قد قيل إن الإعلام سلاح ذو حدين على مستوى تأثيره، إما إيجابًا أو سلبًا على المتلقين، والأمر ذاته ينطبق على الخطاب الإعلامي ودوره في نشر ثقافة السلام، فالإعلام وسيلة وأداة قوية يمكن أن تُسهم في تعزيز الأمن والسلام ومواجهة الإرهاب، وقد يكون العكس من ذلك عاملاً مساعدًا لنشر التطرف.
فعلى المنحى الإيجابي من المعروف أن الإعلام هو في الأصل صناعة وليس تجارة، وله دور بارز في حياة المجتمع المعاصر، نظرًا لما يتمتع به من قدرة فائقة في إيصال الخبر والمعلومة، فوسائل الإعلام كثيرًا ما يعوّل عليها في إطار العملية السياسية والاجتماعية والثقافية، لا سيما إذا أراد المجتمع تبني فكرة معينة ونشرها بين أوساطه، إذ يتوقف نجاح تلك العملية على طبيعة المجتمع ذاته، حتى أصبحت المؤسسة الإعلامية إحدى مقومات البناء الاجتماعي للمجتمعات الحديثة التي تُسهم ليس فقط في إعلام الأفراد بكل ما يدور في مجتمعهم المحلي من أخبار وأحداث، وإنما بات لها دورها في نقل مجريات العالم إليهم حيثما كانوا.
وفي خضم التطور البارز في الصناعة والتكنولوجيا ووسائل نقل المعلومات كالتلفزيون والأقمار الصناعية والمحطات الفضائية وشبكة الإنترنت، فقد أتاحت هذه الوسائل الفرصة للاتصال والتواصل بين أفراد المجتمع على نطاق واسع، ما أدى بالنتيجة إلى تنوع أدوات ووسائل المؤسسة الإعلامية في الوقت الحاضر، وجعلت منها مساهمًا فاعلاً وبقدر كبير في توجيه أفراد المجتمع نحو المادة الإعلامية، نظرًا لتأثيرها في نفوسهم.
ونظرًا لأهمية دور الإعلام في مواجهة الظواهر السلبية في المجتمع ومشكلاته بمختلف أنواعها، فهذا الدور يتأكد بلا شك في مواجهة ظاهرة العنف على اختلاف أنماطه ومستوياته، وذلك بإلقاء الضوء على النشأة والأسباب والعوامل والآثار والتجارب السابقة محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، فضلاً عن ذلك يمكن للإعلام أن يُسهم في استثارة الرأي العام وكسب تعاطفه مع القضية التي يعاني منها المجتمع، إلى جانب الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في تقديم المعلومات والحقائق والجوانب الخفية لهذه الظاهرة، بما يساعد كلا من واضعي السياسات والبرامج والمسؤولين عن تشريع القوانين الخاصة، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومما لا شك فيه أن الجمهور أصبح أكثر وعيًّا بأهمية الإعلام، لكن يلاحظ وجود صراع ونزاع بين الجمهور المتلقي بالشكل الذي يزيد من عملية الاستقطاب المطروح، ومن ثم تكمن أهمية الإعلام في نبذ الاستقطاب وأن يعمل على نشر السلام الاجتماعي.
وحتى يكون للخطاب الإعلامي دور مؤثر في نشر ثقافة السلام لا بد أن يهدف إلى نشر التسامح والتعايش والمساواة بين جميع أفراد ومكونات المجتمع، ففي هذه الحال يكون الإعلام هو جسر التواصل لصناعة السلام، وعلى الرغم من ذلك قد يكون الإعلام عقبة كبيرة تمنع تحقيق السلام، فكيفية الاستخدام هي التي تحقق الهدف المنشود.
فخطورة الإعلام تكمن في أنه يصنع الوعي المجتمعي للشعوب حتى يتحول إلى ثقافة، فإذا وجِدت ثقافة مجتمعية تدعو للحرب والدمار فسنكون بعيدين عن السلام وسيتحول المجتمع تدريجيًّا إلى أداة ضغط نحو الحرب والدمار، لأنه تم تعبئته بذلك ولا يمكن للمجتمع أن يتغير بسرعة ويتراجع بسهولة، وهذا هو مكمن خطورة استخدام الإعلام.
وحتى نغير ثقافة المجتمع من كراهيةٍ وعنفٍ ودمارٍ إلى ثقافة سلام وتسامح، وليكون للخطاب الإعلامي تأثير إيجابي على نشر ثقافة السلام، لا بد من بعض الخطوات، مثل: التوسع التدريجي للمساحات الإعلامية لنشر وبث مضامين ومحتويات إنتاجية تتعلق بموضوعات السلام، والعمل على إبراز نقاط الالتقاء بين جميع الأطراف وفي مقدمتها حب الوطن والمصلحة العامة، وتخفيض مساحات نشر نقاط الاختلاف بين المتضادين بشكل تدريجي، ونشر وتوضيح أضرار الحرب وإيجابيات السلام.
ومن هنا يتضح لنا بأن نشر ثقافة السلام والتسامح مسألة تستدعي جهود إعلاميين ومقدرات مؤسسات إعلامية ووسائل اتصال تؤمن بالمجتمع وقيمه، وقيادات إعلامية ونخب تنويرية توقن برسالة سامية يعملون من أجل تحقيقها لصالح المجتمع بأسره، وصولاً لترسيخ ثقافة ثابتة لا تتزعزع في الوعي المجتمعي للأمة.
إن دول كثيرة قد تجاوزت أعتى الأزمات المهددة للسلم الأهلي، من خلال التركيز على الخطاب الإعلامي المعتدل الذي تنتجه المؤسسات الإعلامية الوطنية، فمضمون وسائل الاتصال هي الغذاء الروحي والفكري والعقلي للثقافة المدنية المبنية على التعايش السلمي مع الآخر، وأداء هذه المؤسسات في المجتمع يُعدُّ سلوكًا مدنيًّا يدعم المجتمع وثقافته.