يقال في السياسة “هناك سياسة معلنة وهناك سياسة حقيقية”، ومن يهتم بدهاليز السياسة يعرف أبعادها وتشعباتها والفرق بينهما..
في الإعلام هناك أهداف وانعكاسات لهذه السياسات المعلنة والحقيقية، فالإعلام لا حرية مطلقة فيه، بل له ألف هدف وصورة ووجه..
وكما أن للتحليل السياسي محددات ومعطيات وربط بين الأحداث، فإن للإعلام عدة خيارات وزوايا واتجاهات..
التقاطعات بين السياسة والإعلام تمثلت بشكل جلي خلال ما حدث في العاصمة الأفغانية كابول من انسحاب القوات الأمريكية، الذي وصف بالحدث التاريخي، وما تبعه من اكتساح وسيطرة حركة طالبان على الأقاليم والمدن الأفغانية بسهولة ودون مقاومة، وما تلاه من مشاهد فوضوية وإنسانية مؤلمة وصف بالهروب الكبير من مواجهة المستقبل في بلد عُرف بالتناقضات والتنازعات وتعدد الزعامات..
المشاهد التي نقلها الإعلام كانت متناقضة كما هي المواقف السياسية المعلنة بأن تحديد العلاقات والخطوات القادمة ستقرر بناء على أفعال حكومة طالبان، وكأن الذاكرة نسيت أشهرًا من اللقاءات المباشرة خلف الأبواب المغلقة لتحديد المستقبل ورسم الأهداف.
فالجانب الإعلامي عكس اهتمام كل طرف، فهناك من ركز على الفوضى وتعلُّق الهاربين بعجلات الطائرات وتسلُّق أسوار مطار كابول، والانسحاب العسكري بعد سنوات طويلة من الحروب وإنفاق مئات المليارات من الدولارات، والدهشة من حجم ونوعية الأسلحة المبقاة في مخازنها، وإجلاء الآلاف عبر وفي عدة بلدان من العالم..
وفي الجانب الآخر كانت هناك اهتمامات إعلامية هدفها تحسين الصورة ونقل الاحتفالات في الشوارع والزوايا المحددة والتركيز على وجوه النساء الأفغانيات وكأنهن في طرق باريس أو شوارع نيويورك، بينما المشهد الحقيقي مختلف عن ساحة العرض، وكأنها إعادة تسويق وتأهيل بالرغم من أن التفاصيل مرسومة والأهداف محددة..
لكي نفهم علينا الإيمان بأن السياسة هي فن الممكن، وأن الإعلام مرآة للمواقف والمصالح، وانعكاس للسياسة، أيًّا كان نوعها الحقيقي أو المعلن..
لا شيء يدوم على حال، ولا شك أن أفغانستان منطقة مهمة جغرافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، وساحة متقدمة لصراعات قوى العالم..
وقد يكون من أبرز تفاعلاتها أن إبقاء عدم الاستقرار على حدودك يشكّل تحديًّا مستمرًا ومتجددًا، واستنزافًا مؤثرًا في معادلات القوة والنفوذ..
تلخيصًا للمشهد السياسي والإعلامي هناك مثل منقول أعجبني يقول:
“الإنسان لا يعبر النهر بزورقين”..
والأكثر دقّة ما قاله الفنان الكبير يوسف وهبي: “وما الدنيا إلا مسرحٌ كبير”، والستارة لم تسدل حتى الآن.. بل قد يكون المسرح دون ستارة!!