معالي الشيخ جميل بن إبراهيم الحجيلان، أول وزير إعلام في المملكة العربية السعودية، وصاحب المسيرة الرائدة في العمل الحكومي والدبلوماسي، أول أمين عام سعودي لمجلس التعاون، والثالث في مسيرة المجلس، خلال الفترة من 1996-2002، حيث قاد الحجيلان جهود المجلس لدخول الألفية الجديدة وهو أكثر قوة وتعاوناً، ولم تكن تلك أول إسهاماته في مد أواصر العلاقات الخليجية، حيث عين قبلها بأكثر من ثلاثة عقود كأول سفير سعودي في دولة الكويت.
ولأن العلم خير عماد لكل تجربة، فقد كان الشيخ الحجيلان خير مثال لتطبيق هذا المفهوم، غير أنه كان يتعلم من الحياة بأكملها، لاسيما مع ظروف كانت صعوبتها مصدر تنوعها الذي أصبح أساس قوتها، فقد ولد الحجيلان في بريدة في العام 1929م، ونشأ بين القصيم والشام، لأسرته العريقة المعروفة بالتجارة، فاكتسب العزيمة والصبر ومهارات التعامل والتصرف، حيث التجارة الأهم والمكسب الذي لا يقدر بثمن هو أن يبني الإنسان نفسه بنفسه.
هذه المعرفة الحياتية شكلت نبوغ الحجيلان مبكراً، فلم يكن تميزه مقتصراً على مجال دون غيره، وهذا ما أثبته لاحقاً في حياته العملية، جاء تأسيسه الأكاديمي في مجال القانون، ليقترن مع تأسيس ثقافي راسخ، متتلمذاً على يد علمين كبيرين هما علي الطنطاوي وعبدالرزاق السنهوري، فكان نتاج ذلك مقدرات فذة امتلكها جميل الحجيلان في الخطابة واللغة الرفيعة وقوة العبارة، ولم تحل هذه الفصاحة دون إتقانه المتمكن للغات الأخرى.
السيرة العملية الحافلة للحجيلان امتدت لأكثر من نصف قرن متضمنة توليه وزارة الصحة في عهد الملك فيصل كأول وزير غير طبيب، وقيادته للدبلوماسية السعودية في ألمانيا وفرنسا، إلا أن السنوات الثمان التي قضاها في الإعلام كانت تاريخية، فقد كان الوزير الذي انطلقت في عهده أول لحظات البث للإذاعة والتلفزيون في المملكة، وبدأ عهد المؤسسات الصحفية في أول تحول حقيقي نحو مرحلة الاحترافية بعد البدايات الريادية التي أسستها صحافة الأفراد، وكان ذلك طبيعياً في ظل الاهتمام الشخصي للحجيلان بالأدب والإعلام.
لقد وضع الوزير السفير، والدبلوماسي الأديب، خلاصة هذه التجربة في خدمة تعزيز العمل الخليجي المشترك كأول سعودي يتولى منصب الأمين العام لمجلس التعاون، ليؤكد جميل الحجيلان ما اتفق عليه الجميع من كونه الشخص الذي يضع بصمته في كل موقع يمر عليه، وعلى كل مهمة يتولاها، وكانت النتيجة مدرسة إدارية وتنفيذية يدين لها بالفضل كثير من المسؤولين اليوم.
كانت دروس الحياة كثيرة في تاريخ جميل الحجيلان، وقد ظل حريصاً على أن ينقلها للجميع مستثمراً معطيات خبرته الطويلة ولغته الجميلة القوية، ولعلنا نختار منها ما قاله بنفسه، حيث أكد أن الإنسان أغلى شيء في الوجود، وأن الوطن الآمن المستقر هو أغلى ما يسعد به الإنسان، وأن الوقت أغلى من الذهب، وأن أداء الواجب يتمّ في صمت، وأن أمن الدولة حرمة لا تمسّ، وأن القانون سيد الجميع.
جميل بن إبراهيم الحجيلان، رجل الدولة، صاحب التجربة الثرية، عمل مع عدة ملوك بدءاً من مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز، عبَر حدود التخصصات بتنوع معرفته، كما عبر حدود الجغرافيا متنقلاً بمسؤولياته ومهامه عبر العالم، ليعود في نهاية مسيرته إلى حضن وطنه، أميناً عاماً للبيت الخليجي الواحد، مسهماً في تعزيز أركانه وتوثيق روابطه، في مسيرة مهنية عرف عنها الحزم والانضباط، واتسمت باحترام القادة والمجتمعات، عودة مظفرة وصفها الحجيلان بقوله “عدت كما ذهبت، وكما كنت عليه دائماً، سعودياً خليجياً، معتزاً بعروبتي وإسلامي”.