الذكاء الاصطناعي في الإعلام والترفيه (7)
من التجريب المبكر إلى التطبيقات المعاصرة، يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًّا في إعادة تشكيل المشهد الاتصالي برمته، وأثر على صناعات الإعلام والترفيه والإعلان، مما أدى إلى حالة تغيير انقلابية في طريقة إنشاء المحتوى وتوزيعه واستهلاكه ومشاركة الجمهور، علاوة على الجدل المثار في الجوانب المهنية والأخلاقية المرتبطة باستخداماته.
وكما نرى ونتابع كل يوم تحمل تطورات الذكاء الاصطناعي وعودًا بتطبيقات أكثر تقدمًا من شأنها تشكيل الصناعة بطرق عميقة.
في هذه الحلقات نتتبع تطور وأوجه الاستخدامات من تحليل البيانات المبكر إلى العصر الحالي للتعلم العميق والأتمتة، وفي هذه الحلقة نتحدث عن التصوير الصحفي بأدوات الذكاء الاصطناعي.
ثورة في عالم التصوير الفوتوغرافي
بشكل عام، أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في عالم التصوير الفوتوغرافي، حيث أصبح بإمكانه تحسين جودة الصور، تعديل الإضاءة والألوان والحدة تلقائيًّا للحصول على صور أكثر وضوحًا، يضاف إلى ذلك خاصية التعرف على المشاهد، فبعض الكاميرات الذكية تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد المشهد وضبط الإعدادات المثلى تلقائيًّا، بل بات بالإمكان إزالة العيوب وإصلاح الصور القديمة أو إزالة التشويش والضبابية للحصول على نتائج أكثر احترافية، وبعض الأنظمة قادرة على تحويل الرسومات إلى صور واقعية أو حتى توليد صور جديدة تمامًا.
ويمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الصور وتحديد العناصر المهمة مثل الوجوه، الأماكن، والأحداث، مما يساعد الصحفيين في تصنيف الصور بسرعة، كما يمكنه التعرف على المشاهد وتقديم معلومات إضافية حول السياق، مما يعزز دقة التقارير الصحفية.
في السياق، من المتوقع أن يستمر الذكاء الاصطناعي في التطور، مما يوفر أدوات أكثر تقدمًا للصحفيين، وقد نشهد تقنيات جديدة مثل التصوير التلقائي بالذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للكاميرات الذكية التقاط الصور وتحليلها دون تدخل بشري.

التصوير الصحفي الذكي
قبل الدخول في التطورات التي لحقت بالصورة الصحفية بالذكاء الاصطناعي، نتعرف هنا على التصوير الرقمي الذي يبدو معقدًا بعض الشيء لغير المحترفين، ببساطة التصوير الرقمي هو عملية التقاط الصور ومعالجتها باستخدام الأجهزة الإلكترونية، وهو ينطوي على استخدام الكاميرات الرقمية أو الهواتف المحمولة المزودة بكاميرات لالتقاط الصور، ثم تُخزن هذه الصور كملفات رقمية يمكن عرضها وتحريرها ومشاركتها رقميًّا.
يتضمن التصوير الرقمي استخدام الكاميرات الرقمية الذكية التي تحوّل الضوء الوارد إلى إشارات إلكترونية يمكن تخزينها ومعالجتها كملفات رقمية، ويمكن عرض هذه الملفات وتحريرها ومشاركتها باستخدام برامج الكمبيوتر والأجهزة الذكية الأخرى.
فهم الصورة الصحفية
بشيء من لغة الفلسفة الجمالية تعتبر الصور الفوتوغرافية تمثيلات للصور المستخدمة في التواصل الصحفي، فهي تُثير مشاعر القراء وتُثير عواطفهم تجاه الموضوع المُعروض، وقد أحدث اختراع الكاميرات الذكية الرقمية ثورةً في مجال التصوير الفوتوغرافي، إذ وفّر العديد من المزايا مقارنةً بالتصوير الفوتوغرافي التقليدي القائم على الأفلام.
أما الصحافة التصويرية، فهي شكل مؤثر من الصحافة، يستخدم الصور الفوتوغرافية لسرد قصة أو تغطية أحداث إخبارية، حيث تجمع هذه الصحافة بين التصوير الفوتوغرافي ونقل الأحداث الإخبارية لخلق سرد بصري، وهي ممارسة التقاط صور أسرة تروي قصة، وتنقل المشاعر، وتقدم منظورًا فريدًا للأحداث الجارية.
وتهدف الصحافة التصويرية إلى توثيق الحقيقة الموضوعية حول موقف ما بصريًّا وتوصيلها، موفرةً للمشاهدين تمثيلًا بصريًّا للأحداث التي وقعت، وهي تجمع بين الأخلاقيات ورواية القصص والجماليات البصرية لنقل جوهر القصة الإخبارية.
