وسائل الإعلام وتطبيق تيك توك: زواج المصلحة

“إنّ الأحمق هو الشخص الذي لا يغير رأيه أبدًا ولا يزيح عنه”.. يبدو أن هذا ما أرادت أن تقنعنا به وسائل الإعلام المختلفة، من صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية ومواقع إخبارية وإعلانية في شبكة الإنترنت، وها هي اليوم تتهافت على تطبيق التشبيك الاجتماعي الصيني، “تيك توك”، لأخذ موطن قدم فيما يبثه، لقد كانت تستخف بهذا التطبيق دون سائر التطبيقات المعروفة في شبكة الانترنت، والسبب في ذلك لا يعود لكونه موجه خصيصًا للأطفال دون سن السادسة عشرة، فهناك بعض التطبيقات في شبكة الإنترنت مثل سناب شات الموجهة للأطفال أيضًا بدءًا من الثالثة عشر من العمر، بل للاعتقاد السائد أن هذا التطبيق أصبح يبث شرائط فيديو تتضمن تصرفات خرقاء وتحديات ” بلهاء”.

فماذا جرى حتى تحوّل الاستخفاف إلى إعجاب وازداد التنافس شراسة للاستفادة من خدمات هذا التطبيق الرقمي؟!

تيك توك: البداية

أطلقت الشّركة الصينيّة “بايت دنس” هذا التطبيق في عام 2016م، الذي يُحَمَّل في الهواتف الذّكيّة، استنادًا إلى فكرة نجمت عن ملاحظتين، الملاحظة الأولى تتمثل في ولع الشباب المراهق في الصين، وبقية بلدان العالم، بالتقاط صورهم بكاميرا هواتفهم، فيما أصبح يعرف بظاهرة ” السيلفي” (Selfie)، والملاحظة الثانية تجلت عبر شغفهم بالموسيقى والأغاني، إذ أصبح المراهقون يتمايلون على أنغام الأغاني الرائجة المنبعثة من هواتفهم في تنقلاتهم أو تنزهاتهم.

ومن الملاحظتين شكل هذا التطبيق خصوصيته التي تجمع الرقص بالتصوير.

يقترح هذا التطبيق على الشباب المراهق الاشتراك فيه من خلال تسجيل اسمه واختيار أغنيته المفضلة من ألبوم الأغاني التي يختزنها، ثمّ يصور نفسه وهو يرقص على أنغامها في شريط فيديو قصير تتراوح مدته ما بين ثلاث ثواني ودقيقتين، يكرّر كلمات الأغنية مكتفيًّا بتحريك شفتيه فتظهر في شريط الفيديو وفق طريقة (Play back)، فيعتقد مستخدمو “تيك توك” أنه يؤدي الأغنية بصوته، ولئن كان هذا التطبيق قد زاد من شعبيّة بعض الأغاني فإنه نشط الصناعات الموسيقيّة، ونشر بعض الفيديوهات التي جعلت من أصحابها مشاهير في عالم الموسيقى والغناء.

لقد كان لهذه الفيديوهات مفعول العدوى في صفوف المراهقين في البلدان الآسيوية، والأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية وحتّى البلدان العربيّة، إذ بلغ عدد متابعيها (150) مليون مستخدمًا ناشطًا يوميًا في يونيو 2018م، مقابل (500) مليون ناشط شهريًا؛ لكن العدوى تعدت عالم الموسيقى والغناء لتتناغم مع مزاج المراهقين واندفاعهم لرفع التحدي في مختلف المجالات، كالرقص الخطير على سلالم العمارات مع إيقاع الموسيقى، وسرعة تبديل الملابس على إيقاع أغنية، وغيرها من التحديات الرياضيّة البهلوانيّة.

