لندرك جيداً أهمية التعاون الصحي يكفي أن نفكر فقط بأهم عنوان يشغل الأخبار حالياً، وهو جائحة كورونا المستجد (كوفيد-19)، والتي وضعت العالم أجمع أمام تحد استثنائي لم يسبق أن مر به خلال تاريخه الحديث، ومازالت آثاره مستمرة حتى اليوم، ولأن دول الخليج هي جزء من هذا العالم فقد واجهت الوضع ذاته، بما ترتب عليه من تحديات وتبعات، وهو ما جعلها تضاعف إيمانها بدور العمل الصحي المشترك وبضرورة أن ينتقل إلى أعلى المراحل جاهزية وفاعلية من أي وقت مضى.
وبينما كان أبطال الخطوط الأمامية من الكوادر الصحية في دول المجلس يواجهون هذه الجائحة بمختلف أطوارها، تحت تنسيق عالٍ من وزارات الصحة والقطاعات المختلفة في تطبيق الإجراءات الاحترازية والبروتوكولات العلاجية، كان المسؤولون الخليجيون في القطاع الصحي يعملون عن قرب، حيث كانت أطر المجلس ومؤسساته حاضرة وفاعلة في إدارتها لهذا التواصل وتسهيل وسائله في هذا الظرف غير المسبوق، كما قام “مجلس الصحة الخليجي” بأدوار مهمة في رصد تطورات الموقف الصحي وبث الرسائل التوعوية عن طرق الوقاية.
سلطت هذه الأزمة الضوء على أحد مكتسبات التعاون بين دول المجلس، وهو امتلاك الاستجابة السريعة والإجراء الآني للتعامل مع التحديات في إطار العمل المشترك، الأمر الذي تكامل مع ما أظهرته هذه الدول من تمكن عالٍ في إدارة هذه الأزمة وتخفيف آثارها على المواطنين والمقيمين، حيث عمل الخليجيون ضمن مجلسهم وأمانته العامة بأسلوب علمي ومؤسسي، وترجموا الخطط إلى واقع فعلي، ومازالت اللقاءات متواصلة باستمرار بين مسؤولي الصحة في الدول الأعضاء، حيث يتم استعراض مستجدات الجائحة والاستفادة من تجارب كل دولة بتعاون قطاعيها الحكومي والخاص، كما أبدت هذه الدول تجانساً في إجراءات التعامل مع كل الحالات التي يواجهها مواطنوها، لضمان وصول الرعاية التامة لأبناء دول المجلس.
لم يمكن كل ما مضى سوى أنموذجاً أشرنا إليه لأهمية الحدث أولاً، ولنجاح الدول الأعضاء فيه ثانياً، ليكون هذا مدخلنا للتطرق إلى مسيرة أبناء الخليج في العمل الصحي المشترك، والتي تعود إلى منتصف السبعينات، أي قبل تأسيس مجلس التعاون، حيث كانت اللقاءات تعقد بين وزراء الصحة لدول الخليج، بل تطورت إلى تأسيس “مؤتمر وزراء الصحة للدول العربية في الخليج”، ومن ثم “مجلس وزراء الصحة للدول العربية في الخليج” وهو شاهد آخر على هذا الرابط الأخوي المسبق بين الخليجيين بحيث كانت له شخصيته التنظيمية فعلياً على الأرض، وتطورت فيما بعد إلى قيام مجلس التعاون، ليكمل البناء على ما تم من منجزات.
الإنسان ثروة كل مجتمع وحضارة، والصحة أهم ما يمتلكه البشر، كانت هذه المبادئ حاضرة دائماً في العمل الصحي المشترك بعد أن انضوى تحت مظلة المجلس، وواصل العمل بنظرة شمولية وتحت إشراف ومتابعة من قادة الدول الأعضاء، فتضاعفت جهود التنسـيق والتعاون بين الأجهزة المعنية بالشئون الصحية في دول المجلس في المجالات الصحية الوقائية والعلاجية والتأهيلية، وتم تحديد مفاهيم القضايا الصحية المختلفة والعمل على توحيدها وترتيب أولوياتها وتبني البرامج المشتركة، مع فتح قنوات الالتقاء مع التجارب العالمية وتعزيز التعاون مع المنظمات العربية والدولية العاملة في المجال الصحي، وإقرار برنامج الشراء الموحد للأدوية والمستلزمات الطبية، لضمان الحصول على دواء آمن بجودة عالية.
ومع ما تم إحرازه من تقدم على مستوى الكفاءات الطبية الخليجية أو الأنظمة الصحية، والبنية التحتية للقطاعات الصحية، أخذ النظر إلى الصحة مفهوماً أوسع يتعلق بالوقاية وتحسين أنماط الحياة، وهو ما وضعته دول مجلس التعاون في اعتبارها خلال مواصلتها تفعيل المزيد من الإجراءات لمصلحة الأفراد والمجتمعات الخليجية، ومن ذلك معاملة مواطني الدول الأعضاء معاملة المواطنين في دول المجلس، وتسهيل تنقل الفرق الطبية، والتعاون في الإجراءات التجارية والبيئة ذات الصلة بتحسين الصحة العامة، بالإضافة إلى تعزيز الحوار بين المختصين والممارسين الصحيين، وإقامة الفعاليات والمؤتمرات الطبية، والارتقاء بمعايير الرقابة الدوائية وطرق مواجهة الطوارئ الصحية.