في حدث هو الأول من نوعه، وبمبادرة من هيئة الصحفيين السعوديين، استضافت العاصمة السعودية الرياض يومي 2 ‒ 3 ديسمبر 2019م، منتدى الإعلام السعودي، والذي أقيم تحت عنوان: “صناعة الإعلام .. الفرص والتحديات”، وذلك بحضور أكثر من (1000) إعلامي من (32) دولة شاركوا في (50) جلسة وورشة عمل، ناقشوا خل\لها أبرز القضايا الإعلامية الراهنة ومستقبل صناعة الإعلام في المملكة والمنطقة، وقد سجل المنتدى حضور أكثر من (8) آلاف من المشاركين والمهتمين والعاملين في حقل الإعلام.
تحديات المنافسة .. تعدد المنصات
كان المنتدى منصة مهمة لتطوُّر وتفاعل الإعلام السعودي مع مرحلة التغيرات التي تشهدها المهنة، في الوقت الذي تبرز فيه ضرورة التحول نحو نماذج إعلامية حديثة قادرة على استيعاب الأحداث وتقديمها بأكثر الطرق سرعة ومصداقية وابتكارًا، وبما يتفق مع طبيعة الجمهور المستهدف، ويستجيب لتحديات المنافسة المتصاعدة في ظل تعدد المنصات التي يتم فيها نقل المحتوى وتداوله.
هل كل الأزمات .. أزمات فعلا؟
تناول المشاركون قضايا صناعة الإعلام بمختلف أشكاله، المرئي والمسموع والمطبوع والرقمي، إضافة إلى استعراض التجارب المحلية والدولية وتحديات الرسالة الإعلامية، في ظل التطور التقني المتنامي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والحضور الرقمي الطاغي على المشهد، وكان الحسُّ النقدي والتحليلي حاضرًا إزاء كل ما تمَّ تداوله لسنوات على أنها أزمات أو تحديات في المشهد الإعلامي.
مرحلة ما بعد “الخطب الإعلامية”
جاءت الجلسة الأولى بعنوان: “المحتوى الإعلامي وسلوكيات الجماهير”، لتناقش تأثير المحتوى في تشكيل الرأي العام، وأكد خلالها الدكتور ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، أن وسائل التأثير في الجمهور قد اختلفت عمـّا كانت عليه في الماضي، حيث لم يعدّْ أسلوب “الخطب الإعلامية” ملائمًا للمرحلة الحالية، ورأى أن العملية الإعلامية العربية مازالت دون المستوى المأمول منها، لأسباب تتعلق بسياسات الإعلام في الدول العربية وعدم مواكبتها لنظيراتها في العالم.
التغيير لا يعني الإلغاء .. الراديو مثالاً
حديث اتفق مع رشوان الدكتور سعود كاتب، وكيل وزارة الخارجية السعودية للدبلوماسية العامة، الذي أكد على ضرورة إدراك متطلبات التغير الذي طرأ في صناعة الإعلام في العصر الحديث، وكيفية انعكاس ذلك على المحتوى والرسالة الإعلامية، فيما دعا عبد الرحمن شلقم، وزير خارجية ليبيا الأسبق، إلى تقبل هذا التغيير، مستدعيـًا إلى الأذهان التحولات التي حدثت منذ أن كان “الراديو” وسيلة الإعلام الأولى، غير أن الموقف الأكثر قطعية كان للكاتب السعودي الدكتور علي الموسى، الذي فضل أن يعلن في المنتدى – وبطريقة درامية ‒ موت الصحافة الورقية تمامـًا، كنتيجة لولادة شبكات التواصل الاجتماعي.
التوعية الرقمية ضد الإساءة
وإن كانت وسائل التواصل أمرًا واقعـًا، لكن هذا لا يعني أنها أفضل ما يمكن حدوثه، هذا ما ناقشته جلسة “الإعلام الحديث واضطراب الحقيقة”؛ والتي أكد خلالها منصور المنصوري، المدير العام للمجلس الوطني للإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة، ضرورة التوعية الرقمية لمواجهة جزء كبير من المعلومات الكاذبة التي تنشر عبر هذه الوسائل، كما طالب نبيل الحمر، مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام وزير الإعلام البحريني السابق، بعدم اعتبار مواقع التواصل كمصادر أخبار، والحذر من تحولها إلى أداة للإساءة.
استعادة التأثير من (المشاهير)
واصل المنتدى نقاشاته التي اتسمت بمشاركة خليجية فاعلة، وتنوعت بين التحول الرقمي في المؤسسات الإعلامية وضرورة التصدي للأخبار المضللة وصناعة الإعلام، وأهمية الإعلام في بناء التواصل، ودور المرأة في الإعلام، إضافة إلى استعراض تجارب شخصيات إعلامية مع المهنة، ولم تغفل جلسة “صناعة الإعلامي” تأهيل الإعلاميين للمحافظة على دورهم، في الوقت الذي يخطف فيه مشاهير التواصل الاجتماعي بوصلة الانتباه والتأثير، وتضع أدوات العصر الرقمي مهنة الإعلامي على المحك.
