التحوُّلات في لغة قضايا المرأة في الصحافة السعودية، وما كشفه من تحوُّل مجتمعي تجاه هذه القضايا، كان موضوع بحث رسالة دكتوراه تقدمت بها الباحثة شيخة عبيد عبد الرحمن البشر، وحصلت على درجة الدُّكتوراه في قسم اللُّغة العربية وآدابها، بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الملك سعود، بإشراف أ.د. ذكرى يحيى القبيلي، بعنوان: “تحوُّلات خطاب قضايا المرأة واستراتيجياته في الصحافة السعودية”، تتبعت فيه الباحثة ملامح قضايا المرأة في الصحافة وانعكاس التطورات الحاصلة فيها، وهل كان للخطاب الصحفي دور في إحداث تحوُّل إيجابي تجاه هذه القضايا؟، وقد أظهر البحث التحوُّل الإيجابي ودخول المرأة مجالات جديدة لم تكن متاحةً لها مسبقًا، رافقها تحوُّل الصورة الإيجابية للمرأة باعتبارها شريكةً في تنمية المجتمع.
ووقفت الدراسة على مادة لغوية ضخمة وصلت إلى (8،315،312) كلمة لفترة زمنية ممتدة في سبعة أعوام.
ولتحقيق هدف الدراسة ورصد التحولات ومقارنتها في فترات زمنية متتالية فقد استعانت الباحثة بأداة إحصائية مختصة ضمن البرمجيات التي يمكن تطبيقها على المدونات العربية، وقد حددت بواسطتها (135) كلمة مميزة ومتكررة، قسمتها في ثلاث فترات، بناء على سياق الأحداث والقرارات الملكية التي دعمت مسيرة تمكين المرأة وما صاحَبها من تغيُّرات في الممارسات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولا سيما بعد الحدث التاريخي الأبرز وهو إعلان (رؤية 2030) بتاريخ 25/ 4/ 2016م، التي نظمها مجلس الشؤون الاقتصادية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ووافق عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والفترات هي:
الفترة الأولى (2012م-2014م).
الفترة الثانية (2014-2016م).
الفترة الثالثة (2016م-2018م).
والمجال لا يتسع لنقل تفاصيل كل فترة هنا، فقد ناقشت في كل فترة زمنية سياق الأحداث فيها لمعرفة حدود وظروف الخطاب في كل مرحلة، ومن ثَمَّ حددت المفردات الدالة على حدث، والكلمات الدالة على مشارك في الحدث وصفته، وتتبّعت تكراراتها وسياقاتها سلبًا وإيجابًا وأبرز تصاحباتها اللفظية والأيديولوجيات المضمَّنَة فيها.
ويمكن أن نسرد الملاحظات العامة فيما يأتي:
-التعبير عن (المرأة) جاء في الخطاب الصحفي بواسطة الكلمات (المرأة، الزوجة، الفتاة، الفتيات، الدكتورة).
وتنوعت أحوال حضورها ومعاملتها كعنصر أيديولوجي يمارس المرسِلون توجيهه وفقًا لمنطلقاتهم بالحديث عنها، أو أنها هي نفسها شاركت في هذا الخطاب وإنتاجه.
– استعملت الصحف مفردة (الزوجة) سلبًا في سياقات خشيتها من تأثير العمل على فرص الزواج أو القدرة على تحقيق الاستقرار فيها، و(الفتاة) التي تعاني من قضايا العمل والسمنة والعنوسة وغلاء المهور، مقابل سياقات إيجابية أشادت بالفتاة السعودية وتوفُّر الفرص وإقبالها على العمل في مجالات متنوعة، وفي هذا دلالة على اختلاف الحالات وعلى التنوُّع في أيديولوجيات المشاركين فيه.
– اتضح التحوُّل في سياقات (المرأة) ببدء مناقشة أوضاعها الجديدة، وتحديدًا احتياجاتها ومسائل التوزان الأسري لدى المرأة العاملة، وظهرت كلمات جديدة في الفترة الثانية لم تظهر في خطاب الفترة السابقة؛ منها ما ارتبط بقرارات جاءت لصالح المرأة وداعمة لزيادة أعداد النساء العاملات والراغبات في العمل وسيدات الأعمال، والبدء بوضع تعديلات في أنظمة العمل بما يتوافق مع احتياجاتها ومطالبها.
-جاءت العناصر (المجتمع، والأطفال، والأسرة) مؤثرة على قرار المرأة في قضية العمل، مع تحوُّلات إيجابية لاحقة ظهر فيها زيادة الوعي وتقلص النظرة المجتمعية السلبية.
-احتلت الكلمات (العمل، التنمية، قرار، حقوق) أعلى قائمة الكلمات المميزة في خطاب الفترات الثلاث مع استمرارية حصول التحوُّل الإيجابي فيها، واختصت الكلمات (رؤية، ونظام، وتحقيق، ودعم، ومواكبة، وتحوُّل) بمجيئها كلماتٍ مميزةً في خطابي الفترتين الثانية والثالثة، وتفاعلت هذه الكلمات إيجابيًّا مع قرارات التمكين المستجدة، وتسيدت الكلمات (قيادة، وإدارة، وتمكين) قائمة الكلمات المميزة لأول مرة وتشاركتها في استعمالها في سياقات الأحداث البارزة في خطاب الفترة وتحوُّل تمكين المرأة إلى فرص أوسع من سابقتها.
- احتفى الخطاب الصحفي بالسلطة السياسية والدعم الحكومي، وبخاصة جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تمكين المرأة السعودية وإحداث تحوُّل لافت في قضاياها، وما استجدَّ من قرارات تمكين المرأة السعودية من تولِّي المناصب القيادية في الوزارات والجهات الحكومية الأخرى، ومثل قرار السماح لها بقيادة السيارة وغيره.
-ظهر اهتمام الخطاب الصحفي بتحوُّلات أدوار المرأة السعودية وتوسُّع مجالات عملها في القطاعات المختلفة، وحرصه على تأكيد عدم المساس بالثوابت التي يخشى البعض تمكين المرأة بدافع مخالفتها والخروج عنها، وعمومًا برزت التحوُّلات الإيجابية بتقديم أدوار المرأة الاجتماعية في سياقات تؤكِّد مكانتها وتمكينها لأهداف مجتمعية إضافةً إلى حرص المرأة على الإسهام في خدمة المجتمع، ودعم كلٍّ من الدولة والمجتمع والقطاع الخاص والرجل للمرأة.
أخيرًا فالخطاب الإعلامي يشارك فيه مُرسِلون متعددون، وتختلف مواقفهم رفضًا أو قبولاً أو حيادًا، ولا يمكن أن يأتي التكرار والتشابه من قبيل المصادفة، وقد نمّ مرسلو الخطاب عن انعكاسات مجتمعية وثقافية تكشف عن توجهات عامة وذاتية تجاه قضايا المرأة وعن تحول فعلي في القضايا المُتناوَلة إعلاميًا، ومهمة الدارسين الكشف عن تأثير الخطاب في تحُّول أنماط الممارسة المجتمعية والخطابية، وتتبُّع المواقف الأيديولوجية المحتجبة خلف اختيار الكلمات في الخطاب.