على الرغم من الإقبال الواسع والسريع على هذا التطبيق أو بسببه بدأ التضييق على هذا التطبيق، الذي أصبح يهدد الشركات الكبرى المالكة لمواقع الشبكات الاجتماعية، مثل الفيسبوك، وتويتر، واليوتيوب في عقر دارها، أي الولايات المتحدة الأمريكية، ففي شهر فبراير عام 2019م، أدانت اللجنة الفيدراليّة للتجارة الشّركة الصينيّة “بايت دنس” بغرامة قدرها (5.7) مليون دولار جراء قيامها بجمع البيانات عن الأطفال القصر – دون سن 13 سنة – بطريقة غير شرعيّة، وجعلها في متناول الغير، وشجّعت هذه العقوبة مكتب لجنة الإعلام ببريطانيا على فتح تحقيق قضائي حول حماية الأطفال في هذا التطبيق.  

أدركت شركة “بايت دنس” أن تطبيق “تيك توك” وقع ضحية حرب تجاريّة غير معلنة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد أن عارضت شراكتها مع الشّركتين الأمريكيّتين “ميكروسوفت”، ثمّ “أوراكل”، فسارعت إلى إنشاء مكاتب لها خارج الصين في العديد من بلدان العالم، ووظفت من يملكون القدرة على التأثير على أصحاب القرار السياسي والاقتصادي في بعض العواصم العالمية ليشكلوا جماعة ضغط لصالحها.

من لعب “عيال” إلى شريك

قد يتساءل البعض ماذا يجمع صحيفتي “لوموند” الفرنسيّة “النخبويّة”، و”الواشنطن بوست” الأمريكية الرزينة بتطبيق “تيك توك”، الذي كان يُعتبر منذ وقت قريب عبارة عن “لعب عيال”؟  وما الذي دفع شبكة التلفزيون الأمريكي (إن بي سي نيوز NBC News)، والقناة التلفزيونية الفرنسية الألمانيّة (أرتي ARTE) ذات الطابع الثقافي النخبوي، والقناة الأولى في التلفزيون الفرنسي (تي أف 1 TF1) على سبيل المثال وليس الحصر، إلى التوجه ببرامجها التلفزيونية، ونجومها، وحصصها المتلفزة إلى جمهورها عبر مواقع الشبكات الاجتماعية، وتطبيق “تيك توك” على وجه الخصوص؟

الأمر لم يتم صدفة أو بشكل عفوي، لقد أدركت وسائل الإعلام التقليدية أن تطبيق “تيك توك” يختلف عن كل مواقع الشبكات الاجتماعية التي تعتمد على تداول الفيديوهات والصور.

يفسر “إكزافي واتبلاد”، المكلف بدراسة تسويق البرامج بالقناة السادسة في التلفزيون الفرنسي، سر اهتمام وسائل الإعلام التقليدية بتطبيق تيك توك بقوله: أحدث هذا الأخير قطيعة كبرى مع الميديا التي سبقته، فبعد الإذاعة والتلفزيون، جاء جيل موقع “اليوتيوب” المغرم بشريط الفيديو، الذي يتسم بطول مدته والذي يسمح لمشاهديه بالدخول في التفاصيل، بينما تتسم فيديوهات التيك توك بالسرعة والإيجاز ولا يستغرق سوى بعض الثواني، ليس هذا فحسب، بل أن خوارزميات تيك توك تفرض اختياراتها – أيضًا – على مستخدمي هذا التطبيق، هذا علاوة على أن تيك توك يُعد التطبيق الذي يبثّ الفيديوهات التي تُحمّل أكثر من غيرها في شبكة الإانترنت، لقد حُمّلت مليارين مرة في السنة 2020م، بنسبة زيادة تقدر بـ(600%) أغرى هذا العدد الهائل وسائل الإعلام التقليديّة، خاصة تلك التي تملك خبرة في التعامل مع مواقع الشبكات الاجتماعية، مثل: “الفيسبوك، واليوتيوب، والدلي موشن، وانستغرام”، بالوصول إلى جزء من مستخدميه.

