الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، الأمين العام الخامس لمجلس التعاون لدول الخليج العربي في فترة امتدت لتسع سنوات، تولى بعدها مباشرة حقيبة الخارجية البحرينية، كثالث وزير لها، والأول من خارج الأسرة الحاكمة، صاحب الخبرة الطويلة ذات التنوع اللافت، فهو الضابط برتبة الفريق ركن، والمستشار، والوزير والدبلوماسي، وهو الخبير في هندسة الطيران والأستاذ الجامعي في الرياضيات والتحليل والإحصاء، وقد كانت المعادلة دائماً تقود إلى قيمة مضافة في كل مهمة يتولاها خلال مسيرته العملية الممتدة من 1973م وحتى اليوم.
وصل الزياني، المولود في المحرق في منتصف أبريل 1954م، إلى قمة الدراسات العليا في المجال العسكري، معززاً مسيرته تلك بأوسمة وشهادات من جامعات وكليات مرموقة في البحرين والولايات المتحدة، الأمر الذي أكسبه خبرة مرجعية في كثير من شؤون العمليات العسكرية والأمنية، فضلاً عن اكتساب سمة الانضباط والتنظيم التي تطبع حياة الضباط بالإخلاص والإنجاز والنظرة الاستراتيجية وقوة المواقف وإدارة الأزمات واتخاذ القرارات.
هذه الطبيعة العسكرية لم تكن الملمح الوحيد في مسيرة الزياني، الذي امتلك قدرات عالية ومشهودة في مجال الدبلوماسية والعلاقات الخارجية، ساندتها تجربة طويلة في مسارات العمل الحكومي، تعامل خلالها مع ملفات عديدة، ولعل أحد أمثلة هذا التميز المهني توليه وزراتي الداخلية والخارجية، وهو أمر نادر الحدوث في مسيرة المسؤولين الحكوميين في العالم، ولكن هذه الشخصية الخليجية نجحت فيها باقتدار، بالإضافة إلى ما يمتلكه من كفاءة نقل المعرفة وتطوير منظومات الأداء الحكومي بمجالاته المختلفة، حيث استثمر في ذلك خبرته الأكاديمية التي أتاحت له تمكين الكوادر البشرية من امتلاك دفة النجاح في القيادة والعمل.
غادر الزياني القمم الخليجية أميناً عاماً ولكنه عاد إليها وزيراً لخارجية بلاده، مواصلاً ذات الخطاب والنهج الذي عرفته عنه أروقة السياسة وفضاءات الإعلام من قوة التمسك بالثوابت الخليجية وحزم التصدي لكل محاولات المساس بأمن هذا الكيان القوي بتعاون أبنائه، وقد أسهمت الخبرة السياسية والعسكرية للزياني في فهمه الدقيق للمتغيرات الإقليمية والدولية وكيفية التعامل معها بالتنسيق مع القيادات والمسؤولين في دول المجلس، والذين كان يحرص على الإشادة بدورهم في إنجاح أعماله وتطويرها بشكل مستمر لبلوغ الأهداف والتطلعات المرجوة.
تسع سنوات قضاها الدكتور الزياني في ترسيخ دعائم البيت الخليجي خلال مسيرته المهنية التي تقترب من الخمسين عاماً، تعامل فيها مع ملفات شائكة تطلبت استمداد روح التعاون والأخوة والتعبير عنها بصدق، وتابع بشكل دؤوب جهود بلورة المستقبل لدول المجلس، بكل مشروعاته وتشريعاته، في مجالات الأمن والدفاع والنقل والصحة والإعلام والاتصالات والكهرباء والتجارة البينية والسوق المشتركة وغيرها، مدفوعاَ بإخلاصه لهذا الكيان المتماسك الراسخ، كما يصفه دائماً، فضلاً عن وصفه لمجلس التعاون بأنه “حصن منيع لحفظ الأمن والاستقرار، وواحة للنماء والازدهار والرخاء”.