تطبيق المشاهدة الترفيهي في طريقه للتحول إلى “الوسيلة البديلة القادمة”
-صرامة القوانين تزيد موثوقية “اليوتيوب”.. وذكاء الخوارزميات يعزز ولاء المستخدمين.
-كيف أسهم تقليل جودة الفيديوهات في مساعدة الكوادر الصحية على مواجهة كورونا؟
-المنصة المرئية الأشهر .. تصنع المستثمرين، وتعلّم الملايين، وتستعيد أمجاد الصحفيين.
-الشاشات الذكية تستبدل أجهزة الاستقبال.. والمتاحف تستعد لاستقبال مزيد من الأجهزة.
بينما كانت النقاشات تدور حول تراجع الإقبال على وسيلة إعلامية أو انحسار أخرى خلال فترة زمنية ما، وفيما تواصل الصحف والقنوات تطوير أدواتها وهوياتها لإعادة التموضع في الخارطة الإعلامية – والإعلانية بالطبع – كان الجمهور يتابع تشكل حقائق جديدة على المشهد، وكانت منصات جديدة تظهر بأرقام وإحصائيات تعبّر عن أحدث التوجهات الفعلية لنطاقات واسعة من المتابعين والمستعدين كل يوم لتحويل البوصلة بين لحظة وأخرى نحو خيارات أكثر جاذبية بالنسبة لهم، وأفضل من حيث تجربة الاستخدام، هذا ما حدث تحديدًا، مع مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يحدث مع “اليوتيوب” اليوم، الموضوع الذي نحاول في السطور التالية استكشاف زواياه المؤثرة مباشرة في صناعة الإعلام المرئي، اليوم وإلى الأبد.
خارج صندوق التلفزيون
في ديسمبر المقبل، يكتمل مرور (16) عامًا على الانطلاقة الرسمية لأشهر منصة عرفها العالم لعرض المقاطع المرئية، الموقع الذي يعيش اليوم لحظته غير المسبوقة من حيث الإقبال والتفاعل، والتي لم يتوقعها مؤسسوه قبل متابعوه، فـ”اليوتيوب” لم يعدّْ مجرد وسيط ترفيهي توضع أيقونته بحكم العادة مع أيقونات “تويتر” و”الفيسبوك” حين يأتي الحديث عن الإعلام الجديد، لا سيما مع وصول خدمات البثِّ المباشر التي يقدمها إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، كل شيء يحدث يومًا بعد يوم، ليخبرنا أن هذا الموقع ذو العلامة الحمراء المميزة، يتجه ليكون الحلّ الذي جاء من خارج الصندوق ليصبح التحول القادم في فكرة التلفزيون.
تطوير لا يحقق التغيير
يمتلك “يوتيوب” التفوق النوعي على ما ظلت تقدمه الشاشة الفضية على مستوى عقود من الزمن، ويمثل هذا جزءًا موضوعيًّا من تطور كل شيء تقريبًا، إذ دخلت الإنترنت كمنصة للمشاهدة بعد أن ظلت مقتصرة على الستالايت خلال العقود الثلاثة الماضية فقط، واقع كهذا جعل قنوات فضائية تقوم بعمليات تطوير كلية في شكلها ومضمونها، ولكن لم يحدث ذلك فارقـًا يذكر على مستوى نسب المتابعين واجتذاب المعلنين، الأمر الذي بدا كدليل واضح بأن المشكلة ليست في المحتوى بقدر ما هي في القالب الذي يحمله، وعلى الأرجح فإن التلفزيون الذي مثل ثورة إعلامية مع ظهوره، قد يضطر للاختفاء قريبًا، في مواجهة ثورة إعلامية جديدة.