استهجان

استهجن الكثير من متابعي صحيفة “لوموند” الفرنسيّة المشهورة ما قامت به يوم 15 يونيو 2020م، حين أطلقت أول شريط فيديو لها في تطبيق “تيك توك”، لقد اعتقدوا أنه ليس لهذه الصحيفة الموجهة أصلا للكهول من الفئات الوسطى في المجتمع الفرنسي والبلدان الناطقة بالفرنسيّة، ما تجنيه من هذا التطبيق الموجه لمن هم دون 24 سنة، سوى النيل من هيبتها وسمعتها، لكن لـ”ليتيتيا بيرو”، التي تُعْرف بصحافية الفيديو، والمسؤولة على مواقع الشبكات الاجتماعية في الصحيفة المذكورة أعلاه رأي آخر، إذ ترى أن لصحيفة لوموند إستراتيجية خاصة بالنشر في مواقع “واتساب، وتويتر، والفيسبوك، وسناب شات”، وتقول إنهم لاحظوا في الصحيفة، خلال الحجر الصحي، أن تطبيق “تيك توك” حقّق نسبة متابعة عالية جدًا خارج الشريحة العمرية التي كان يستهدفها في بداية انطلاقته؛ أي المراهقين، وأن هناك مستخدمين آخرين تملكوا هذا التطبيق وبدأوا يبثون محتويات أصيلة ومبدعة وخفيفة، وأن “الأخبار الملفقة” (Fake News) انتشرت خلال هذا الحجر انتشار النار في الهشيم وأخذت أبعادًا رهيبة، وأكّدت المسؤولة ذاتها على أن هدف صحيفة “لوموند” هو الكشف عن هذه الأخبار ومخاطبة الجمهور عنها حيثما يوجد عبر مواقع الشبكات الاجتماعيّة، واستطردت “ليتيتيا بيرو” قائلة: “لقد لاحظنا – أيضًا – أن تطبيق “تيك توك” تسيس أكثر في بعض القضايا، مثل حركة “لحياة السود قيمة” (Black Lives Matter) التي انطلقت في أوساط الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية في عام 2013م، للتخلص من العنف الممارس ضد السود، فخلال بضعة أيام تفاعل (10.8) مليون من مستخدمي تطبيق “تيك توك” مع فيديوهات هذه الحركة.

وتقول “ليتيتيا بيرو”: لقد أدركنا أن هناك شيئًا ما يحدث، وأن هذا التطبيق تجاوز هويّته الأصليّة بعد أن شكل جماعة واسعة متعطشة للأخبار ولتبادل الأفكار، فأن تكون شابًّا لا يعني بتاتا أنك لا تملك أي اهتمام بالسياسة والاقتصاد.

تتمثل إستراتيجية صحيفة “لوموند” على المدى البعيد في الوصول إلى الشباب الذين لا يعرفونها، وفي ترويج علاماتها التجارية في أوساطهم، وعندما يكبرون ويحققون استقلالهم المالي ويملكون قدرة شرائية سيشتركون في طبعتها الرقميّة أو الورقيّة، ويكونون خلفًا لقُرّاء صحيفة “لوموند” الذين شاخوا.

وهكذا أصبحت هذه الصحيفة تبث محتوى أصيلاً بمعدل خمس مواد كل أسبوع، للتحري حول صحة الأحداث ومحاربة الأخبار الملفقة، وشرح السياقات لفهم المواضيع المهمة.

إنّ ما تبثه هذه الصحيفة على موقع “سناب شات” يختلف عن محتوى ما تبثه في تطبيق “تيك توك”، الذي لا يرتبط دائمًا بالأحداث “الساخنة”، لكنه ذا صلة بالقضايا السياسيّة التي تقدم بطريقة تربويّة وتعليميّة، كما يتضمن شرائط فيديو تبسيطيّة للمعارف العلمية، مثل شرح “الاندماج النووي” بحبات الحلوى! وتقديم بيانات مرئيّة مختصرة ذات صلة بموضوع معين، وهكذا استطاعت هذه الصحيفة أن تحقق رقم (574) ألف مشترك في هذا التطبيق وتنال (6.5) مليون إعجاب بما تبثه.

