في دورته (19) وبحضور ومشاركة الأمين العام لمجلس التعاون..
أكـّدَ الأمين العام لمجلس التعاون، الدكتور نايف الحجرف، أن مجلس التعاون، وعلى مدار أربعة عقود، أثبت دوره كعامل استقرار وتوزان ثابت ورئيس في المنطقة، وشريك في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ودعم جهود المجتمع الدولي في العديد من الملفات المهمة وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، مشيرًا إلى التأثير الإيجابي للمجلس على الصعيدين الإقليمي والدولي.
جاء ذلك ضمن أعمال منتدى الإعلام العربي في دورته التاسعة عشرة، التي أقيمت افتراضيًّا بدبي في الثالث والعشرين من ديسمبر 2020م، وحضرها عن بعد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وناقشت واقع ومستقبل العمل الإعلامي العربي بمشاركة نخبة من الساسة والقيادات الإعلامية ورموز الفكر والثقافة والكُتَّاب ورؤساء وكالات المعلومات والأخبار ورؤساء تحرير الصحف، وقيادات المؤسسات الصحافية والتلفزيونية والإذاعية ومسؤولي المواقع الإلكترونية الإعلامية العربية والعالمية.
وخلال جلسة حوارية أفردها المنتدى للأمين العام لمجلس التعاون، وأدارت الحوار فيها عن بُعد الإعلامية في مؤسسة دبي للإعلام نوفر رمول، أشار الدكتور الحجرف إلى أن الخطوات التي تم اتخاذها مؤخرًا في المنطقة في مضمار السلام هي محل كل تقدير، مُذكّرًا بمبادرة السلام العربية التي قدّمها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، عندما كان وليًّا للعهد، وطرحها في القمة العربية في بيروت عام 2002م، وهي تعكس الموقف الإجمالي للدول العربية تجاه السلام المنشود في المنطقة، منوّهًا إلى أن المبادرة لا تزال قائمة وترتكز على حل الدولتين، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة في إطار حدود يونيو 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، علاوة على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وغيرها من بنود تضمنتها المبادرة العربية للسلام، مشيرًًا إلى أنه على إسرائيل إعادة النظر في هذه المبادرة التي تمثل سبيلاً لإقامة سلام شامل في المنطقة.
النجاح في مواجهة التحديات
وفي رد على سؤال حول دور التناغم الذي يجمع أغلب أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في التصدي للتحديات والأطماع المحيطة بالمنطقة، بما في ذلك خطر الإرهاب الذي يشكل اليوم عامل تهديد للعالم أجمع، استعرض الأمين العام سلسلة من المحطات المهمة في تاريخ المجلس الذي جاء انطلاقه متزامنًا مع اندلاع الثورة الإيرانية وكذلك مع الحرب العراقية الإيرانية، حيث تمكّن المجلس في العقد الأول من عمره من التغلب على هذه التحديات الأمنية التي شكلت تهديدًا مباشرًً للكيان الخليجي الوليد، وفي العقد الثاني من عمره، كان الغزو العراقي لدولة الكويت، وهي عضو مؤسس في مجلس التعاون، وكان هذا أول اختبار حقيقي لمنظومة مجلس التعاون ومدى قدرتها على التعاطي مع هذا التحدي وتجاوزه، وقد نجح المجلس في تخطي هذه المحنة بالغة الصعوبة بفضل المواقف الحكيمة والقرارات السديدة لقادة دول المجلس، وما تلا الغزو من تداعيات كبيرة استغرقت سنوات طويلة لتجاوزها.
وقال الحجرف إنه في بداية العقد الثالث من عمر مجلس التعاون، أفاق العالم على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد وقف مجلس التعاون لدول الخليج العربية بكل صلابة مع المجتمع الدولي في التصدي لظاهرة الإرهاب والتعاون من أجل تجفيف منابعه، وأثبت أن الإرهاب ليس له دين ولا حدود ولا هوية، كما أن بعض دول المجلس تضررت من هذه الظاهرة الخطيرة ضمن حوادث متفرقة، فيما جاءت بدايات العقد الرابع من عمر مجلس التعاون متزامنة مع ما سُمي بالربيع العربي، الذي ما تزال تداعياته مستمرة في بعض الدول العربية حتى اليوم، حيث تمكن المجلس عبر تلك المواقف والتحديات أن يحافظ على تماسكه وأن يتجاوزها بثبات ومسؤولية، وخرج منها وهو أشد مَنَعة وأقوى عزيمة بما يدعم النظرة المستقبلية للمجلس التي تتطلب قدرًا كبيرًًا من الثبات والتكاتف والتنسيق للوفاء بمتطلبات التنمية في المراحل المقبلة.