مرحلة ما بعد “الريموت”
مطلع ديسمبر 2018م، كتب الإعلامي السعودي هاني الظاهري مقالاً في صحيفة “عكاظ” تحدث فيه عن نهاية عصر الفضائيات التقليدية في وجود تطبيقات البثِّ التلفزيوني والشاشات الذكية، منطلقًا من تجربة شخصية تخلص فيها من “الدش والرسيفر” ومعلقًا: “لا أتصور كيف يقضي شخص وقتـًا طويلاً في الانتقال من قناة لقناة عبر الريموت بحثـًا عمـّا يمكن أن يتابعه!”.
لماذا يترك الناس التلفاز؟.. تعيدنا إحدى أهم الإجابات إلى النقطة التي طرحها الكاتب هاني الظاهري، وهي قيمة الوقت التي تزداد يومًا بعد يوم، وهو ما سيجعل من غير المقبول أن يترك المشاهد قرار المشاهدة لعشوائية وصول “الريموت” في لحظة ما إلى برنامج أو آخر في قناة أو أخرى، حين تجد وقتـًا لمتابعة مادة مرئية فمن حقـّك ألا تترك ذلك للصدفة فقط، إلا إذا كانت متابعة التلفزيون أمر يحدث بحكم العادة المنزلية ليس إلا، أو وفقًا للجداول المبرمجة سلفًا، فحينها قد لا تحتاج إلى إحداث تغيير جذري نحو تجربة كالتي توفرها مشاهدة الإنترنت.
مئات الأضعاف.. بلا توقف
في العام 2018م، قدّر موقع “بيزنس انسايدر” القيمة السوقية للـ”يوتيوب” بما يعادل (160) مليار دولار، وذلك في تقرير نشرته الصحف بعد (12) عامًا من عملية استحواذ العملاق التقني “غوغل” على منصة الفيديو الأشهر في العالم بمبلغ لم يتجاوز حينها (1.65) مليار دولار، ولم يكن ذلك كل شيء.
في العام 2019م، أعلنت الشركة المالكة للـ”يوتيوب” عن إيرادات تجاوزت (15) مليار دولار وفقـًا لتقرير نشرته “سي إن إن”، وهو الإيراد الذي قفز إلى (46) مليارًا في عام 2020م، فيما نشرت صحيفة “الوطن” السعودية خبرًا عن تضاعف القيمة السوقية للـ”يوتيوب” وصولاً إلى (300) مليار دولار نقلاً عن موقع “بزنس انسايدر” نفسه.
“كيان إعلامي” يتشكل افتراضيًّا
هذه الأرقام جعلت الصحف تبدأ بوصف “يوتيوب” بعبارة “كيان إعلامي”، هي ذاتها التي جعلت المزيد من الملايين كل يوم يقضون وقتـًا أكثر في مشاهدته، وقد نشرت الكاتبة سلمى أمين، المهتمة بالأعمال والشبكات على شبكة الإنترنت، مقالاً في مارس 2021م تضمن مجموعة من الأرقام المحدثة، قدّرت فيه عدد مستخدمي “يوتيوب” بمليار و(900) مليون مستخدم، وأن الدقيقة الواحدة تشهد تحميل (44) ساعة من المقاطع الجديدة، فيما يزور الموقع يوميًّا (30) مليون زائر من أنحاء العالم، ويقضي المتابعون فيه أكثر من مليار ساعة، كل يوم نصفها تقريبًا بالهواتف الذكية، ومن المهم هنا أن نشير إلى أن التوصل لإحصائية ثابتة تتعلق بـ”يوتيوب” هو أمر بالغ الصعوبة، لأنه أمر مستمر التغير، وهذا في حد ذاته كافٍ ليجعلنا نقف على حجم التحولات التي تحدث في موقع بدأ بالفعل في إجراء تغييرات كبيرة، أحدها فقط هو منصة (YouTube TV) التي من شأنها أن تكون البديل الموضوعي المعلن، لاستخدام التلفزيون التقليدي، من دون أن يكون المبادرة الأخيرة التي يطلقها “يوتيوب”.