المؤسسات الإعلامية .. لا وقت للتثاؤب
ولأن المستقبل الرقمي هو النقاش المتجدد في أروقة الإعلاميين، فقد علق جميل الذيابي، رئيس تحرير صحيفة عكاظ، جرس فكرة محورية في هذا النقاش، حين طالب بالتوقف عن افتراض موت الصحافة بسبب تراجع الصحافة الورقية، مشددًا على أن الوسائل تتغير، لكن المهنة ستظل ثابتة، مشيرًا إلى أن هذا يتطلب من المؤسسات الإعلامية تقديم عمل مهني بعقلية متطورة وسريعة لا تقبل التثاؤب.
شغف المعلومة .. ضمانة البقاء
وشدد الذيابي على أن المؤسسات الصحافية لن تفنى ما دام هناك شغف دائم للحصول على المعلومة، بشرط مواكبة التطورات والمستجدات في صناعة الصحافة بحكم طبيعة المهنة، وهو ما اتفق معه محمد التونسي المدير العام لقنوات “إم بي سي” في السعودية، والذي أكد كذلك على أهمية الاحتكام إلى المعايير المهنية للإعلام في وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبـًا مستخدمي هذه الوسائل من الذين اتخذوا صفة إعلامي من دون أن يمارسوا العمل الإعلامي أن يحترموا المهنة ويحذفوها.
الإعلام الجديد .. محتويًا لا مؤججًا
سلط المنتدى الضوء كذلك على الإعلام الجديد حين يتحول إلى إعلام بديل في غياب الإعلام الرسمي، حيث أكد معمر الإرياني، وزير الإعلام اليمني، في جلسة “الإعلام وتأجيج الأزمات السياسية في العالم العربي”، أن السعودية أعادت لملمة شتات الإعلام اليمني وأتاحت منابر لها، مضيفًا: أن الإعلام الجديد كان له دور رئيس في احتواء كثير من الأزمات السياسية بين عامي (2011 و2014م)، مع حالة انتقال سياسي نظمتها المبادرة الخليجية، بعد مرحلة صراع سياسي.
ردع الإشاعات وأخلاقيات الإعلام الحربي
وفي شأن متصل، ناقشت جلسة “الإعلام وتغطية الحروب والأزمات” أخلاقيات الإعلام أثناء الحروب، والأدوار الإنسانية لوسائل الإعلام والاتصال، وذلك بحضور الإعلاميين: محمد العرب وهاني الصفيان وحسن الطالعي والدكتور فهد الشليمي، الذين تحدثوا عن تجاربهم في مجال الإعلام الحربي، وركّزت الجلسة على أهمية ردع الإشاعات التي تأتي من الجهات المعادية حول ما يحدث في أرض المعركة.
أسئلة وتجارب على منصة المنتدى
خلال اليومين الممتلئين بالأجندة الإعلامية، كان المشاركون أمام أفكار متنوعة لنقاش مسائل مثل: “هل تقصي المشاهدة المدفوعة نظيرتها التقليدية؟” محاولين فهم التحديات التي يواجهها التلفزيون في ظل تنامي بدائل المشاهدة عبر الوسائل الرقمية، كما طرحوا فوارق الفهم الإعلامي بين منطقتي المشرق والمغرب العربيين، وحضروا جلسة “المبتعثون السعوديون: سفراء بلا حدود” التي عرضت مدى الصدى الذي يتركه المبتعثون السعوديون في الخارج، باعتبارهم كفاءات اتصالية وقوة ناعمة مهمة لخدمة بلدهم ورسالته.
الاتصال المؤسسي .. توأم الإعلام
ولم يغفل المنتدى مجال (الاتصال المؤسسي) الذي يعدُّ بمثابة التوأم للمجال الإعلامي، فخصص جلسة بعنوان: “العلاقات العامة بين الدعاية وصناعة الصورة” قال فيها وائل السرحان، نائب رئيس الاتصال المؤسسي في الشركة السعودية للصناعات العسكرية: “إن الاتصال المؤسسي في آخر التسعينيات غير الصورة الذهنية للمنتج عبر استلام الآراء وتحليلها، وبدأ القطاع الخاص في الاستثمار، والمتلقي ليس سهلاً، فإن لم تعطه المعلومة سيحصل عليها بنفسه، وإن منح فرصة الممارسة لأكبر عدد من أصحاب الشغف سينتج أعمالاً ضخمة”.
