– 2700 مادة إعلامية عربية وعالمية في أسبوعين تابعها أكثر من نصف مليار شخص.
– منصات الإعلام التفاعلية تتسلم دفة التغطية مع قرب لحظة الانطلاق.. وتويتر يتصدر.
-المحتوى المعرفي ينقل المشاهد إلى خانة الخبير .. والواقع المعزز “يعزز” تجربة المشاهدة.
– سلطان بن سلمان: المركبة تنطلق بنا كلنا .. ونحن دولة واحدة.
“مسبار الأمل”.. هو اسم المهمة الخليجية والعربية الأولى لاستكشاف المريخ، والتي كانت تستحق منا كذلك استكشاف المهمة الإعلامية التي واكبت بها دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن أصبحت واحدة من تسع دول فقط في العالم تدخل مجال تعرّف الكوكب الأحمر.
ومن المخطط أن يقطع «مسبار الأمل» مسافة (493.5) مليون كيلومتر للوصول إلى مدار المريخ في شهر فبراير 2021م حيث سيتزامن ذلك مع اليوبيل الذهبي لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
الأمل .. في مواجهة الجائحة
20 يوليو كان هو اليوم الذي شهد لحظة الصفر بعد أول عد تنازلي باللغة العربية لمهمة فضائية، وبينما كان المسبار يشق عنان السماء بسرعة تجاوزت (30) ألف كيلو متر في الساعة، فقد كان يتصدر “الترندات” على الأرض ويجذب المتابعة كنصر علمي تسجله البشرية في ذروة اتجاهها إلى فضاء المعرفة، وكخبرٍ سعيد يتصدر عناوين النشرات التي أثقلتها أخبار جائحة كورونا المستجد وتداعياته الصحية والاقتصادية على العالم.
في هذه الأثناء كانت الخطة الإعلامية لمواكبة المسبار تركز على إيصال فكرة المشروع ورسالته، بوصفه ليس مهمة علمية فقط وإنما مشروع علمي وحضاري وإنساني.
الكلمة للأرقام.. وللمنصات الرقمية
إنْ كان المسبار قد غاب عن الأنظار خلال ثوانٍ قليلة من انطلاقته إلا أنه لم يغب عن أعين الرصد والتحليل الإعلامي، لأن مسبار التغطيات الإعلامية – عربيـًّا وعالميـًّا – كان قد انطلق مبكرًا من الشهور التي سبقت لحظة الانطلاق التاريخية، فحينما بدأ العد التنازلي كان (1.5) مليار شخص قد عرفوا بالفعل عن هذا الحدث من خلال المواد التي وصلتهم بمختلف اللغات، فيما شهد الأسبوعان الأولان من شهر يوليو نشر (2700) مادة إعلامية أصيلة في المنصات الورقية والرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي شاهدها (516) مليون شخص من مختلف أنحاء العالم، كما تمَّ إجراء أكثر من (250) مقابلة إعلامية مع أعضاء فريق مسبار الأمل، وقد جاءت هذه الأرقام في دراسة رصد استقصائية قام بها المكتب الإعلامي لحكومة الإمارات، بالتعاون مع مراكز بحثية ومسحية، ونشرتها صحيفة الرؤية الإماراتية.
وسلطت الدراسة الضوء على خطة التغطية الشاملة لمسبار الأمل في وسائل الإعلام الإماراتية، والتي أفردت له خلال الأسبوعين الأولين من يوليو أكثر من (60%) من المحتوى المحلي لهذا الموضوع، وهي النسبة التي ارتفعت إلى أكثر من (75%) في أسبوع ما قبل الإطلاق، وهي الفترة التي انتقلت فيها التغطية بشكل أكبر نحو وسائل التواصل الاجتماعي، تصدرها «تويتر» ثم إنستغرام، ثم «يوتيوب» و«فيسبوك»، في حين سجلت حملة المحتوى التحفيزي عبر المنصات الرقمية أكثر من (680) مليون مشاهدة وتفاعلاً خلال الشهور الثلاثة التي سبقت انطلاق المسبار نحو الفضاء.
وكانت تغطية قنوات أبوظبي للإعلام لمسبار الأمل قد بدأت مطلع شهر يوليو من خلال تخصيص فقرة يومية في نشرات الأخبار، ثم توسعت التغطية ببرنامج يومي متخصص، وصولاً إلى ساعات البثِّ المباشر لتغطية انطلاق “مسبار الأمل” إلى كوكب المريخ.
من برج خليفة .. إلى منصة تانيغاشيما
اعتادت أنظار الملايين أن تتجه مطلع كل عام إلى دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث يحتفل أعلى برج في العالم بطريقة مبهرة بدخول السنة الميلادية الجديدة، غير أن العد التنازلي هذه المرة كان مختلفـًا من حيث موقعه الزماني والمكاني، ولم يكن مختلفـًا من حيث ارتباطه بأيقونة فخر عربية وخليجية إماراتية، وما قبل البثِّ المباشر للثواني العشر الحاسمة، كانت هنالك قصة يكتبها الإعلام لتصل بكل مهنية إلى أكبر شريحة ممكنة.
