التعاون العسكري والأمني .. قوة ترسي السلام وتحمي النماء

لأن الأمن أساس الرخاء في كل المجتمعات، ولأن البناء لا يقوم سوى على أرضية صلبة من الاستقرار، وضعت دول مجلس التعاون ملف التكامل العسكري والأمني في قلب اهتمامها خلال العقود الأربعة الماضية، مستلهمة في ذلك اقتران دوافع التأسيس الأولى للمجلس برغبة قيادات الخليج في تشييد كيان صلب لا يتوانى في حماية سيادته وصون مصالح شعوبه، ومن أجل هذا الهدف عمل الخليجيون على توفير أفضل الإمكانات على مستوى التسليح والتدريب وتعاونوا في تعظيم قدراتهم الدفاعية، ليكون المجلس حصناً منيعاً في وجه كل التهديدات الخارجية.

وفيما أرسى التعاون الأمني والعسكري بين دول المجلس حقيقة الثقل الإقليمي والدولي لهذه الدول في منعطفات تاريخية تعترف بمنطق التكتلات وتتحدث لغة الأقوياء، كانت القوة الخليجية مصدر اطمئنان من حيث كونها قوة مبذولة لتأمين السلام ومبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل، وسنداً لا ينفصل عن تشكيل الموقف الخليجي في مجال السياسة والدبلوماسية، بوصفه موقفاً يقوم على تنسيق عال ورؤى مشتركة، وتحميه قدرات عسكرية وأمنية تتعاون بشكل متواصل لتكون في أهبة الاستعداد لأي طارئ، وهي ثنائية يمكن ربطها بالمقولة الشهيرة لعميد الدبلوماسية الخليجية الراحل الأمير سعود الفيصل “لسنا دعاة حرب ولكن إن قرعت طبولها فنحن جاهزون لها”.

وبالعودة إلى نشأة مجلس التعاون مع بداية عقد الثمانينات فسنجد أنه كان الخطوة التي واجهت اندلاع مرحلة من الصراعات والحروب والاضطرابات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، بل على مقربة مباشرة من حدوده، تمثل ذلك بالحرب العراقية الإيرانية، فيما كان التهديد الأمني الأكثر خطورة وجدية هو تعرض إحدى دول المجلس، دولة الكويت لاحتلال النظام العراقي السابق، وقد مثلت هذه الأحداث مسؤولية كبرى في حينها، كما شكلت دافعاً لزيادة التنسيق الأمني والدفاعي وتوحيد الجهود والخبرات العسكرية التي تطورت كثيراً خلال العقدين الأخيرين، دون أن ينفصل ذلك عن إيمان مجلس التعاون بالسلام، ووساطتها في نزع فتيل الأزمات، وحرصها على الاحتكام للوسائل السليمة والمواثيق الدولية في حل الخلافات دون التفريط في الحقوق المسلوبة، ومن ذلك اصطفاف المواقف الخليجية لمساندة قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران.

لقد تمثلت إحدى أبرز تجليات التعاون الأمني في “القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون”، التي نشأت في الكنف الخليجي بعد عام واحد فقط من تأسيس المجلس تحت مسمى “قوات درع الجزيرة المشتركة”، وقد كان لها دورها الحاسم في حماية أمن وسيادة واستقرار مملكة البحرين، فيما تمثلت إحدى أبرز نتائج التنسيق السياسي بين دول المجلس في إطلاق المبادرة الخليجية لحل أزمة اليمن، والتي مازالت تعد أحد المرجعيات التي يدعمها المجتمع الدولي، وقد اقترنت الدول الخليجية بالعديد من بيانات التصالح و لقاءات الحوار وحلول الوساطة وجهود الإغاثة وإعادة الإعمار ودعم المنظمات الدولية لخدمة الإنسان، كما قدمت الدبلوماسية الخليجية نفسها عبر الزمن كشريك موثوق لكل بادرة حسن نية، ولكل مبادرة سلام.

وفي ظل متابعة مستمرة من قيادات دول المجلس، وبإشراف من وزراء الداخلية والخارجية والدفاع، أبصرت النور العديد من المنجزات التي تعزز أمن الخليج، ومنها إقرار اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون، والاستراتيجية الدفاعية، والتكامل الدفاعي، والقيادة العسكرية الموحدة، وربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي، ومركز العمليات البحري الموحد، والأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، بالإضافة إلى إقرار الاستراتيجية الأمنية الشاملة، والتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب وحماية الحدود والدفاع المدني وغيرها.

ولأنه التعاون الذي يستمد قيمته من أساس قيام المجلس، حيث الأمن والنماء كل لا يتجزأ، يلتقي الخبراء والمسؤولون الخليجيون بشكل مستمر للتباحث في تطوير آليات العمل المشترك بين الدول الأعضاء، ولوضع مؤشرات الأداء وقياس درجات التقدم ومراجعة الاستراتيجيات من وقت لآخر، فضلاً عن تطوير الكفاءات البشرية وتنمية المعرفة المهنية في هذه المجالات والهدف دائماً تعزيز مستويات القوة التي تحمي الاستقرار، من مبدأ ثابت هو “أمن الخليج كل لا يتجزأ”.