الريادة

لا تشكل صحيفة “لوموند” حالة استثنائية في المشهد الصحفي الفرنسي، فقد سبقتها إلى تطبيق “تيك توك” بعض الصحف الفرنسيّة، مثل صحيفة “الفيغاروا” و”البريزيان” ومجلة “لكيب” الرياضيّة، لكن الريادة في صحافة “تيك توك” تعود إلى لـ”واشنطن بوست” الأمريكية، وإلى الصحافي “دافيد جورجونسن” الذي جعل منها مرجعًا، إذ بلغ عدد متابعيها في “تيك توك” (850) ألف مشترك، لقد صور في فيديوهاته مهنة الصحافة بنوع من الخفة والمزاح كاشفًا عن كواليس الصحيفة المذكورة، ما حمّس الشباب للالتحاق بهذه المهنة، وتناول في فيديوهاته المواضيع الساخنة التي تثير النقاش في أوساط المشتركين، ويختار مئة تعليق على كل فيديو ينشره، ويشارك المعلقين بالإجابة على السائلين للحفاظ على ترابط أعضاء المجموعة التي تشكلت من المشاركين في الصحيفة عبر تطبيق “تيك توك”، لقد أضفى طابع الجدية على منشورات الصحيفة في “تيك توك” مع حركة “لحياة السود قيمة”، التي ذكرناها آنفا، حيث أعطى الكلمة لزملائه في قاعة التحرير للحديث عن عملهم، وليعبروا عن “ماذا يعني أن تكون صحافيًّا ذا بشرة سوداء؟” لقد أفلح في تعريف العنصرية المطبقة بطريقة منظمة في أقل من (59) ثانية.

يدافع مسؤول “إنتاج الفيديوهات” في صحيفة “الواشنطن بوست” عن هذا الاختيار بالقول: “إنّ نشر المحتويات مفيد جدًا للصحيفة، إذا تحكم المرء في مدونتها المرئية وأخضعها لطبيعة صحيفته”، واستطرد قائلا: “نحن نسعى عبر تطبيق تيك توك إلى ضخّ دم جديد في قرائنا، دم الجيل الشاب الذي أصبح يملك طريقة خاصة لاستهلاك المحتويات الإعلامية تختلف عن الجيل السابق، ومع مرور الوقت سنكسب قراء جدد لموادنا الإعلامية التّقليديّة، ومن يستغرب سلوكنا هذا، فنذكره بأن القراء استنكروا قيامنا بإدراج لعبة “الكلمات المتقاطعة” في صحيفتنا، لكن هذه اللعبة أصبحت مشهورة جدًا اليوم، وتمثل لنا موردا ماليًّا، ومصدرًا لكسب مشتركين جدد”.  

لم يجذب “تيك توك” الصحف وحدها، فحتى المحطات الإذاعية تسابقت لبثّ برامجها على هذا التطبيق، فالإذاعة الفرنسية “فرانس أنفو” شرعت هي الأخرى في بث شريطي فيديو في اليوم، بمحتوى مبسط ومفسر للأحداث، وسعت لجعل منشوراتها مفهومة ومرئية، فنظمت فيديوهاتها في حوالي اثني عشر موضوعًا، ولكل شريط فيديو عنوانه الفرعي المثير، وبهذا بلغ عدد متابعيها في “تيك توك” (240) ألف مشترك.

التحدي من جديد

واصل تطبيق “تيك توك” انتشاره، وهذه المرة في أجهزة التلفزيون ذاتها، خاصة في تلك التي تعتمد على نظام تشغيل أندرويد، وعلى تلفزيون غوغل، وأجهزة سامسونغ التلفزيونية، لذا لا غرو أن تسابقت القنوات التلفزيونية على بثّ شذرات من برامجها عبر هذا التطبيق، لا يعتبر هذا التسابق ضرورة فرضها منطق التطور التكنولوجي، بل وسيلة لكسب جمهور جديد من الشباب، فحسب الباحث “آلان ديبردر” صحاب المؤلف “الاقتصاد الجديد للسمعي/البصري” الصادر في عام 2019م بفرنسا، فإن مشاهدة التلفزيون في البلدان الأوروبيّة تراجعت بنسبة (25%) لدى المشاهدين الذين يقل أعمارهم عن (24) سنة خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2018م، ويوعز ذلك إلى شغفهم بشرائط الفيديو التي تطفح من الشاشات الأخرى، لذا يُعد “تيك توك” وسيلة للقنوات التلفزيونيّة لتجديد مشاهديها والنفاذ إلى هذه الشريحة التي أدارت ظهرها للتلفزيون، لذا تنوعت مقاربات العديد من القنوات التلفزيونيّة لجذب هذا الجمهور بواسطة تطبيق “التيك توك”، في أكثر من بلد في العالم، بدءًا ببثّ أكثر اللقطات شهرة في برامجها التلفزيونيّة، أو دعوة مستخدمي “التيك توك” للمشاركة في التحديات التي تتضمنها برامج الألعاب والمنافسات التلفزيونيّة، مثلما تفعل القنوات التلفزيونيّة الفرنسيّة التي تعلن عن نوع التحدي الذي يجري في برامجها الترفيهيّة: الموسيقيّة والغنائيّة، وتمنح لمستخدمي “تيك توك” مدة أسبوع من التحضير للمشاركة في المسابقة التلفزيونيّة قبل بثها أو في بثّ شرائط قصيرة جدًا لا تتعدى (15) ثانية عن الأحداث الراهنة، مثلما تفعل شبكة التلفزيون الأمريكية الإخبارية “إن بي سي نيوز (NBC News).