قوة التنافس بخصوصية التجربة
ببساطة، التجربة التي نتحدث عنها هي أن تشاهد ما تريد في الوقت الذي تريد، بحيث تتكيف المادة المعروضة مع برنامجك اليومي، وبحيث تصبح عبارة مثل “لقد فاتتني هذه الحلقة من المسلسل” من الماضي، هذه التجربة أصبحت محورًا أساسيًّا اتبعته بعض القنوات الفضائية المدفوعة لجذب المشاهدين الجدد إليها، فهي توفر لهم تسجيل البرامج التي يرغبون في مشاهدتها، وكذلك إيقاف المشاهد وإعادتها وتقديمها كما يريدون، هذه الخدمات التي تبدو في التلفزيون كعناصر ذات قيمة إضافية، هي تمامًا ما يوفره “يوتيوب” في أبسط مظاهره، فهو تجربة خاصة بالكامل، بانتقائية تامة للمستخدم، بحيث يصل إلى المرحلة التي لا يشاهد فيها أي دقيقة، من دون أن تكون ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بأحد اهتماماته الشخصية، هذه الميزة لم تكن يومًا بذات الدقة التي هي عليها الآن، حيث أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي تعمل لتخصيص تجربة المستخدم على “يوتيوب”، وهذا جزء فقط مما تقوم به.
مخاوف الملكية الفكرية.. إلى زوال
يتصل الجزء الآخر بحماية حقوق الملكية الفكرية، وهو الجانب الذي بدأ “يوتيوب” بتقييده بقواعد صارمة تؤكد جدية هذا الموقع في التحول إلى منصة إعلامية موثوقة لصناع المحتوى، مع مراعاة درجة غير مسبوقة من التحكم بالمحتوى من حيث عدم انتهاك المواثيق الإعلامية والأخلاقية المتعارف عليها في بقية الوسائط الإعلامية، ولعل هذا يفسر ما لاحظه المتابعون خلال العامين الماضيين من اختفاء عدد كبير من المقاطع التي سبق لهم مشاهدتها، حيث تمت إزالتها لأسباب تتعلق غالبًا بمخالفات في إنشاء المحتوى أو في المحتوى نفسه، وعلى الرغم من أن ما يُعرف بمقاطع النشر التي كان ينشرها “الطرف الثالث” قد لعبت الدور الأكبر في الشهرة التي تحققت لليوتيوب، إلا إن هذه المنصة في الغالب لن تتقبلهم مستقبلاً، إلا في حالة أن يتحولوا إلى صناع محتوى فعليين، أو كناقلين لمحتوى في إطار قواعد ومواثيق الملكية الفكرية.
ليس بالأستوديو وحده.. يشتهر الإنسان
ولأننا وصلنا إلى جزئية صناع المحتوى، فمن المناسب القول: “إن يوتيوب قد طور خلال السنوات الماضية مجموعة من القوانين الكفيلة بضمان الربحية لمنتجي المحتوى الذين يمثلون أساس تميز هذه المنصة، خصوصًا أنها تعد وسيطـًا لنشر المواد المرئية وليست منتجة لها، على الأقل في الوقت الراهن”، وأمر كهذا كان له الدور في شهرة كثير ممن حملوا مقاطعهم لتحقق ملايين المشاهدات في أوقات قياسية، وهو ما لم يكن يحدث عبر أي وسيلة أخرى، فضلاً عن أن كبرى المؤسسات الإنتاجية والقنوات الإخبارية والفنية قد انضمت جميعها إلى “يوتيوب” بإنشاء حساباتها الرسمية للوصول إلى الشريحة التي تركت مشاهدة التلفاز منذ وقت طويل، في حين وجد فيه الأفراد وسيلة عملية رخيصة الثمن مقارنة بعمليات الإنتاج التقليدية وتكاليفها التقنية والفنية، فضلاً عن كلفة عرضها وتسويقها على القنوات الفضائية، في مشوار طويل قد لا ينجح غالبًا، وإن نجح فقد لا يحقق بالضرورة الانتشار ذاته الذي يحققه “يوتيوب” بكل ما فيه من سرعة الوصول، ومن مكاسب تكفل الاستمرارية.