وأشار الأمين العام لمجلس التعاون إلى أن دول المجلس مقبلة على أهداف في غاية الأهمية، حيث اُختتمت في شهر نوفمبر الماضي رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين، وهي المهمة التي أثبتت فيها المملكة مكانتها واستحقاقها الكامل للريادة من خلال قيادة أعمال المجموعة في هذه الفترة بالغة الصعوبة، بما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي وسياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، في الوقت الذي تستعد فيه دولة الإمارات لاستضافة “إكسبو 2020” ونثق في قدرة دبي على إبهار العالم بدورة تاريخية لهذا الحدث العالمي الضخم الذي يمثل قدرًا كبيرًا من الأهمية الاستراتيجية للإمارات والمنطقة، وهي كلها أمور ترتبط بمساعي دول المجلس إلى تحقيق التنمية والريادة في مختلف المجالات، وهو دليل على أن دول مجلس التعاون تتجاوز التحديات وتبني المستقبل في آن واحد.
الإعلام والمهنية
وفي إجابته على سؤال عن حال الإعلام العربي الذي يعكس واقع المنطقة حيث يوجد إعلام معتدل وتنموي وتصالحي، وعلى الجانب الآخر يوجد إعلام مُحرّض على الفتنة، قال الدكتور الحجرف إن هناك حكمة عربية قديمة مؤداها أن “آفة الأخبار رواتها”، وأن وسائل الإعلام في هذا الزمن على تنوعها هي التي تتولى رواية الأخبار، مؤكداً أن الوسيلة الإعلامية التي تصون مصداقيتها وتحافظ على مهنيتها ورسالتها الإيجابية لها كل الاحترام والتقدير والإجلال، وأن مثل تلك الوسائل عديدة في المنطقة، إلا أنه في عصر السماوات المفتوحة وبفضل التقدم التكنولوجي الهائل، ظهر نوع جديد من الإعلام غير التقليدي، وهو يعمل بدوافع شخصية وفردية، ويبتعد عن الشكل المؤسسي للإعلام كما عرفناه إلى عهد قريب.
وأعرب معاليه عن تقديره لاختيار منتدى الإعلام العربي موضوع هذه الدورة لإلقاء الضوء على التحديات التي تواجه الإعلام في المنطقة بشقيه التقليدي والجديد، مشيرًا إلى حاجة الإعلام التقليدي إلى مواكبة المستجدات من أجل الحفاظ على تواجده، بينما يرى أن الإعلام الجديد في حاجة إلى الحفاظ على الثوابت المهنية والتمسك بالمصداقية والموضوعية، موجهًا الدعوة إلى القائمين على الإعلام العربي لمضافرة الجهود من أجل وضع إطار شامل يحكم العمل الإعلامي في المنطقة لمساعدة مؤسساته على التغلب على التحديات التي سيكون عليها مواجهتها في المرحلة المقبلة، خاصة في ضوء المتغيرات الديموغرافية التي يشهدها العالم العربي مع زيادة تأثير قطاع الشباب في المشهد العربي والخليجي، معربًا عن أمله أن يكون منتدى الإعلام العربي هو المنصة التي سينطلق منها مثل هذا الإطار الإعلامي الشامل قريبًا.
وعن الدروس المستفادة من عام 2020م بكل ما حمله من تحديات صعبة للمنطقة وللعالم أجمع، قال الأمين العام إن الدرس الأهم المُستفاد من عام 2020م هو أن الشعوب لا يمكنها أن تواجه التحديات فُرادى، وأن التعاون هو السبيل الوحيد لتخطي المواقف الصعبة، حيث أثبت العالم في مواجهة وباء كورونا المستجد أن العمل الجماعي هو السبيل للتغلب على التحديات، مؤكدًا أن العالم ربما يشهد في المستقبل مواقف صعبة مماثلة إلا أن وباء كورونا ترك آثارًا عميقة في حياة الناس بل غيرها إلى حد كبير، ما يفرض ضرورة العمل الجماعي من أجل الاستعداد لما قد يتكشّف من تداعيات الجائحة ولما قد يأتي على شاكلتها في المستقبل من أزمات لا سبيل لتجاوز آثارها إلا بتضافر الجهود.
