منتدى أسبار الدولي 2019م رؤى اقتصادية وتنموية تواجه عصر التحولات بقوة المعرفة

الرياض – هيثم السيد

احتضنت العاصمة السعودية الرياض فعاليات الدورة الرابعة من منتدى أسبار الدولي 2019م، خلال الفترة من 4 ‒ 6 نوفمبر، برعاية الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، وبحضور وزير الإعلام السعودي، تركي الشبانة، وبمشاركة أكثر من (100) متحدث وخبير محلي ودولي من أكثر من (15) دولة حول العالم، وتضمن المنتدى، الذي أقيم تحت عنوان: “السعودية الملهمة”، (14) جلسة نقاش علمية، و(8) محاضرات، و(6) ورش عمل، سجلت حضور أكثر من (4500) زائر، في وجود عدد من القيادات المحلية والإقليمية والدولية.
وأشاد أمير منطقة الرياض بمسيرة “منتدى أسبار” وبمحتواه العلمي المتميز وأسلوب استشرافه للمستقبل، مضيفـًا: “نحن نعيش في عصر العلم والتقنية بأسلوبه الصحيح، وننظر إلى المستقبل ونسير في الاتجاه السليم برعاية سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله”.

 وأكد الأمير فيصل بن بندر على أهمية الإعلام وتطوره واستمراره، مشيرًا إلى أن الإعلام لا يتوقف ومسيرته مستمرة، وأن الإبداع فيه مرتبط بالنجاح في إحداث التأثير في الجمهور، وأضاف “إعلامنا سيستمر على قاعدة ثابتة وسليمة، وقد عاصرت المنتدى من دورته الأولى وتوقعت أن يستمر قويًا وينتج ويعطي بشكل جيد”.

الشبانة: الإعلام صناعة متجددة
وزير الإعلام السعودي تركي الشبانة وصف المنتدى بالحدث العلمي والتنموي المهم، والذي يأتي متوائمـًا مع ما تشهده المملكة من تحولات كبرى، متمثلة في معطيات رؤية 2030م، مؤكدًا على دور الإعلام المحوري والكبير في نمو اقتصاد المعرفة والدفع بعجلته، وذلك لما لوسائل الإعلام من أهمية في صناعة محتوى معرفي يواكب تطورات العصر والاهتمامات الجديدة للمجتمعات، مشيرًا إلى أن الإعلام بحد ذاته صناعة رائدة ومتفردة ومتجددة وسريعة النمو، ما نتج عنه ضخامة الاستثمارات في مجال الإعلام، وبحث المؤسسات الإعلامية الكبرى عن حلول وتقنيات جديدة.

الحارثي: شراكات لاستمرار النجاح
رئيس مجلس إدارة “منتدى أسبار الدولي”، الدكتور فهد العرابي الحارثي، أكد على سعي المنتدى لإضافة مزيد من النجاحات إلى مسيرته، من خلال توسيع نطاق الشراكات التي وصلت إلى (15) شريكًا إستراتيجيـًّا وعلميـًّا من الداخل والخارج، كان آخرهم جامعة فورتسبورغ الألمانية العريقة، مضيفًا: “إننا نعتد بشراكتنا المستمرة مع جميع المؤسسات والمنظمات العلمية الكبرى في بلادنا وفي العالم، التي ضمنا معها طريق واحدة وأهداف موحدة”، وأعلن الحارثي عن صدور أول معجم باللغة العربية للمصطلحات الأساسية للدراسات المستقبلية، وهو أول إنتاج لـ”معهد المستقبل” الذي أعلن المنتدى عن إنشائه في الدورة الماضية.

“هاكاثون إعلامي” لأول مرة
شهد منتدى أسبار الدولي 2019م، مشاركة مدير المبادرات الإثرائية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، الدكتور خالد الشهراني، والذي أعلن عن إطلاق جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وبالشراكة مع منتدى أسبارِ الدولي مبادرة “هاكاثون الإعلام”، الذي سوف يقام خلال الفترة من 7 ‒ 8 فبراير 2020م، في رحاب جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ويهدف هذا الهاكاثون الأول من نوعه إلى استقطاب المواهب الشابة من العقول الرائدة في مجال البرمجةِ؛ لإيجاد أحدث الحلول التقنية التي سوف تعمل على إثراء وتحسين قطاع الإعلام الرقمي، وكذلك تحفيز نطاق الابتكار في هذا المجال من أجل الوصول إلى الريادة الإقليمية والدولية في المجالات التقنية لدعم الطاقات الشابة وتوفير الفرص المتنوعة لهذه الطاقات.