“إذاعة وتلفزيون الخليج” تابعت هذه الرحلة في جانبها التلفزيوني حيث نجحت شبكة قنوات أبو ظبي للإعلام في تحويل ست ساعات متواصلة من التغطية المباشرة إلى وقت لا يفقد المشاهد فيه لحظات الترقب ويحتفظ دائمـًا بمزيد من رغبة المتابعة، ولم يكن الأمر معتمدًا فقط على الطبيعة النوعية لهذا المحتوى الاستثنائي الذي لا يحدث كثيرًا، وإنما كذلك بضرورة صناعة مواد إعلامية متنوعة بطريقة احترافية، بحيث تصنع للمشاهد المنصة التي يقف عليها ليفهم الحدث بعقله وثقافته قبل أن يعيشه بعينه وبمشاعره.
كواكب المجرة .. ضيوف الاستوديو
يبدأ رسم البيئة الذهنية والنفسية للمشاهد من تشكيل المشهد البصري، وهذا ما تمَّ وضعه في الاعتبار حينما أخذ الأستوديو الرئيسي شكل المجرة التي تلتمع في خلفيتها النجوم ليظهر المذيعون والضيوف كما لو كانوا يتوسطون مدارات الفضاء الخارجي ويتحدثون منها بالفعل، وبينما يدور الحوار حول محور الموضوع، وتتنقل الكاميرا في اتجاهات متعددة، تبدو المجرة المتخيلة كما لو أنها دعت مجموعة كواكب للجلوس، والنقاش مع الضيوف.
المعرفة.. جاذبية خارج الجاذبية
عندما خرج المسبار الذي يزن حوالي (1350) كيلوجرام، عن نطاق الجاذبية، كانت الفرصة مواتية للإعلام أن يراهن على المحتوى المعرفي للاحتفاظ بجاذبيته أمام المشاهدين، لا سيما في المنطقة العربية التي تجاوز التوقيت فيها منتصف الليل، ولعل من المهم أن نشير هنا إلى أن انطلاق هذه المهمة في هذه المرحلة من عمر التقنيات الإعلامية كان دافعـًا قويـًا لإيجاد رؤية إخراجية وإنتاجية لم يكن بالإمكان المراهنة عليها في مراحل سابقة.
حضر الواقع المعزز فجعل المذيعين ينتقلون بخطواتهم بين مسارات الأقمار الصناعية ويتجولون بين مراحل تصنيع المسبار المختلفة، كما حضرت صحافة البيانات في تصاميم الانفوجرافيك والموشن جرافيك التي قدمت للمشاهد بلغة مبسطة كل المعلومات التي يحتاجها ليفهم على وجه التحديد كيف تدار هذه التجربة وما تفاصيلها الأساسية وأهميتها العلمية التي سيستفيد منها العالم، ممثلاً في أكثر من (200) مؤسسة أكاديمية وبحثية.
خبراء يترقبون .. أجيال تستلهم
وبينما تقوم ساعة زمنية في أعلى الشاشة بحساب المدة المتبقية، كانت المهمة الفضائية تكمل استعدادها، فيما يقود المهمة الإعلامية (11) مذيعـًا ومراسلاً متصلين مع مواقع البث الرئيسية الثلاثة، وهي: الاستوديو الرئيسي في أبو ظبي، ومركز محمد بن راشد للفضاء في دبي، و موقع انطلاق المسبار في جزيرة “تانيغاشيما” اليابانية، استضافت التغطية أعضاء من فريق العمل الإماراتي الذي ضم أكثر من (200) مهندس ومهندسة، كما استضافت عبر الأقمار الصناعية عددًا من خبراء مجال الفضاء من حول العالم، ولم يكن هذا الجانب منفصلاً عن (15) تقريرًا تلفزيونيـًّا ركزت على مهمة مسبار الأمل من زوايا علمية واقتصادية، وتناولت مشروع الإمارات في استكشاف الفضاء، كجزء من اهتمام هذه الدولة الخليجية بآفاق التطور، وصعودها المستمر في مؤشرات الاهتمام بالابتكار والعلوم والتكنولوجيا.
ولأن هذه المهمة تستهدف المستقبل، لم يغب هذا عن ذهن التغطية في وسائل الإعلام الإماراتية، والتي لم تستثن قناة ماجد المتخصصة في الأطفال، حيث كان لها تغطية ممتدة بالتزامن مع القنوات الأخرى، تمَّ خلالها استضافة متحدثين يشرحون للنشء جوانب محفزة وملهمة في هذه المهمة التي سجلها التاريخ، بما يعزز لديهم حبّ استكشاف الفضاء ويعمق فيهم روح الانتماء والاعتزاز بدور حضارتهم في مجالات العلم.
سلطان بن سلمان .. ذكريات وأمنيات
كانت استضافة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، أول رائد فضاء عربي مسلم، رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء، لفتة مميزة في هذه التغطية الإعلامية، حيث استعاد ذكريات رحلته الشهيرة في ثمانينيات القرن الماضي، وتحدث عن أهمية الهدوء في شخصية رائد الفضاء، مشيدًا كذلك بتزامن هذه المهمة مع ازدهار عصر العلم مقارنة بما كان عليه الأمر قبل عقود من الآن، حيث كان اكتشاف الفضاء رحلة غير آمنة.