الأرشيف الحديث لذاكرة المشاهدة
تجسدت أهمية “يوتيوب” في ملايين الساعات المتواصلة من المواد التلفزيونية قد تمَّ ضخها في “يوتيوب” حتى أصبح اليوم أرشيفًا ضخمًا متواصل التحديث من البرامج والأعمال الفنية والدرامية، فضلاً عن الأفلام بمختلف أنواعها، كما نجح هذا الموقع في توجيه نظر الأجيال الجديدة لمشاهدة كلاسيكيات فنية خالدة، وإن كانت بعض القنوات الفضائية أو قاعات السينما تتحدث عن أفضلية العرض الأول، فإن هذا يظل مرتبطـًا بفترة مؤقتة سرعان ما تنتهي بأن تصبح المادة موجودة على “يوتيوب”، ومن خلال المنتجين أنفسهم أحيانـًا، أو بمعرفتهم.
مَن سمع.. كمن رأى، وأكثر!
في الوقت الراهن، من الصعب على أي قناة أن تقنع أي مذيع بأن حلقات برنامجه لن يتم إدراجها في “يوتيوب”، هذا سيعني المغامرة بشعبية البرنامج وبشعبيته شخصيًّا، ليس هذا فحسب، بل إن أكثر المقاطع انتشارًا هي تلك التي تصنعها مشاهدات “يوتيوب” بوصولها للآلاف والملايين، في الوقت الذي قد لا يكون قد تابعها في لحظة بثها الأولى سوى عدد محدود من الأشخاص، ليس هذا فحسب، بل إن “يوتيوب” يتجه اليوم ليصبح المنصة المفضلة لإطلاق المواد السمعية أيضًا، وهو ما واكبه الموقع الشهير بإطلاق تطبيق صوتي خاص به، خطوة لها وجاهتها مع حقيقة أن أكثر المقاطع مشاهدة في تاريخ “يوتيوب”، هي أغنيات.
هجرة المذيعين.. وسبق الصحفيين
بما أن الحديث قد مرَّ بنا على المذيعين ومقدمي البرامج، فلعل من المهم أن نذكر أن نجاحهم الفضائي ما زال أمرًا جيدًا، ولكنه لم يعدّْ أمرًا كافيًّا، خصوصًا أن أغلب الأصداء كانت تأتي من المقاطع المعاد نشرها كما ذكرنا سابقًا، وهو ما جعلهم يحرصون على صناعة وقص مقاطع “يوتيوب” من برامجهم التلفزيونية لتوفير الوصول والاطلاع السريعين على أهم ما ورد في برامجهم، لا سيما الأجزاء التي تصنع الجدل بين جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، حسنًا.. هل هذا كل شيء؟ الإجابة هي: لا، وفقـًا لمتابعتنا لعدد من أشهر المذيعين العرب والعالميين، والذين عمدوا إلى افتتاح قنواتهم الخاصة على “يوتيوب”، لإطلالة إضافية على الجمهور، وبمحتوى يحمل الطابع الشخصي الذي يفضله كثيرون، نظرًا لكونه يتسم بحرية أكبر في الطرح بعيدًا عن السياسات التحريرية للقنوات، وبعيدًا عن التقيد الصارم بوقت المداخلات وفواصل الإعلانات، وبتعليمات المخرج، يلامس هذا النمط من الظهور الإعلامي شغف المشاهدين بتعرّف كواليس كثير من الأمور، وهذه نقطة يجيد بعض الإعلاميين مخاطبتها بشكل جيد، مستفيدًا من خبرته كصحفي هذه المرة.