يؤكد “إكزافي واتبلاد” المكلف بدراسة تسويق البرامج بالقناة السادسة في التلفزيون الفرنسي أن علاقة القنوات التلفزيونيّة المختلفة في “تيك توك” لا تقوم على التجريب، بل تستند إلى دراسة وتحليل دقيق للموضوعات الرائجة والأكثر متابعة في هذا التطبيق، وهي كالتالي: الكوميديا بنسبة (93%)، والرقص بنسبة (75%)، والمودة والزينة بنسبة (58%)، وعالم الحيوانات بنسبة (55%)، وحيل للحياة اليوميّة نسبة (43%). بالطبع إن طموح القنوات التلفزيونيّة ليس إحداث انقلاب في ترتيب الموضوعات التي يتضمنها هذا التطبيق، إنها تسعى بكل بساطة الاستفادة من المزاج السائد في “تيك توك”، وصناعة فيديوهات مستقاة من برامجها أو استغلال ما يرسله مشتركوها من فيديوهات وإعادة إدماجها في منتجاتها كطريقة لتشجيع هؤلاء المشاركين على الارتباط أكثر بالقنوات التلفزيونيّة.

خاتمة

أخيرًا، يدعونا “روبرت هرنندز”، أستاذ الممارسة المهنيّة في مدرسة الاتصال بجامعة أنومبرغ، جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى عدم الاندهاش من العلاقة التي بدأت تتطور بين وسائل الإعلام التقليدية وتطبيق “تيك توك”؛ لأن ما يجري مع هذا التطبيق يتطابق تمامًا مع ما جرى مع بعض المنصات الرقميّة قبله، مثل “سناب شات، وانستغرام، وتويتر”.

لقد بدأ الأمر مع هذه المنصات كشيء عابر ومسلٍّ، ثمّ كشف عن مقومات استمراره، ثم أصبح أكثر تعقيدًا واحترافية عندما انتقل إلى طرح الموضوعات الجادة، ما يرجح لصالح هذا الرأي أن القناة (الفرنسية – الألمانية) المهتمة بالثقافة المكرسة أو “ثقافة النخبة” أنتجت برنامجًا مخصوصًا للبثّ عبر تطبيق “تيك توك” بعنوان: “تعال نرقص” في شكل شرائط فيديو قصيرة تعالج موسيقى “الهيب هوب” (Hip Hop) أو “الرّاب” (Rap)؛ أي الموسيقى الشعبيّة التي طوّرها الأمريكيون الأفارقة المنحدرون من جنوب القارة الأمريكية، في سبعينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، ورقصة “البريك دانس (Break dance) التي تُعرّف بأنها التعبير الجسديّ لموسيقى الرّاب، والتي اجتاحت العديد من بلدان العالم.

لقد استغلت هذه القناة التلفزيونيّة بهذه الشرائط المراهقين، بطريقة لبقة، للحديث والتفكير في تطور أنواع الموسيقى وأشكال الرقص في المناطق الحضرية كضرب من ضروب التعبير الثقافي، هكذا نرى أن هذه القناة وغيرها لم يتخلوا عن شخصيتهم وهويّتهم، بل استغلوا تطبيق “تيك توك” بما يتماشى مع خصوصيتهم.