تنوع في الطرح
تم نقل فعاليات المنتدى عبر تغطية مباشرة لجميع جلساته، والتي تخللها حفل جائزة الصحافة العربية، عبر مختلف المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي التابعة لنادي دبي للصحافة وعلى الموقع الإلكتروني للنادي ولمنتدى الإعلام العربي.
وقد ألقى الكلمة الرئيسية للمنتدى، معالي الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء في جمهورية مصر العربية، والتي أكد فيها أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع في مواجهة جائحة المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية، والتي تشارك فيها سواء عن قصد أو جهل بعض المؤسسات الإعلامية، ما يستدعي جهودًا جماعية لمكافحة مثل هذه الظاهرة بنشر الحقائق والارتقاء بالمنظومة الإعلامية بوجه عام.
وتحدث خلال المنتدى، الذي عقدت أعماله على مدار يوم واحد تحت شعار “الإعلام العربي.. المستقبل رقمي”، نخبة من القيادات الإعلامية العربية والعالمية وكذا رموز لها مكانتها وثقلها في عالم الإعلام، حيث استضاف المنتدى عن بُعد معالي أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام في جمهورية مصر العربية، الذي دعا في كلمته إلى وضع استراتيجية إعلامية تضمن التنسيق وتعزيز الاتصال بين الدول والشعوب العربية.
فريدنبرغ .. احذروا التضليل
كما شارك في الحديث أمام المنتدى مايكل فريدنبرغ، رئيس وكالة “رويتزر”، الذي حذر من ظاهرة انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، وحمّل المؤسسات الإعلامية مسؤولية تثقيف المُتلقّي حول أبعاد تلك الظاهرة ومساعدته على فرز ما يصله من أخبار ومعلومات، وأن تقدم له البديل الذي يمتاز بالصدقية والموضوعية.
حوارات متنوعة
وشمل المنتدى كذلك جلسة حوارية شارك فيها عبد الرحمن الراشد، الكاتب في صحيفة الشرق الأوسط، قدّم خلالها تقييمه للإعلام العربي خلال المرحلة السابقة ورؤيته لمستقبله، لاسيما في ظل التداعيات عميقة التأثير التي جلبتها أزمة (كوفيد–19) العالمية.
كما استمع المنتدى لكلمة الخبير الإعلامي ميريل براون، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “نيوز بروجيكت” الأمريكية، المتخصصة في دعم رواد الأعمال والمستثمرين الجدد في مجال الأخبار، حول مستقبل صناعة الأخبار في ضوء التجربة الأمريكية خلال العام 2020م وفي ظل تداعيات أزمة (كوفيد – 19) العالمية.
واستعرضت جلسة حوارية بعنوان “الإعلام العربي.. تحولات جيوسياسية” جملة من الموضوعات المتعلقة بسبل استعادة دور الإعلام في خدمة الناس ومناقشة قضايا المجتمع، والأسباب التي تقف وراء تراجع أداء الإعلام العربي، وتأثيره اثناء الأزمات، والتوقعات حول التحولات القادمة في المنطقة سواء كانت سياسية أو إعلامية.
وكانت منى غانم المري، رئيسة نادي دبي للصحافة، الجهة المنظمة لمنتدى الإعلام العربي، قد ألقت كلمة خلال المنتدى الافتراضي، رحبت فيها بالمشاركين ووجهت لهم الشكر على جعل هذه الدورة الاستثنائية ممكنة بمشاركة أفكارهم ورؤاهم، حتى وإن كان اللقاء عن بُعد، مؤكدة أن انعقاد المنتدى في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها المنطقة والعالم، يحمل رسالة مهمة كحافز على الاستمرار والعمل لمستقبل إعلامي عربي أفضل، منوهةً أنه رغم صعوبة التحديات التي فرضتها جائحة (كوفيد –19) إلا أنها لم تحل دون تنظيم هذه الدورة من اللقاء السنوي المهم.