استوديو متكامل من المنزل
الصحافة ليست في الورق فقط، إنها مهنة كل الوسائط، هذا ما أثبته “يوتيوب” حين أطلق عددًا كبيرًا من البرامج المستقلة لإعلاميين تعاملوا مع قنواتهم بالاحترافية المطلوبة مستخدمين ذات الأدوات والعلاقات والمهارات التي امتلكوها خلال مسيرتهم الإعلامية، نعرف ذلك حين نتابع مثلاً تجربة مقدم البرامج الرياضية عبد الناصر زيدان، وهو يدير برنامجًا يوميًّا من منزله، يقوم بتقديمه في وقت يومي ثابت، وبفقرات يتم الإعلان عنها، بما يتضمنه ذلك من بثّ حي مباشر ومونتاج للحلقة، واستقصاء للسبق الصحفي، واستضافة مداخلات والعمل مع مراسلين ميدانيين، وهو ما قاده فيما بعد لإقامة استوديو تحليل رياضي على الهواء مباشرة، من خلال قناته على “يوتيوب”، وقد حقق زيدان ملايين المشاهدات من خلال هذه التجربة التي كانت تصل إلى عدد قياسي من الساعات المتواصلة مع تغطية الأحداث الكبرى.
الضيوف المفضلون الجدد للقنوات
ليس بعيدًا عن ذلك، كان “يوتيوب” فرصة ملائمة للكتّاب الصحفيين لا سيما أصحاب التجربة العريقة منهم في تقديم تحليلاتهم وآرائهم وتعليقاتهم على الأحداث بشكل عفوي أمام آلاف المشاهدين يوميًّا، وهو ما يعدُّ في حدِّ ذاته تطورًا لفكرة المقال الصحفي المكتوب الذي قد تقتصر قراءته على نسبة محددة من الجمهور، عدد من المحللين الصحفيين في مجالات السياسة والاقتصاد والطب والرياضة وغيرها انطلقوا من “يوتيوب”، ليصبحوا فيما بعد ضيوفـًا دائمين ومستمرين في قنوات التلفزيون أو في المؤتمرات والملتقيات ذات العلاقة بتخصصهم، كما نستحضر هنا تجربة العراقي أحمد الفارابي الذي حقق له “يوتيوب” أمنيته بأن يقوم بتدريس الفلسفة، وبدلاً من أن يقوم بذلك أمام العشرات أو المئات، يقدم الفارابي اليوم مواد فلسفية ومعرفية في فصول هذه المنصة الافتراضية التي تأتي له بآلاف المتابعين الجدد يوميًّا.
ساعات متواصلة في مكافحة الجائحة
كما هو الحال مع جائحة كورونا، بوصفها الواقع الجديد لكل شيء تقريبًا، كان “يوتيوب”، بجانب مواقع التواصل الاجتماعي، منصة لإيصال المعلومات التثقيفية وإعادة بث التغطيات الإخبارية للقنوات الفضائية التي شارك فيها أطباء ومتخصصون، كما كان “يوتيوب” القناة الأهم لبثِّ آلاف الساعات من اللقاءات الافتراضية والمواد التعليمية والاجتماعات التي تمَّ عقدها عبر الوسائط المرئية بين المشاركين في جميع أنحاء العالم في ظل التدابير الاحترازية وظروف الإغلاق، من دون أن ننسى بالطبع أن هذه المنصة مثلت أحد أهم الوسائط الترفيهية والثقافية التي اعتمد عليها مليارات البشر في منازلهم لقضاء أوقاتهم خلال فترات الحجر الكلي.
مواجهة الوباء بتقليل جودة العرض
شهد عام الجائحة 2020م، انضمام (10) مليون مشترك إضافي إلى الخدمات المدفوعة فقط لليوتيوب وفقًا لتقرير نشرته قناة “الحرة”، ما يعني بالضرورة وجود أرقام مضاعفة يشكلها المشاهدون الآخرون، في حين نقل موقع “إعلام” المتخصص دراسة منقولة عن (Social Media Today) تحدثت عن ارتفاع عدد ناشري المحتوى وأصحاب قنوات “يوتيوب” بنسبة (40%) في الربع الأول من العام 2020م، كما ذكرت أن “يوتيوب” أصبح في الموقع الثاني بين المواقع الأكثر زيارة في العالم، في حين وصل عدد مستخدميه على أساس شهري إلى أكثر من (2) مليار مستخدم يشكلون قرابة نسبة تصل إلى الثلث من جميع عمليات تسجيل الدخول في شبكة الإنترنت.
