز «الاستهداف الجغرافي» (Geotargeting), وهذه الإمكانية أصبحت ممكنة بفضل توافر بيانات (GPS) التي يتمُّ جمعها من الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة الأخرى، يطلق عليها − أيضـًا − التسويق الجغرافي والتسويق عبر الإنترنت وهي طريقة تحديد الموقع الجغرافي لزائر موقع الويب وتقديم محتوى مختلف إلى ذلك الزائر استنادًا إلى موقعه، ويشمل هذا البلد أو المنطقة الولاية أو المدينة أو الرمز البريدي أو المنظمة أو عنوان (IP) أو (ISP) أو معايير أخرى.
مثال آخر يتصل بالتسوق، فقبل إجراء أي عملية شراء، يمكن للمشترين استخدام الواقع المعزز للحصول على فكرة أفضل عن المنتج قبل شرائه، كما يمكنهم الاطلاع على تعليقات عن نفس المنتج والعلامة التجارية التي يحملها، حيث يضيف الواقع الافتراضي بـُعدًا إضافيـًّا للاختيار بين المنتجات، وذلك من خلال تعزيز المحتوى الإعلاني المرئي الذي يوفر معلومات عن المنتج بطريقة تمنح العلامات التجارية مزيدًا من الطرق للتواصل مع المشترين.
وقد دفعت ميزات الواقع المعزز في مجال الإعلان شركات، مثل: «أيكيا» (IKEA)، و»واي فير» (WAYFAIR)، وغيرها إلى تطوير أنظمة متقدمة للترويج تسمح للمستهلك باستكشاف تفاصل منتجاتها، وذلك بتقديم فكرة أفضل عن مدى تناسب المنتج من حيث الحجم واللون وغير ذلك مع منازل المستهلكين، فضلاً عن إمكانية حصول المستهلك على نظرة تفصيلية للمنتج عن بُعد.
كذلك طورت العديد من شركات التصميم العقاري تطبيقات تسمح للمشترين، أو المؤجرين المحتملين بالقيام بجولة افتراضية في نماذج لتصاميم بناء مقترحة أو جاهزة، وهو ما يمكن المعماريين وغيرهم من اختبار التصاميم التي يعملون عليها قبل أن يتمَّ بناؤها، حيث إن رؤية التصميم في الواقع المعزز يمكن أن يقدم للمعماري رؤية مقربة للمساحة والإضاءة وغيرها.
وفضلاً عن التكاليف الهائلة التي يدفعها المنتجون ومقدمو الخدمات في التعريف بمنتجاتهم والترويج لخدماتهم من خلال المنشورات والمطويات التي ترسل إلى البيوت، أصبح بالإمكان تصميم نسخة افتراضية لمركز تجاري أو عيادة طبية أو معرض إنتاجي ليتجول المشترون في أركانه المختلفة، كما يمكنهم إجراء عروض إعلانية تفاعلية للسلع والخدمات المختلفة.
كذلك تسمح تطبيقات الواقع الافتراضي والمعزز للشركات المنتجة للعلامات التجارية بتغيير المحتوى الإعلاني بشكل مستمر، وهذا الأمر يؤدي إلى أن يصبح المنتج أو السلعة أو الخدمة قناة اتصال حية ومتجددة المحتوى في حد ذاتها، وهو ما قد يشجع المستهلكين على العودة إلى نفس المنتج مرة أخرى، بخاصة إذا كان هذا التجديد يتم بشكل أكثر جاذبية وتفاعلية وقدرة على إبقاء المستهلك على اطلاع دائم على التحديثات أو الإضافات التي حدثت للمنتج أو السلعة والخدمات، ويتم ذلك وفق مبادئ الإدارة التفاعلية لمحتوى المنتج (Interactive Product Content Management) والتي تطور طريقة عرض أي منتج صناعي أو خدمة أو سلعة بطريقة تفاعلية بنقل فكرة «كتالوغ» عرض البضائع التقليدي من النسخة الورقية إلى «كتالوغ إلكتروني» تفاعلي ومدعم بالروابط التشعبية، بحيث يسمح بعرض خواص المنتج بطريقة ثلاثية الأبعاد.
