درجت الكيانات والمنظمات الإقليمية والدولية باختلاف مسمياتها وتوجهاتها على اختيار أمين عام لها، وتختلف المهام وفقاً للأنظمة الخاصة بكل كيان أو طبيعته، ولكنها تلتقي عند خطوط عامة تتصل بتمثيل المنظمة وتسهيل العمل المشترك بين أعضائها لتحقيق أهدافها، والحديث باسمها عبر وسائل الإعلام وحمل صفتها الاعتبارية في المحافل المختلفة.
وقد كان تطبيق هذه التجربة في مجلس التعاون الخليجي واحداً من أبرز السمات التي اقترنت بمسيرته حيث قدمت شخصيات خليجية بارزة إلى المشهد العربي والعالمي، أثبتت حجم تمكنها في تنسيق إدارة مختلف القضايا في إطار البيت الواحد، وكان للأمناء العامين خلال أربعين عاماً إسهام واضح في إيصال رسالة مجلس التعاون بأن المشتركات جوهر المصالح، وأن الأخوة الحقيقية رقم يفرض قيمته على السياسة بكل حساباتها، وعلى فنون ممكناتها.
ويتمتع الأمين العام في المجلس باستقلالية الدور والحركة كي يشكل قناة للاتصال بين الدول الست الأعضاء ويعكس سياساتها، وتشمل مسؤولياته وضع التنظيم الإداري والهيكلي وإدارة أعمال الأمانة العامة في مختلف قطاعاتها وإعداد الدراسات والتقارير الخاصة بالتعاون والتنسيق والخطط وبرامج العمل المشترك، ومتابعة تنفيذ قرارات وتوصيات المجلس الأعلى والمجلس الوزاري، وإعداد الميزانيات ومشروعات اللوائح الإدارية والمالية؛ والتحضير للاجتماعات وإعداد جدول الأعمال ومشروعات القرارات؛ كما تتضمن أدوار الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدعوة لعقد دورة استثنائية للمجلس الوزاري إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
عبر العقود الأربعة الماضية، كان الأمين العام لمجلس التعاون هو التجسيد العملي لشخصية المواطن الخليجي، والذي يعمل من مقر الأمانة العامة في الرياض، منتمياً إلى ست دول في الوقت نفسه، يدافع عن قضاياها ويهتم بشؤونها ويرعى مصالحها، مسؤولاً مباشراً عن مواصلة منجزات المجلس، وبين أمانة المهمة ومهمة الأمانة، يفعل كل ما من شأنه تحقيق الارتقاء لمواطنيه، الإماراتيين والبحرينيين والسعوديين والعمانيين والقطريين والكويتيين.
منذ التأسيس وحتى اليوم، اختارت دول الخليج ستة من خيرة أبنائها لأداء هذه المهمة، هم: معالي عبدالله بشارة من الكويت، معالي الشيخ فاهم القاسمي من الإمارات، ومعالي الشيخ جميل الحجيلان من السعودية، ومعالي عبدالرحمن العطية من قطر، ومعالي الدكتور عبداللطيف الزياني من البحرين، ومعالي الدكتور نايف الحجرف من الكويت، وقد جاؤوا جميعاً بمسيرة سنوات زاخرة بالعمل الدبلوماسي والحكومي باذلين من وقتهم وخلاصة تجاربهم وخبراتهم وعلاقاتهم كل الجهد المطلوب للبناء التراكمي الذي تم على مستوى التعاون والتنسيق ورسم معالم المستقبل.
وكنتيجة لهذا العمل الذي تم بكفاءة عالية على مدى سنوات، وصلت آفاق التكامل بين الخليجيين إلى مراحل متقدمة، كما أصبح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، صفة لها أهميتها وتأثيرها في جميع دوائر صنع القرار الإقليمية والأممية والدولية، سواء في اللقاءات مع القادة والمسؤولين أو في المؤتمرات والاتفاقيات أو في التعبير عن الموقف الخليجي تجاه الأحداث، إذ أنه الاسم الذي يتصدر المشهد بحضور واثق مع انعقاد القمم، ويبادر بتوضيح وجهات النظر وفقاً لسياسات دول المجلس، معلياً صوت أولويات المصلحة الخليجية والمصير الواحد.
قدمت خمس دول من المجلس ستة أمناء عامين مثلوا صفوة من الوزراء والأكاديميين والسفراء والمندوبين الدائمين فضلاً عن الخبراء والمحامين والاقتصاديين، وجميعهم أسماء معروفة عريقة ينحاز الذهن إلى هويتها الخليجية ولا يكاد أن يحدد من الوهلة الأولى انتمائها إلى دولة بعينها، ليس فقط لأن هذا هو أساس دورهم كأمناء عامين، وإنما كذلك لأن كثير من العائلات تلتقي بالاسم وبالأواصر الاجتماعية العابرة للحدود، وهذه أحد عناصر قوة هذا الكيان.
لقد ظل هذا المنصب شاهداً متجدداً على ما يمتلكه الخليج من كفاءات مؤهلة ورجال دولة مؤثرين، ودليلاً عملياً على مدى التقدم المحرز في مسيرة بناء الإنسان الخليجي بالعلم والمعرفة والتجربة ليكون أميناً فوق العادة لعمق استراتيجي كامل ونطاق جغرافي متكامل، وكان كل أمين عام يعبر عن شخصية المجلس في مرحلة أو أخرى، لم يكن منصباً كغيره من المناصب، لقد كان بمثابة اختيار “الرجل المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب”.