منافسة الإعلام الغربي .. لم لا؟
في هذه الندوة أكد الدكتور عبد الله المغلوث، مدير مركز التواصل الحكومي في السعودية، أن المركز ربط قرابة (٩٤) جهة حكومية في مكان واحد، مما أنتج أكثر من (١٠٠) اجتماع و(٥) آلاف بيان صحفي، إلى جانب العديد من الأعمال والبرامج، من أبرزها “جائزة التميز الإعلامي” المخصصة لتكريم المبدعين والمبدعات، مضيفًا: “الإعلام لدينا يعيش أفضل أوقاته، وينافس الإعلام الغربي، بل ويحمل تحولاً إستراتيجيـًّا كبيرًا”.
الإعلام وصياغة التحولات المجتمعية
في جوانب أخرى، ناقش منتدى الإعلام السعودي “صناعة الاتصال نحو التحوُّل والتطوير”، كما تناولت جلسة “الاتصال الرقمي والتحولات الاجتماعية والثقافية” مكامن قوة الإعلام الرقمي، وأهمية الاتصال والتسويق الاجتماعي الثقافي الرقمي في تحقيق وصياغة التحولات المجتمعية، بالإضافة إلى جلسات أخرى تناولت عدة محاور منها: “تكييف العناوين العالمية للقارئ المحلي”، “ماذا يحتاج الإعلاميون السعوديون الشباب ليحققوا نجاحـًا مهنيـًّا”، و”مؤثرو التواصل الاجتماعي يصنعون عالمًا افتراضيـًّا”.
(12) إعلاميـًّا يحققون جائزة الإعلام السعودي في (6) فئات
حقق (12) إعلاميـًّا سعوديـًّا جائزة الإعلام السعودي في ست فئات، شملت: الصحافة، والإنتاج المرئي، والإنتاج المسموع، والحوار الجماهيري، وأفضل تطبيق إعلامي، وشخصية العام الإعلامية، خلال حفل على هامش المنتدى.
ونال جميل الحجيلان، وزير الإعلام السعودي الأسبق، لقب شخصية العام الإعلامية، بينما فاز بفرع الصحافة عن فئة “كاتب العمود الصحافي” الإعلامي عبد الرحمن الراشد، والصحافي جمال جوهر من صحيفة “الشرق الأوسط” عن فئة “الصحافة الاستقصائية”.
كما حصل عضوان الأحمري، رئيس تحرير “إندبندنت عربية”، على جائزة “الصحافة السياسية”، ونال محمد الريس من صحيفة “عرب نيوز” جائزة “صحافة الرسم الكاريكاتيري”، وحاز عدنان مهدلي من “الاقتصادية” جائزة “صحافة الصورة”، وذهبت جائزة “الصحافة الاجتماعية” لسلطان الأحمري من وكالة الأنباء السعودية، بينما فاز فيصل الخماش من صحيفة “عكاظ” عن فئة “الصحافة الثقافية”، وتلقت دانة توفيق بوبشيت جائزة الصحافة الاقتصادية لعملها في صحيفة “اليوم”، في حين حقق فهد الدوس من جريدة “الرياض” جائزة “الصحافة الرياضية”.
وفي فرع الإنتاج المرئي فاز علي العلياني، من قناة (إم بي سي)، بجائزة التقرير المصور، ونال عبد الله المديفر، من قناة (روتانا خليجية)، جائزة الحوار المصور، في حين تحصل خالد العبد العزيز من (روتانا إف إم) على جائزة الإنتاج المسموع لفرع الحوار المسموع، وفاز بجائزة الإعلام السعودي الريادي عبد الرحمن جامي.
وسلم وزير الإعلام السعودي، تركي الشبانة، الجائزة التقديرية لعدد من الأسماء الإعلامية من رواد المهنة، كما تمَّ تكريم أبرز الإعلاميين الراحلين لعام 2019م، وهم: فاروق لقمان، والدكتور عبد الرحمن الشبيلي، وعبد الفتاح أبو مدين، ومحمد الرشيد.
أفكار ومقترحات من المنتدى
-إيجاد التكامل بين المؤسسات الإعلامية والمتلقي، سواء كان قارئـًا أو مشتركـًا أو مستمعـًا، واستيعاب مختلف الفئات العمرية
-تطوير المحتوى الإعلامي بشكل يحاكي الذهنية الجديدة من خلال مواءمة المحتوى للمنصات كافة بأشكال متخصصة.
-تدريب وتأهيل الكوادر البشرية، وهي من الأمور المهمة التي تعول عليها المؤسسات الإعلامية في السباق والمنافسة.
-تكثيف وجود المؤسسات الإعلامية في المنصات الرقمية المتجددة والتكيف مع المتغيرات وتوجيه بوصلة الإيرادات نحوها.