بعد فترة تأسيسية ناجحة لمنصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، أدارها باقتدار معالي عبدالله يعقوب بشارة، كانت المهمة الجديدة لخلفه الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي هي أن يستكمل هذا النجاح ويبني على مكتسباته، وبالفعل فقد استطاع أول أمين عام من دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال ثلاث سنوات، أن يقود الأمانة العامة إلى مراحل جديدة من التنسيق بين دول المجلس، لتحقيق المزيد من الإنجازات في ظل هذا الكيان الكبير الذي بات يؤكد يوماً بعد يوم أنه مصدر ثقة واستقرار وازدهار في محيطه الإقليمي.
بترشيح من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، جاء القاسمي، وهو الخبير في القانون الدولي، المولود في إمارة رأس الخيمة في نهاية أربعينات القرن الماضي، ليخلف أول أمين عام لمجلس التعاون، وذلك بعد اثني عشر عاماً على اختياره خلفاً للدكتور علي بن محمد حميدان، أول ممثل لدولة الإمارات في الأمم المتحدة، وكان قد عمل قبل ذلك مندوبا دائما لدولة الإمارات لدى المقر الأوروبي لهيئة الأمم المتحدة بجنيف، وذلك ضمن عمله الدبلوماسي الذي مثل فيه بلاده بمهام متنوعة لتعزيز العلاقات الخارجية مع عدد من أهم وأكبر دول العالم.
لم يكن هذا النجاح مستغرباً على الشيخ فاهم القاسمي المنحدر من بيت حكم وسياسة عريقة في الإمارات، فوالده الشيخ سلطان بن سالم القاسمي الذي حكم إمارة رأس الخيمة لقرابة ثلاثة عقود، وفي ظل هذه النشأة، اكتسب الشيخ فاهم الكثير من مقومات العمل السياسي والدبلوماسي فضلاً عن تكوينه الأكاديمي المتخصص بالقانون، والذي عززه بدراسة السياسة الدولية، ولم يكن ذلك منفصلاً عن الحقائب الوزارية والمسؤوليات التي تولاها القاسمي في الحكومة الاتحادية داخل بلاده، مع متابعته الدؤوبة لقضايا العالم ومشاركته في أهم المحافل الدولية.
وصف القاسمي بامتلاك سمات الدبلوماسية الهادئة خلال فترة عمله أميناً عاماً لمجلس التعاون الخليجي، والتي استمرت من 1993 إلى 1996م، كما ركز بشكل كبير على استكمال المنجزات التي تحققت للمجلس خلال السنوات التي سبقت عمله، وقد شهدت فترته بلورة الكثير من الاتفاقيات التي ترتقي بواقع دول المجلس وحماية مصالحها واستثمار مقدراتها، ومن ذلك الموافقة على نظام براءات الاختراع لدول مجلس التعاون، وإقرار توصيات وزراء الدفاع في الدول الأعضاء، وعلى رأسها تطوير قوة درع الجزيرة، وتعزيز أوجه التعاون العسكري والأمني.
وبعد نجاح المهمة الخليجية للشيخ القاسمي، تولى وزارة الاقتصاد والتجارة في بلاده، كما عين بعد ذلك وزيرًا لشؤون المجلس الأعلى ومجلس التعاون، قبل أن يعود لممارسة أعماله الخاصة ذات العلاقة بتخصصه في مجال المحاماة والقانون، ليواصل شغف الإنجاز الذي عرف به الإماراتيون، وذلك بعد مسيرته العملية الحافلة التي كانت مسيرة علمية في الوقت ذاته، لحرصه الدائم على المعرفة وتعزيز رصيده العلمي والأكاديمي حتى وهو على رأس العمل، وكانت النتيجة دائماً أنه يصبح الرجل الأكثر تأهيلاً لتولي المناصب الأكثر أهمية، وللنجاح فيها.