فضلاً عن ذلك فإن تجربة الاستغراق الكاملة في العالم الخيالي تمنح المنتجين فرصـًا غير مسبوقة للترويج لمنتجاتهم بطريقة جديدة، فقد استخدمت شركة سيارات «بي إم دبليو» (BMW) فيديو بالواقع الافتراضي لسباقات سيارات يمرُّ أثناء متابعته بحالة استغراقية تامة في أجواء السباقات، كما أنتجت شركة الاتصالات الأمريكية «أيه تي أند تي» (AT & T) شريط فيديو يحاكي بشكل تفاعلي حادث سيارة بكل تفاصيله المؤلمة كرسالة توعوية توضح خطورة استخدام الهواتف المحمولة أثناء قيادة السيارة.
ومن الشركات التي بادرت مبكرًا باستخدام الواقع الافتراضي والمعزز في الإعلانات عن منتجاتها شركة «جنرال إلكتريك الأمريكية»، وذلك من خلال التطبيق الخاص بصحيفة «نيويورك تايمز» (New York Times VR App) − أيضـًا − فعلت ذلك شركة «نايك» (Nike) للمنتجات الرياضية التي قدمت لاعب كرة القدم البرازيلي «نيمار دا سيلفا»، وهو يقوم بعرض بالواقع الافتراضي ويسجل هدفـًا لفريقه الوطني، أما شركة «تويوتا» اليابانية لصناعة السيارات إذ كانت عرضت فيديو بالواقع الافتراضي لتنبيه الشباب إلى خطورة عدم التركيز أثناء القيادة ضمن حملة بعنوان: (Teen Drive 365).
وتستخدم المنظمات الدولية، مثل: «منظمة العفو الدولية (Amnesty International)، واليونيسيف (UNICEF)، والصندوق العالمي للطبيعة (World Fund for Nature)» تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز في دعم القضايا والمشاريع الاجتماعية والسياسية والبيئية، وذلك بغرض جعلها أكثر قربـًا إلى الجمهور وبطرق تفاعلية استغراقية ليس من الممكن إنجازها بوسائل الإعلام التقليدية.
ويتطلب الإعلان الناجح بتقنيات وفنيات ووفق مفاهيم الواقع الافتراضي والمعزز فـَهما دقيقـًا، حيث يكون بحاجة لعمليات تخطيط مسبقة متعددة الجوانب، وذلك بسبب تعقيدات إنتاج المواد الفيلمية وتعدد عمليات ما بعد الإنتاج، فضلاً عن ضرورة النظر بعناية فائقة لفكرة الإعلان التي يجب أن تستوعب كيفية وضع المشاهد في حالة استغراق في العالم الافتراضي والمعزز ودمجه في أجوائه، فإذا كانت هذه الأجواء غير مريحة، فإن المستهلك لن يكون مع الإعلان الرديء والسلعة أو الخدمة التي يقدمها، فتجربة الواقع الافتراضي السيئة ستعود بنتائج أكثر سوءًا حتى لو كان المنتج ذات جودة عالية.
فواحدة من الطرق المهمة لربط الأشخاص بالعلامات التجارية تتم من خلال بناء تجربة لا تنسى بينهم وبين المنتج أو الخدمة المعلن عنها، فإستراتيجيات الإعلان التي تستخدم الواقع المعزز على وجه الخصوص لديها القدرة على إنشاء مثل هذه التجربة من خلال جعل التفاعل الشخصي للمستهلك في أفضل حالاته، فالاتصال المباشر القائم على الحواس بين العلامة التجارية والمستهلكين من خلال الواقع المعزز يجعل التفاعل عاطفيـًّا تمامـًا، فعندما يتمكن المستهلكون من رؤية ولمس وتحسس الأشياء ذات الصلة في النسخة المعززة من عالمهم الخاص، فإنهم يطورون اتصالاً عميقـًا بالعلامة التجارية موضوع الإعلان.