هذا الإقبال غير المسبوق على الموقع تزامن مع انتشار متسارع لفيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، وقد قابلته إدارة “يوتيوب” بقرار يقضي بتقليل الجودة التلقائية لمقاطع الفيديو التي يتم عرضها، وذلك من أجل تقليل الضغط على شبكة الإنترنت التي وضعتها الجائحة تحت ضغط هائل من المستخدمين، لا سيما من العاملين في القطاع الصحي، وكذلك مـَن يعملون ويدرسون من منازلهم.
واقع مُعاش يحيل أجهزة إلى المَعاش
يقع “يوتيوب” اليوم في منطقة مثالية بين الإعلام والتقنية، بمؤشر متصاعد من حيث الإقبال الجماهيري، وبميزات تتعلق بنمط المشاهدة نفسه قبل نوعية ما تتم مشاهدته، وبلا مخاوف مالية مع إيرادات متزايدة للاشتراكات والإعلانات، وتحت ملكية شركة تقدّر قيمتها السوقية اليوم بتريليون دولار وفقًا لرويترز، من دون أي تراجع في مستوى بث المواد الإعلامية وهجرة الإعلاميين، ومع بدء الملايين في التحول نحو الشاشات الذكية التي تحتوي تطبيقات المشاهدة الشهيرة على الإنترنت كاليوتيوب ونتفلكس، وبالتالي فإن المتاحف غالبًا تستعد لاستقبال مزيد من الأجهزة التي ستصبح إرثـــًا إعلاميًّا، وعلى الأرجح فإن مصير جهاز التلفزيون المربع العريق، هو ما ينتظر الشاشات التقليدية، وأجهزة الاستقبال الفضائي أيضًا، وبالطبع أطباقها التي تعتلي كل منزل اليوم، تلك التي رافق الضجيج ظهورها، وقد تختفي بهدوء.
عوامل اطمئنان.. لجميع الأطراف
الطابع المؤسسي، والقوانين المهنية، وتوفير التجربة الانتقائية لكل مستخدم، وضمان الانتشار السريع لكل محتوى جيد، كلها عوامل اطمئنان لصناع المحتوى بوصفهم العماد الرئيس للموقع الذي يساعدهم على أداء دورهم في جعله أكثر جاذبية لأطول وقت ممكن وبأكثر الطرق إبداعًا وتنافسية، وطالما أن المنصة الأشهر تضمن لهم البثّ والاحتفاظ بحقوقهم الفكرية والوصول إلى جمهورهم المستهدف، فسيكون بإمكانهم الاستمرار والتجدد واكتساب الخبرة في بناء تجاربهم الإعلامية الشخصية أو المؤسسية، فضلاً عن الاستفادة المادية من حجم التفاعل الذي يحصلون عليه من دون أن تؤثر فيهم الضريبة التي تمَّ الإعلان عنها في شهر مارس الجاري، فهي بشكل أو بآخر تدل على أن الموقع يحقق أرباحًا تستحق وجودهم فيه، كل الدلائل والأرقام الراهنة تدل على أن مزيدًا من المشاهدين الجدد يواصلون المشاهدة كل يوم، وأن مزيدًا من صناع المحتوى سيخاطبونهم بآلاف ساعات البثِّ اليومية، التي لا يفوتهم فيها الإدلاء بعبارتهم الأيقونية “لا تنسون اللايك، والشير، والسبسكرايب، واضغط على زر الجرس عشان يوصلك جديدنا أولاً بأول”.