يعتبر تغيّر المناخ القضية الأكثر أهمية في عصرنا، فنحن نشهد تغيّر في أنماط الطقس تهدد الإنتاج الغذائي، وارتفاع في منسوب مياه البحار تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، وحرائق في الغابات تهدّد أرواح الآلاف، وحتمًا التكيّف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة ومكلفًا في المستقبل إذا لم يتم القيام باتخاذ إجراءات جذرية، وما هو مثير أكثر أن التكلفة الإجمالية لتغيّر المناخ قد تصل إلى (3.68) ترليون جنيه استرليني، في حين أن تكاليف المخاطر الناتجة عن تلك التغيرات قد تصل إلى (20%) من الناتج العالمي.
إن الدول العربية، وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربية، ليست ببعيدة عن التحولات المناخية، فقد شهد بعضها ارتفاعًا في درجات الحرارة وصل إلى الخمسين درجة مئوية وربما أكثر، في حين تساقطت الثلوج على قمم الجبال في مدن مثل تبوك بالسعودية وراس الخيمة بالإمارات، كما تم رصد مرور ما بين (15 إلى 20) إعصارًا سنويًا على المنطقة، بعدما كانت لا تتجاوز خمسة أعاصير.
ولا شك أن هناك عوامل طبيعية تسببت في حدوث التغيّر المناخي، إلا أن السلوك البشري غير المسؤول يُعد – أيضًا – عاملاً أساسيًّا لا يمكن إنكاره بما يتضمنه من حرق الوقود والمخلفات وعوادم السيارات التي ينتج عنها غازات مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، فضلاً عن قطع الأشجار التي تحد من الملوثات والانبعاثات الغازية، وهي جميعها سلوكيات ناتجة عن غياب الوعي البيئي، مما يعرقل من جهود الدول ومساعيها الحثيثة في مواجهة ظاهرة التغيّر المناخي؛ لأن جهود الحكومات لا بد أن يوازيها وعي المواطنين وترشيد سلوكهم البيئي.
من هنا وجب التأكيد على دور الإعلام في تلك القضية المهمة؛ لأن الكثير من الدراسات أشارت إلى محدودية اهتمام إعلامنا بقضايا التغيّر المناخي وإبراز خطورتها على حياة البشر حين تؤدي إلى نقص المحاصيل والأغذية، وبالتالي تفشي المجاعات والأوبئة.
وارتأت تلك الدراسات بأن إعلامنا يقتصر دوره حاليًّا على نشر أخبار الفعاليات من ندوات وورش مرتبطة بظاهرة التغير المناخي، إضافة إلى أن تلك التغطيات موسمية، أي مرتبطة بانعقاد قمة عالمية أو مؤتمر للبيئة.
وبالتالي وفقًا لنظرية ترتيب الأولويات (THEORY AGENDA SETTING)، وهي إحدى النظريات الإعلامية التي تستند لفرضية علمية مفادها وجود علاقة بين القضايا التي تهتم بها وسائل الإعلام وتزايد اهتمام الجمهور بتلك القضايا، فإن محدودية الاهتمام بظاهرة التغيّر المناخي وآثارها الخطيرة ينعكس على محدودية اهتمام الجمهور وتفاعله معها.
وإن برزت التغطية للقضايا البيئية في إعلامنا نجد بأنها تفتقد للمعالجة العميقة وإيضاح الأسباب والتداعيات، أي أنها تكون تغطية ذات طابع إخباري وليس طابع تحليلي وتفسيري، كما أن ممّا يضعف إعلامنا البيئي عدم وعي بعض الإعلاميين بخطورة التغيرات المناخية والمفاهيم المرتبطة بها.
وحتى يؤدي الإعلام الدور المتوقع منه في رفع الوعي البيئي لدى الجماهير لا بد من مراعاة ما يلي:
-إعداد دليل مفاهيمي للإعلاميين:
بمعنى إعداد دليل يشرح ويفسر كل ما يتعلق بظاهرة التغيّر المناخي من مفاهيم ومصطلحات، مثل الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري وغيرها.
-التدريب المهني للإعلاميين:
وذلك من خلال عقد دورات تدريبية تستهدف زيادة معارف ومعلومات الإعلاميين والصحفيين بقضايا البيئة.
-صياغة رسائل إعلامية مؤثرة
يُفضل عند صياغة الرسائل الإعلامية التي تستهدف تشجيع الجماهير على ممارسة السلوكات الرشيدة للمحافظة على البيئة أن تكون متضمنة على الأرقام والإحصاءات الواقعية عن طريق توظيف الاستمالات العقلانية في الرسائل الإعلامية، دون الإغفال – أيضًا – عن الاستمالات العاطفية، بحيث يستشعر المتلقي لهذه الرسائل خطورة التغير المناخي وفقدان الحياة الآمنة.
-التسويق الاجتماعي للمبادرات:
ينبغي تصميم حملات إعلامية تستهدف التسويق لأفكار ومبادرات من شأنها دعم جهود التنمية المستدامة، مثل حملات التخلص من النفايات ومكافحة الأوبئة ومبادرات التشجير والزراعة.
-التنويع في الوسائل الاتصالية:
وحتى تزيد فاعلية الحملات الإعلامية لا بد من التنويع في الوسائل الاتصالية المستخدمة للوصول إلى أكبر عدد من الجماهير، مع مراعاة طبيعة كل وسيلة وجمهورها عند تصميم الرسائل الإعلامية.
وأخيرًا، حبذا لو يتبنى جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج لمجلس التعاون لدول الخليج العربية إطلاق منصة إعلامية مختصة بنشر الوعي البيئي حتى تكون المصدر الموثوق للإعلاميين والصحفيين لاستقاء المعلومات ومتابعة الجهود الدولية في مواجهة تحديات قضايا التغيّر المناخي.