الأمير سلطان وصف مسبار الأمل بالخطوة الجبارة، قائلاً: إنه يشعر كما لو أنه موجود في هذه الرحلة وهي تتجه للفضاء، ومتمنيـًّا أن تجمع رحلة مستقبلية بين رواد فضاء سعوديين وإماراتيين معـًا، قبل أن يعلق مبديـًا فخره كخليجي وكعربي وكمسلم “المركبة تنطلق بنا كلنا .. ونحن دولة واحدة”.
لقطات من فضاء التغطية
مسبار الأمل.. جسم يمكن مقاربته بحجم سيارة صغيرة، وصل إلى موقع الإطلاق في شهر أبريل الماضي، بعد رحلة برية وبحرية وجوية تحدت عوائق التنقل التي فرضتها جائحة كورونا، وفي صباح العشرين من يوليو أصبح المسبار على أهبة الانطلاق، قبل ذلك بساعات أبدى مدير وكالة الإمارات للفضاء الدكتور محمد الحبابي ارتياحه للظروف الجوية، هذه الظروف التي يمكنها ببساطة أن تؤجل موعد إطلاق الصاروخ، وقبل ربع ساعة من اللحظة الحاسمة، يتم اتخاذ القرار النهائي بهذا الشأن.
في الاستوديو، من أبوظبي، لغة التغطية تأخذ طابعـًا أدبيـًّا يملأه الفخر، وفي غرف العمليات والتحكم من مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي.. شباب إماراتيون في لحظات ترقب وتركيزٍ عالٍ، الضيوف يتحدثون عن هذه اللحظة من زواياهم المختلفة، يحللون التفاصيل الفنية والتقنية ويشرحون المراحل المتوالية لهذه الرحلة الاستثنائية، كان من أبرزهم الدكتور فاروق الباز، الخبير العربي العالمي يتحدث من الولايات المتحدة متذكرًا الاهتمام الشخصي الذي لمسه لدى الشيخ زايد – رحمه الله – حيال اكتشاف الفضاء، حيث يأتي هذا اليوم كتجسيد لحلمٍ لطالما آمن برؤيته يتحقق.
خلال دقائق، اقترب العد التنازلي، دور المهندسين الذي بدأ منذ ست سنوات انتهى ولم يعدّْ بإمكانهم الآن سوى أن يشاهدوا ما سيحدث، انطلق الصاروخ من جزيرة تانيغا شيما الواقعة جنوب غرب اليابان متجهـًا منها نحو الشرق وغاب عن الأبصار وبقيت متابعته عبر برنامج محاكاة رقمي ثلاثي الأبعاد، كانت أنظار الإعلام معلقة بين السماء والأرض في انتظار الرسالة التي ستأتي من المسبار الذي يتسارع وصولاً إلى (121) ألف كلم في الساعة، فهم المشاهدون من المختصين أن هذه الرسالة تمثل علامة نجاح هذه المرحلة من عمر المسبار الذي سيشحن نفسه ذاتيـًّا من الشمس، ليحلق على مدى (7) أشهر قادمة بسرعة (11) كلم في الثانية، قبل أن يصل إلى مدار الكوكب الأحمر في فبراير 2021م ليدور حوله دورة كاملة مدتها (55) ساعة، من شأنها دراسة واستقراء الطبيعة العلمية لكثير من الظواهر على مرِّ سنة مريخية كاملة، وهي مسافة زمنية تساوي سنتين أرضيتين تقريبـًا.
الانطلاق الآمن هو أهم تحدٍ نجح فيه الصاروخ الذي يحمل مسبار الأمل، وفقًا لمختصي الفضاء في الاستوديو، فالثواني الأولى هي الأخطر، والخمس دقائق الأولى هي الأكثر جذبـًا للمشاهدة، وبينهما كانت المشاعر والأنفاس والتعابير في لحظات استثنائية، عالم الفضاء الذي يوصف بعراب اكتشاف المريخ الدكتور شارل العشي كان يتحدث من كاليفورنيا مقدمـًا وصفـًا متخصصـًا للمهمة الفضائية باللغة الإنجليزية، لكنه أبى إلا أن يستعيد جذوره الثقافية وهو يرى نجاح الانطلاق فتحدث بالعربية قائلا: “أنا فخور بأبناء وبنات الإمارات”، مع مرور الدقائق يتضح هذا النجاح أكثر فأكثر حتى اكتمل بوصول الإشارة المرتقبة من المسبار إلى مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي، لتأخذ التغطية طابعـًا احتفاليـًّا، ويبدأ “عيال زايد” يظهرون في لقاءات متوالية من مواقع البثِّ، مسؤولون ومهندسون من فريق اكتشاف الفضاء، قال أحدهم بثقة: “هذه هي البداية فقط”، وبدت خلفه الهوية الموحدة التي كانت شعار التغطية الإعلامية الناجحة “لا شيء مستحيل”.