الثروة البشرية هي أثمن ما تمتلكه الدول، والاستثمار في الطاقات الشبابية هو التصرف الأكثر فهماً لمتطلبات النمو الحضاري، لاسيما في المجتمعات التي يشكل فيها الشباب نسبة كبيرة من السكان كما هو الحال في دول مجلس التعاون، حقيقة بهذه الأهمية كانت في قلب اهتمام المجلس منذ بداياته الأولى، وذلك من خلال مسيرة زاخرة بالتنسيق والعمل المشترك في تحفيز الأجيال الناشئة، كان من أهم ثمارها عدد من المؤسسات والمشاريع الفاعلة في هذا الجانب، والتي نستطيع اليوم رؤية نتائج عملها ونحن نرى أصداء تميز الشاب الخليجي على مستوى العالم.
الشباب لم يعودوا عماد المستقبل وحده، فهم عماد الحاضر ايضاً، لهذا ركز العمل الشبابي المشترك في إطار مجلس التعاون على تحقيق التواصل بين أبناء دول المجلس من خلال تنظيم اللقاءات المشتركة، وتنسيق المواقف بينهم في المحافل الدولية، كما وضع المجلس أطر عمل ولوائح مشتركة وتبنّى تشـجيع الدراسات والبحوث في المجالات الشـبابية والرياضية والمجال الكشفي، بجانب التواصل مع المنظمات والمجموعات الإقليمية والدولية من أجل الاستفادة من أفضل الخبرات العالمية في مجال تطوير قدرات الشباب في مختلف المجالات.
اتحدت هذه العناصر وغيرها من أجل أن يسير الاهتمام بالشباب الخليجي في مسار استراتيجي موحد بحيث يعود بفوائد مضاعفة على الجميع، كما نجحت هذه التجربة خلال العقود الأربعة الماضية في رسم مفاهيم جديدة تتجاوز التشجيع والتحفيز إلى إشراك الشباب في صنع القرار وفي الأدوار القيادية، حيث أثبتوا جدارة واضحة بما يمتلكونه من مهارات واطلاع وقدرات لافتة، ولعل نظرة سريعة إلى الأجهزة التنفيذية في دول المجلس بجميع تدرجاتها الوظيفية كافية لتجعلنا نعرف أن عدد القيادات الشابة هو اليوم في أعلى مستوياته على الإطلاق.
هذه النجاحات المتحققة، مثلت دوافع إضافية تعزز خبرة العقود الماضية في مجال العمل الخليجي المشترك في إطاره الشبابي، ناهيك عن المعطيات الحضارية والمعرفية التي دعمت كل الوسائل الرامية إلى تطوير الأجيال الجديدة وزادت من فاعليتها واختصرت زمنها ومجهودها ووسعت أثرها ووصولها، كما أن مشاركة الكوادر الشابة في العديد من لجان العمل الخليجي المشترك بمختلف تخصصاتها، أسهم بشكل واضح في إثرائهم بالتجربة العملية الناضجة، وجعلهم جزءاً فاعلاً في تعميق التواصل ضمن المجلس، وفهم أهدافه التكاملية.
وتجسيداً لقرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الرابعة والثلاثين التي عقدت في دولة الكويت (ديسمبر2013م)، بشأن متابعة تنفيذ قرار المجلس الأعلى فيما يتعلق بالاهتمام بالشباب وصقل مواهبهم وتنمية قدراتهم، وتكليف الأمانة العامة بتنظيم ورش عمل دورية تتناول هذا الموضوع، تجسيداً لذلك أصبحت دول المجلس اليوم تمتلك استراتيجية موحدة لتوجهات العمل الشبابي ومساراتها وتصوراتها التنفيذية، كما يحظى أبناء دول المجلس الموجودين في أية دولة منها بمعاملة أبناء الدولة نفسها في الاستفادة من المراكز الشبابية والرياضية، وأقيمت العديد من اللقاءات والمهرجانات والمعارض الفنية ومعسكرات العمل واللقاءات الاجتماعية والعلمية والكشفية والإعلامية والثقافية بالتناوب بين الدول الأعضاء، والعديد من معسكرات العمل الخارجي المشترك، والرحلات الكشـفية والعلمية، ورحلات بيوت الشـباب، والمشاركات الرياضية الخارجية.
ومع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، أصبح الشباب أساساً لتحقيق رؤى الدول الأعضاء في مستقبلها على المدى القريب والبعيد، وباتوا العماد الأول لبرامجها الطموحة، فيما دخلت العديد من الموضوعات والعناوين إلى مسارات العمل الشبابي من واقع مواكبة الحاضر والاستجابة لمتطلبات التنمية، ومن أبرز هذه العناوين بناء المهارات وتنمية المبادرات والابتكار ومشاركة الشباب في تعزيز الأمن والصحة والرياضة والتوظيف وصناعة السياحة والترفيه.
يكمن أحد شواهد التطور في مستوى العمل الشبابي لدول المجلس ولجانه في أن الاجتماعات لم تعد مقتصرة على الوزارات والأجهزة المعنية بالشباب، بل بات يحضرها ممثلون من عدة وزارات كالتعليم والصحة والعمل والداخلية والشؤون الاجتماعية بالإضافة إلى القطاع الخاص، كما أتيح لأعداد كبيرة من الشباب من الجنسين أولوية أن يسهموا بوضع مرئياتهم وتقييم وتحديد مجالات الاهتمام الشبابي، وفقاً لمتغيرات الواقع أو لمواءمتها مع أهداف التنمية.
أخيراً وليس آخراً، جاء اعتماد الإطار العام للخطة الاستراتيجية للجنة وزراء الشباب والرياضة ليمثل خطوة مهمة من أجل خلق بيئة تضمن استثمار الطاقات والمواهب الشبابية وتسهم في نشر الثقافة الرياضية وتنمية المجتمع ورفع مستوى الجودة والتميز في تعزيز التكامل، وقد حددت الخطة خمس قيم أساسية هي الولاء والانتماء، المشاركة، التمكين، الابتكار، الشفافية، من أجل تأهيل شباب متمكن يسهم بفاعلية وإيجابية في تنمية المجتمع في دول المجلس.