أول عناوين التعافي من قلب الخليج ..
بعد أشهر من توقف الفعاليات على إثر جائحة كورونا المستجد، عاد معرض الشارقة الدولي للكتاب وعاد معه القراء ليتنفسوا بشائر تعافي الحياة عبر عناوين الكتب، وذلك خلال الفترة من 4 – 14 نوفمبر الماضي، بمشاركة (1024) دار نشر من (73) دولة، من بينهم (186) ناشرًا من دولة الإمارات العربية المتحدة، وبأكثر من (80) ألف عنوان كتاب، في دورة استثنائية اختير لها عنوان “العالم يقرأ من الشارقة”، وَتُعدُّ أول فعالية ثقافية جماهيرية يتمَّ تنظيمها واقعيًّا منذ إجراءات الإغلاق المرتبطة بالوباء.
الحدث الثقافي الخليجي الكبير، الذي انطلق للمرة الأولى في عام 1982م، ويصنف ضمن أكبر معارض الكتاب في العالم، عاد مجددًا ليصافح محبي الثقافة والفكر والإبداع مع اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لضمان سلامة الزوار والمرتادين والناشرين، فيما تمَّ تحويل الأنشطة الثقافية المصاحبة إلى حيـّز الفضاء الإلكتروني، غير أن هذه المتغيرات الطارئة التي تتم للمرة الأولى لم تغير شيئـًا في حقيقة أن انعقاد المعرض جاء تعبيرًا رمزيًّا قويًّا عن الثقة والأمل في مواجهة التحديات، وعن الثقافة القادرة دومًا على ابتكار طرق للتواصل والتأثير واللقاء.
وفي حين تمَّ تأجيل عدد من الفعاليات الحضورية وأنشطة التكريم إلى العام المقبل، فقد تمَّ خلال هذه الدورة تطبيق مجموعة من الحلول التقنية المتقدمة، وذلك لضمان التعقيم والالتزام بالمسافات الآمنة، كما تمَّ إطلاق منصة (الشارقة تقرأ) لحضور الندوات والحوارات عن بُعد، والتي بلغ عددها (64) فعالية حوارية وندوة ثقافية بمشاركة (60) كاتبًا ومفكرًا عربيـًّا وعالميـًّا.
مؤتمر للناشرين
وخلال الأيام الأربعة التي سبقت انعقاد المعرض، شارك (317) ناشرًا، و(33) متحدثـًا في فعاليات “مؤتمر الناشرين”، حيث ناقشوا تطورات صناعة النشر وتحدياتها، كما مثل المؤتمر فرصة للإعداد والتجهيز لبرنامج المعرض بندواته وحواراته وقضاياه.
نظم المعرض كذلك عددًا من ورش العمل الافتراضية المتخصصة في مهارات وفنون تقديم محتوى إعلامى وإبداعى ضمن فعاليات (محطة التواصل الاجتماعي)، كما شهد تنظيم “الدورة السابعة من مؤتمر المكتبات” خلال الفترة من 10 حتى 12 نوفمبر، لمناقشة محور رئيس يعنى بـ”مواجهة المكتبات وأمنائها لتحديات الوضع الجديد” بمشاركة (12) متحدثـًا و(300) متخصص ومكتبيّ من مختلف أنحاء العالم.
جلسات حوارية
بالإضافة إلى ما سبق، نظم المعرض ثماني جلسات حوارية بعدة لغات أجنبية تجمع حولها نخبة من الكتّاب والمثقفين الإماراتيين مع كتّاب وأدباء أوروبيين من إسبانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا وغيرها.
كما اهتم المعرض بثقافة الأجيال الجديدة بتعاونه مع وزارة التربية والتعليم الإماراتية لعقد جلسات خاصة للطلاب أتاحت الفرصة أمامهم للالتقاء بالكتّاب والمفكرين والمبدعين بشكل مباشر عبر برامج التواصل المرئي.
وخلال الجلسات الحوارية الافتراضية، التي نظمها المعرض للمرة الأولى في تاريخه، طرح المتحدثون جملة من الرؤى والأفكار الملهمة في مجالات الفكر والأدب، والتي شكّلت في مجملها حالة حوارية ملهمة امتدت عبر الفضاء الافتراضي، وكان معرض الشارقة منصتها الأولى، ومدير نقاشها.
