تكويعة إخبارية

كثيرًا ما نسمع في الأخبار مصطلحات اعتدنا عليها مثل كلمات “مباشر، وعاجل، ومصدر مطلع، ومصادر موثوقة، ومصادر مؤكدة …” إلى أخر الكلمات الاستهلالية للأنباء التي ترددها قنوات التلفزيونات والمحطات الإذاعية علينا على مدار الثانية.

تدرجت وسائل الأخبار عبر التاريخ، من إنسان الكهف والأرض المفتوحة إلى الشاعر والراوي ثم إلى الصحافة، والإذاعة والتلفزيون، ووكالات الأنباء وصولاً إلى ثورة النت ووسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت الباب واسعًا للمتمصدرين الذين يبحثون عن البث والشهرة والانتشار ولو كان بالسير فوق أجساد الحقيقة والصدق والموثوقية .. وزادها رواجًا ما تقدمه منصات التواصل من عوائد ومكاسب مالية لا تتطلب إلا إشاعة أو استفسار ساذج عن مكان أو لباس أو أكل أو ميول رياضي!!!

كانت البداية من قصيدة يرددها شاعر لتنتشر في الآفاق ويتناقلها الركبان حتى وصلت إلى جملة “أأأما بعد” ثم خطبة خلدها التاريخ .. “أما بعد” وعلى الرغم من الخلاف على من قالها أولًا، إلا أن أول من استخدمها في تجمع علني كان خطيب العرب وبليغها “قس بن ساعدة” في سوق عكاظ عندما قال:

“يا أيها الناس اجتمعوا واستمعوا وعوا .. من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا”.

تحولت افتتاحية الأخبار بعدها إلى “جاءنا ما يلي أو صدر البيان التالي”، وتوسع المجال إلى “طرف علم” أو “مصدر مجهول” يسمي نفسه بالمصدر الذي رفض ذكر اسمه!!!

لست في مجال سرد للتاريخ أو التوثيق، ولكني أتابع كما يتابع الملايين غيري ما يحدث في العالم عامة والشرق الأوسط خاصة من متغيرات كثيرة أسفرت عن ظهور عبارات وجمل إخبارية جديدة، منها: “لو كنت أعلم” التي أعقبت تدمير لبنان عام 2006م، وأدت إلى استمرار الحرائق في المنطقة نتيجة شرارات المغامرات غير المحسوبة.

وأخيرًا ظهر مصطلح “تكويعة” ملازمًا لما جرى ويجري في سوريا، خاصة في الأوساط السياسية والإعلامية والفنية والرياضية، وبالعودة إلى المعاجم اللغوية المتخصصة، ورد أن كلمة “تكويع” تعني: “انحنى ومال .. أي بالمفهوم المبسط هي التغيير أو النكوص عن مواقف الشخص السابقة”.

لا بد أن هناك علاقة بين التكويعة والهندسة المرورية، لأن كلمة (U Turn) في الطرقات تعني الاستدارة للخلف!!!

المواقف كالرصاصة لا تعود إلى البندقية، ولكنها تظل مدوية ومشهودة، يقول شاعر سوريا الراحل نزار قباني (بتصرف):

من بدأ المأساة ينهيها
من فتح الأبواب (يغلقها)
من أشعل النيران يطفيها

وأستميح العطار والدهر عذرًا لأقول:

“لا يصلح (التكويع) ما أفسده (الموقف)”!!!