تأتي هذه المبادرة في وقت تستعد فيه المملكة لترؤس قمة مجموعة العشرين المقبلة والتي كان من بين موضوعاتها الرئيسة للقمة السابقة (الابتكار والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي)، ويتوقع أن ينتج عنها تطوير حلول تقنية مبتكرة للوقوف أمام التحديات التي يواجهها هذا القطاع عبر الابتكارات المدعومة التي سيتم الاعتناء بإنتاجها ووضعها على المسار الصحيح ونشرها في الأسواق حتى يكون لأفكارها أكبر تأثير ممكن.

نقاشات منتدى أسبار الدولي 2019م
واصل المنتدى في هذه الدورة طرح محاور اقتصادية وتنموية تمسُّ اهتمامات الواقع الراهن، حيث تناولت الجلسة الأولى، التي حملت عنوان: “الصناعة في المستقبل”, وضمت خمسة محاور هي: “الثورة الصناعية الرابعة”، و”دعم استخدام المنتجات المحلية في وزارة الدفاع”، و”تصنيع السيارات ودورها في تنمية الصناعات المعرفية والتحويلية”، و”التجارة الإلكترونية” و”مستقبل اللوجستيات: كيف نتلقى طرود التجارة الإلكترونية في عام 2025م”.
فيما ناقشت الجلسة الثانية “الخدمات في المستقبل” عددًا من أوراق العمل من أبرزها: مستقبل الخدمات الحكومية، والتغير والتحول نحو المستقبل في منظومة العمل الإحصائي، وتحديات الخدمات في المستقبل.
فيما تطرقت الجلسة الثالثة “الإعلام في المستقبل” إلى عدد من الموضوعات المهمة، منها صحة الأخبار وكيفية تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، والتعليم الإعلامي في المستقبل، ومستقبل المؤسسات الإعلامية في ظل الثورة الرقمية، إضافة إلى المهن والوظائف الإعلامية في المستقبل، ومستقبل صحافة البيانات في الإعلام العربي، كما طرحت الجلسات السؤال الذي يدور منذ سنوات في أذهان القراء “هل ستختفي الصحافة؟”.
أما جلسة “البحث العلمي والتطوير والابتكار في المستقبل”, فقد استعرضت تجربة كلية الملك فهد الأمنية في نشر ثقافة الإبداع والابتكار الأمني، والنشر العلمي الأمني، وتعزيز الابتكار على المستوى الوطني، وعصر الانفرادية، وسياسات ابتكار الجيل الثالث ودراسات المستقبل والابتكار والعلاقة بينهما.
كما عقدت جلسة بعنوان: “الأمن في المستقبل” وتناولت عدة موضوعات من أبرزها: الأمن الدوائي، والأمن الاقتصادي، وتحديات الأمن السيبراني، والرؤية المستقبلية للأمن الاجتماعي.
واختتمت جلسات اليوم الأول بمناقشة كتاب “نظرية ماكويل للاتصال الجماهيري”, وكتاب “معجم المصطلحات الأساسية للدراسات المستقبلية”.وتضمنت فعاليات المنتدى ورش عمل منها: “أكثر سيناريو خيالي مشوق لمستقبل الرعاية الصحية”، “التعليم الجامعي حتى عام 2050م”، “الأمن السيبراني والجرائم المعلوماتية”، و”المواءمة الإستراتيجية والتحول الكلي للقيادات”.

ندوة: “الإعلام في المستقبل” تضع الإعلاميين أمام مسؤولية التحول
في الوقت الذي تواجه فيه وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة متغيرات جذرية على مستوى الإرسال والتلقي والجمهور، ومع ظهور أنماط اتصالية وإعلامية جديدة تستجيب لها شرائح واسعة من المتابعين، أصبح سؤال المستقبل أكثر أهمية للمؤسسات الإعلامية التي تحاول على نحو متسارع في إعادة التموضع ضمن المعادلات الجديدة، في هذا السياق، ناقش إعلاميون مستقبل الواقع الإعلامي بصراحة عالية، فتناقلوا الجدل بين المحتوى والوسيلة، وتباينات آراؤهم، ومخاوفهم أيضـًا.

جابر: نحن نخسر السباق التكنولوجي!
علي جابر، مدير مجموعة “إم بي سي” لم يخف خشيته من أن يحدث التطور التقني في الإعلام على حساب المهنية والمصداقية، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي دورًا في صقل الأخبار الكاذبة بحيث يصعب التحقق منها، الأمر الذي سيجعل الصحفي الذي يبحث عن نشر الحقيقة يخسر ما وصفه جابر بـ(السباق التكنولوجي).
وفي جانب آخر، أكد جابر أن ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي هو مجرد مواد وليس أخبارًا، وقسّم الأخبار إلى ثلاثة أنماط، وهي الأخبار المهمة ذات الانتشار الواسع والتي يتم الحصول عليها مجانـًا، والأخبار التي يصفها البعض بالتافهة والتي يرى أنها تشكل (65%) من الأخبار المستهلكة، بالإضافة إلى الأخبار ذات القيمة المضافة والتي تتطلب جهدًا في البحث والتأليف والنشر، كتلك التي يتم نشرها في كبرى الوسائل الإعلامية العالمية، مشددًا أن هذه الاخيرة تعدُّ جزءًا من مستقبل الصحافة القادم.