أدوات ذكية متقدمة
حاليًّا توفر بعض البرامج ميزات تحرير تلقائية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل تحسين الألوان وإزالة العيوب، كما يمكن تصنيف الصور تلقائيًّا، والتعرف على الوجوه، وفرزها بناءً على المحتوى، مما يسهل إدارة الأرشيفات الكبيرة، وقد برزت العديد من الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تجعل تحرير الصور أكثر سهولة ودقة، مما يساعد المصورين على تحقيق نتائج احترافية بسرعة وبسهولة وكفاءة، منها على سبيل المثال:
1- لومينار نيو (Luminar Neo):
يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين الصور تلقائيًّا، مثل تعديل الإضاءة واستبدال السماء وتحسين ملامح الوجه، وهو يعتبر أداة لكل من المصورين الهواة والمحترفين، وهو يحتوي على محرك معياري، يقوم بتوزيع الحمل بشكل متساوٍ لتسريع معالجة الصور، وهذا يسمح للمصورين بتطبيق العديد من التعديلات المختلفة على الصورة دون فقدان كبير في الأداء، كما يحفظ جميع التعديلات بشكل تلقائي.
2- جنرايتف فيل – أدوبي فوتوشوبAdobe Photoshop (Generative Fill) :
ميزة تعتمد على الذكاء الاصطناعي تتيح للمستخدمين إضافة أو إزالة أو تعديل العناصر في الصورة باستخدام أوامر نصية بسيطة، حيث يمكن للمستخدمين تحديد منطقة في الصورة، وإدخال وصف لما يريدون توليده، وسينشئ فوتوشوب محتوى يتماشى بسلاسة مع الصورة الموجودة، وتعتبر هذه الأداة مفيدة بشكل خاص لتمديد الصور، وملء الفجوات، أو حتى إنشاء عناصر بصرية جديدة تمامًا بأقل جهد.
3- إيماجن أيه أي Imagen AI:
هو برنامج تحرير صور مدعوم بالذكاء الاصطناعي مصمم للمصورين المحترفين، فهو يتعلم أسلوب المصور الشخصي في التحرير ويطبقه تلقائيًّا على الصور الجديدة، مما يوفر الوقت ويضمن التناسق، وبعض من ميزاته الرئيسية التخزين السحابي ما يوفر نسخًا احتياطية آمنة لمشاريع التصوير.
تحديات أخلاقية ومهنية
مع كل الذي ذكرنا فإن الراحة التي توفرها تقنية الذكاء الاصطناعي تثير
– أيضًا – مشكلات وتحديات جديدة، وتشمل هذه الأسئلة أسئلة حول صحة الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، والخصوصية الشخصية، والتحيز، والإنصاف.
وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة، يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في التصوير الصحفي تحديات أخلاقية، مثل إمكانية التلاعب بالصور أو إنشاء صور مزيفة، لذا يجب على الصحفيين استخدام هذه التقنيات بحذر لضمان النزاهة والمصداقية.
فمع انتشار الأخبار الكاذبة، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة مهمة في التحقق من صحة الصور، ويمكنه مقارنة الصور بمصادر موثوقة، تحليل البيانات الوصفية، وحتى اكتشاف التعديلات غير المشروعة، هذا يساعد الصحفيين في ضمان دقة المعلومات التي ينشرونها.
تقول آنا لينا مهر، من جمعية وورلد بريس فوتو (World Press Photo): “يولد الذكاء الاصطناعي صورًا لا يمكن تمييزها عن الصور الفوتوغرافية الحقيقية والقيم الأساسية في كل ما نقوم به من حيث الدقة والتنوع والشفافية، ومع الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يتضمن توليد الصور المتاح الآن للجمهور العام، تم تحدي فكرة ما يمكن الوثوق به، حيث بات من الممكن توليد صور واقعية إلى حد أنه يمكن الخلط بينها وبين الصور الفوتوغرافية، مما يشكل تهديدًا حقيقيًّا للصحافة التصويرية”.
كما ترى أن الصحافة التصويرية أصبحت شاهدًا موثوقًا به لما يحدث في العالم، وتؤدي نزاهة ومسؤولية المصور الصحفي دورًا كبيرًا في هذه القيمة لذلك، فمن الضروري للصحافة التصويرية أن تكون قادرة على التمييز بين الحقيقة والخيال.
وأخيرًا فقد أحدث ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي تحولاً جذريًّا في مجالي التصوير الرقمي والصحافة التصويرية، مقدمًا فرصًا واعدة وتحديات هائلة في آن واحد، ومع ذلك يهدد انتشار برامج التحرير المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وتقنيات التلاعب بالصور بتقويض مصداقية الصحافة التصويرية، إذ يمكن أن تؤدي الصور المُعالجة بسهولة إلى معلومات مضللة وتآكل ثقة الجمهور في وسائل الإعلام المرئية.
تساؤلات مشروعة
بينما يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانيات مذهلة، فإنه يثير – أيضًا – تساؤلات حول مستقبل المصورين المحترفين، حيث قد يقلل من الحاجة إلى بعض المهارات التقليدية، ومع ذلك، يبقى الإبداع والرؤية الفنية عناصر لا يمكن استبدالها بالكامل بالتكنولوجيا.
ففي النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة لتحسين الصور، بل هو وسيلة لتعزيز دقة الصحافة البصرية وضمان مصداقيتها، ومع ذلك يجب استخدامه بحكمة للحفاظ على القيم الصحفية الأساسية.