مستقبل الكتابة
في ندوة “الكتابة كمهنة جديدة”، تطرقت مؤلفة الروايات البوليسية البريطانية كارين ميلي جيمس، والمخرجة والكاتبة المسرحية اللبنانية لينا خوري، إلى أثر المسرح والرواية البوليسية في ملامسة هموم الأفراد والمجتمعات، لا سيما في ظل الأزمات التي تشهدها العديد من الدول، ومن ذلك جائحة كورونا وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية، ودعت الندوة القراء لزيادة معارفهم حول خبايا الأزمات وأسرارها، وكشف الأحداث التي تدور في مجتمعاتهم من خلال قالب روائي أو عمل مسرحي، يقود إلى التفكير في الأحداث التي تحيط بالناس.
سلطت هذه الندوة الضوء على إيجابيات لمسها الكثيرون خلال الجائحة، ومن ذلك استئناف مشاريع الكتابة والتأليف، وإعادة تقييم الأوضاع الراهنة، والتأمل في السلوكات والأولويات في الحياة، وتقدير الفرص والنعم، وجميعها أفكار تصبُّ في زيادة الوعي بالعالم وتحسين العلاقة به، كما ألقت الندوة الضوء على أهمية الكتابة المسرحية، والتي يفترض أن تقوم على مجموعة من التساؤلات التي يطرحها الكاتب المسرحي على نفسه، ومنها: لماذا أقوم بهذا العمل؟ وما أهميته وارتباطه بواقع المجتمع؟ وما تأثيره المتوقع في إدراك المجتمع؟ وما رسالتي التي أودُّ إيصالها؟
وفي ندوة أخرى، أكد الروائي الكويتي أحمد الرفاعي أنّه لا يشعر بالهواجس التي يعتقد الناس أن الكاتب يمر بها قبيل الشروع في العمل الروائي، مؤكدًا في المقابل أنه يندمج ويعيش أحداث كتاباته، ويتقمص مختلف شخوص الرواية على جميع تناقضاتها، كما نصح الكتـّاب الصاعدين بإثراء رصيدهم اللغوي، وزيادة معارفهم بالمفردات، وطرق توظيفها، والإلمام بالمعايير الصحيحة للكتابة الروائية، ومحاولة الحصول على مؤهل أكاديمي في هذا المجال، والتوجه إلى الدورات المتخصصة في الحالات التي يتعذر فيها الالتحاق بالمؤسسات الأكاديمية، ومواصلة مطالعة وقراءة الروايات، والأدب، والعلوم، والشعر، للتعرف على مختلف الأساليب الكتابية.
بدوره، أكد الكاتب روبرت كيوساكي، مؤلف أكثر الكتب مبيعًا “الأب الغني والأب الفقير” أن كتابه يحاول أن يغطي غياب منهج التثقيف المالي الذي ينبغي أن يكون إلزاميًّا ضمن المدارس، وتحدث المؤلف الياباني الذي هاجر إلى أمريكا عن العناصر الأربعة التي تشكل عالم الأعمال وهي: الموظف، والشركة الصغيرة، والشركة الكبيرة، والمستثمر، وقال: “هناك أربعة أنواع من الناس، وإذا أراد الإنسان أن يكون ناجحـًا في عالمنا اليوم، فعليه محاولة الانتماء إلى أكثر من فئة في الوقت ذاته، فمن الجيد للموظف أن يصبح مستثمرًا أيضًا”.
من جانبها، أكدت الروائية والشاعرة اللبنانية الكندية نجوى ذبيان، أن الأدب قادر على تمكين المرأة وإسماع صوتها للعالم، وقالت: “إن قصة كل إنسان فريدة ومختلفة عن قصص غيره من البشر، سواءً كانت القيود والتحديات مجتمعية أو ثقافية، ولهذا يتوجب علينا أن نمعن النظر في داخلنا، ونسمع الصوت الذي ينادينا، وأن نعرف هويتنا ونكون على طبيعتنا”، وأضافت في جانب آخر “الاعتراف بوجود الألم يشير إلى حاجتنا للقيام بأي شيء للتخلص منه، وفي معظم الأحيان، أصعب قرار يتخذه المرء هو القرار الواعي لتغيير ظروفه”.
ومن الجدير بالذكر، أن المعرض حظي بتغطية إعلامية من هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، بمختلف قنواتها وإذاعاتها ومنصات التواصل الاجتماعى الخاصة بها، والتي وضعت برنامجـًا كاملاً لتغطية فعاليات المعرض يتناسب مع برامج المعرض وفعالياته الاستثنائية، تضمنت نقلاً مباشرًا للفعاليات، وحوارات مع ضيوف المعرض، بالإضافة إلى برامج خاصة، كما قدم مركز التدريب الإعلامى سلسلة من الورش التي أقيمت عن بُعد، تعنى بتسليط الضوء على أفضل ممارسات النشر المكتبى وفنون ومهارات التصميم الجرافيكي، وكتابة السيناريو وغيرها.