 الحارثي: التغير التقني مجرد شماعة
محمد فهد الحارثي، رئيس تحرير مجلة (الرجل) ومجلة (سيدتي) قال: إن الأخبار المكذوبة تمثل قضية كبرى، لكنها خدمت الصحف الجيدة؛ لأن المتلقي بدأ يبحث عن المصادر الموثوقة إلى درجة أن بعض الصحف العالمية الشهيرة زادت اشتراكاتها، وهذا سيخدم المؤسسات الإعلامية القوية، خاتمـًا هذه الجزئية بتعليق “كما هو الحال في أي سوق، السلعة الجيدة سوف تطرد الرديئة”.

الأحمري: المهرجون ليسوا إعلاميين
من جانبه، قال عضوان الأحمري، رئيس تحرير الإندبندنت العربية: إن الصحافة لن تنتهي مادام هناك بشر يعيشون على الأرض، مستشهدًا على ذلك بخلود قصائد المعلقات حتى يومنا هذا في الوقت الذي اختفت فيه ما وصفها بالقصائد الطارئة، وأضاف أن أرشيف الصحف الرصينة سيظل يمثل رصيدًا مرجعيـًّا للباحثين والأكاديميين، كما شدد الأحمري على ضرورة الإيمان بأهمية مصادر المعرفة الحقيقية، منتقدًا ما وصفه بتضخيم دور (تويتر) والانجراف وراء الهاشتاق، مضيفًا: “يجب على كل إعلامي أن يقاتل لحماية رصانة المحتوى وألا يستسلم للشعبوية والرغبوية التي لا تدوم لأكثر من (48) ساعة”.
الأحمري انتقد إطلاق بعض الفعاليات مسمى “إعلامي” على مـَن وصفهم بـ”مهرجي مواقع التواصل الاجتماعي” ممّن لا يمارسون العمل الإعلامي أو الصحفي.

العلياني: قد يتم استبدالنا بروبوتات!
المذيع علي العلياني بدوره قال: إن المشاهد حل محل مدير البرامج، وبات هو مـَن يحدد متى يشاهد البرامج التي يريدها، معلقـًا بأن زمن التسمر أمام الشاشة لانتظار برنامج معين قد انتهى، وأن المرحلة الحالية تشهد شراكة بين المتلقي وصانع المحتوى، واستشهد العلياني بدراسة من شركة إريكسون التقنية تقول: إن (50%) من المشاهدة ستصبح على الأجهزة المتنقلة بدلاً من شاشة التلفاز بحلول 2020م.

المديفر: لهذا السبب لن يختفي الحوار
أما المذيع عبد الله المديفر، فقد أكد أن الحوار التلفزيوني لن ينتهي في المستقبل، مرجعـًا ذلك إلى أن الإنسان يملك رغبة فطرية في مشاهدة الشخصيات التي يشار إليها بالبنان، ليس فقط وهي تتحدث، بل وهي تجيب عن الأسئلة أيضـًا، وأضاف أن الحوار لن يستمر بهذه الطريقة فالمتلقي هو الذي سيتحكم فيه مستقبلاً، محددًا ثلاثة أنماط من الأسئلة يبحث عنها المشاهد، وهي: “سؤال يدور في باله”،”سؤال يهمه”،”سؤال يدهشه”.

باشطح: صحافة البيانات هي المستقبل
الكاتبة الصحفية الدكتورة ناهد باشطح راهنت من جانبها على أن المستقبل سيكون لصحافة البيانات، وهو ما يستدعي مزيدًا من التدريب والاستعداد لها، مشيرة إلى أن صحفي البيانات لديه مهارات تختلف عن الصحفي العادي، وهو يلتزم أكثر بالجانب البحثي، وقالت باشطح إنه لا توجد حاليـًّا تجربة واضحة في صحافة البيانات على المستوى الخليجي، مرجعة ذلك إلى غياب صحافة الاستقصاء.
في جانب آخر، أكدت الدكتورة ناهد على أنه لا خوف على الصحفي حتى لو أتى الروبوت والذكاء الاصطناعي، حيث إن الصحفي هو مـَن يقوم بالعملية الابتكارية، وإن كانت ترى أن هذا لا يعفي الصحفيين من اكتساب مزيد من الاحترافية عبر التعلـّم والتدريب وعدم الاكتفاء بالموهبة فقط.