صحافة ما بعد الجائحة.. دعوة لتطوير الأدوات والاستثمار في الجيل القادم من المحتوى المدفوع
مع بدايات التعافي من جائحة كورونا المستجد (كوفيد-19)، عادت وتيرة الحياة الطبيعية إلى مختلف مجالات العمل بما فيها الصحافة والإعلام، وذلك بعد قرابة عامين وقف خلالها الصحفيون بجانب أبطال الخطوط الأمامية من العاملين في القطاع الصحي، من أجل تغطية أزمة استثنائية في ظروف غير اعتيادية، في الأسطر التالية نستعرض أبرز مستجدات المهنة على المستوى الدولي خلال الأشهر الثلاث الماضية، بعد أن تراجعت عناوين الجائحة وبدأ الصحفيون في استعادة لياقة الركض مجدداً في عناوين الأخبار المختلفة.
واقع جديد
نبدأ مع أهم التحليلات التي تناولت مرحلة ما بعد الجائحة على العمل الصحفي عالمياً، وأهم الدروس المستفادة في هذا الجانب، حيث أثيرت أسئلة تتعلق بكيفية استعادة فرص العمل بالنسبة للصحفيين الذين خسروا وظائفهم بسبب ظروف الوباء العالمي، وأسئلة أخرى عن كيفية إيجاد الوسائل لاستدامة جدوى المشاريع الإعلامية، خصوصاً بعد أن توقفت بعض هذه المشاريع كنتيجة لتراجع الإيرادات الناجم عن توقف الإعلانات خلال الجائحة، كما أن التحول للعمل من المنزل خلال فترات الإغلاق قد ألقى بظلاله على الصحفيين الميدانيين الذين بات عليهم التفكير في تغيير نموذج عملهم نحو أسلوب العمل عن بعد، وزيادة الاعتماد على تحقيق الدخل من المنصات الافتراضية، وبناء موادهم على الندوات الافتراضية، والتطبيقات المرئية والصوتية.
وبما أننا في التقنية، فقد ظل الصحفيون يسمعون ويقرؤون كغيرهم أخباراً عن الوظائف التي يتوقع أن تستبدلها الآلة ويحيلها الذكاء الاصطناعي للتقاعد خلال السنوات المقبلة، ولكن أهل مهنة المتاعب كانوا من الفئة الأقل قلقاً بهذا الشأن، على اعتبار أن الجانب البشري يعد الجزء الأكثر تأثيراً في عملهم، بدليل أنهم مازالوا يقومون بأنفسهم بصياغة هذه الأخبار وهذا سبب كاف لطمأنينتهم، غير أن أخبار “الصحافة الروبوتية” التي حملتها لهم الصحف في سبتمبر الماضي كانت كفيلة بأخذ المخاوف من البدائل التقنية على محمل الجد.
يمكن اعتبار “الصحافة الروبوتية” نمطاً من صحافة البيانات التي يتوقع أن تشكل نقلة نوعية في مجال الأخبار، حيث تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وتحديد الحدث وأهم المعلومات فيه ثم يقوم بالنشر تلقائياً، وتتمثل أهم فوائد هذه الصحافة المؤتمتة في قدرتها على إثراء المحتوى بشكل متواصل و في وقت قياسي وهو ما يعد إضافة مهمة لبعض المدونات والمواقع التي تحتاج تحديثا مستمراً، ويعد إيجاد محررين وصحفيين يقومون بهذه المهمة على مدار الساعة، مهمة صعبة ومكلفة على الصحف الإلكترونية.
ورغم أن أتمتة المحتوى الصحفي قادرة على تفادي الأخطاء التي يقع فيها البشر وتستهلك وقتاً أقل في البحث والبث، غير أن الحكم عليها ما يزال مبكراً خصوصاً مع كونها تواجه تحديات تتعلق بالتأكد من صحة المقالات والمعلومات التي تجمعها، وعدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، غير أن رفضها المطلق قد لا يكون تصرفاً ذكياً، فالإمكانات التي توفرها يمكن أن تخدم الصحفي من حيث توفير المزيد من الوقت والحصول على البيانات من عدة مصادر، وهو ما يساعده خصوصاً في مجالات كمقالات الرأي والتحليل والصحافة الاستقصائية.
توظيف التقنية
وبما أننا نتناول استفادة الصحفي من التطبيقات الحديثة فمن المهم الإشارة إلى أن التحديثات التي حصل عليها كل من “سناب شات” و”تلقرام” قد أضافت العديد من المزايا للمستخدمين عموماً، ولكنها ستكون ذات فائدة إضافية للصحفيين أيضاً، ففي الحالتين نتحدث عن أنماط خاصة في عرض المحتوى ومشاركته، والقاعدة التي يمكن قولها في هذا الصدد هي ” أصبح التطبيقان يساعدانك أكثر من ذي قبل على نشر الأخبار وإنتاج القصص الصحفية، ولكن إذا لم تكن مهتماً بذلك، فمازال بإمكانك استخدامهما كأدوات لجمع الأخبار “.
لقد عمل فريق “سناب شات” على تطوير قدرة الكاميرات وزيادة مدى استخدامها للذكاء الاصطناعي في إنتاج صور عالية الجودة خلال نقل أي حدث، ويمكن للصحفيين في منطقة الخليج والشرق الأوسط الاستفادة من زيادة استخدام هذا التطبيق في منطقتهم بشكل ملحوظ مقارنة بالمعدل العالمي، حيث بلغ مستخدميه في المنطقة أكثر من (75) مليون مستخدم، وفقاً لما نشرته الشرق الأوسط في مايو 2021م، في حين يواصل تطبيق المراسلة الفورية “تلقرام” امتلاكه لجاذبية خاصة للمستخدمين المهتمين بإنشاء قنوات خاصة لها جمهورها الذي يزيد اليوم عن (500) مليون مستخدم حول العالم، حيث يوفر التطبيق اليوم للصحفيين إمكانية بث الأخبار العاجلة، وإنشاء مجموعات تصل إلى (200) ألف شخص، والأرشفة الصحفية، وإجراء الاستبيانات، وقياس نسب التفاعل.
تنوع في الاستثمار
في شأن آخر، شهدت الأخبار في الشهور الأخيرة الحديث عن استحواذات على خدمات صحفية وإعلامية مرئية ومسموعة، كما بدأت بعض المنصات كـ”يوتيوب” و”تويتر” و”ابل” الإعلان عن اشتراكات مدفوعة لجزء من محتواها، في حين بدأت الكثير من الجهات الحكومية والخاصة والمؤسسات الإعلامية في تكثيف حضورها بطرق أكثر فاعلية وإبداعاً وتفاعلية عبر وسائل الإعلام الجديد والتطبيقات الذكية، ومستجدات كهذه من شأنها أن تحتم على الصحفي أن يفكر كمنتج للمحتوى أكثر منه مستهلكاً له، كما أن أحد أكثر الطرق مثالية في تلقي هذه الأخبار هو أن يسأل الصحفي أو الكاتب نفسه “كيف أنتج مادة أستفيد منها مادياً؟”.
مواقع صحفية متخصصة نصحت صانعي المحتوى الإعلامي بالعمل أكثر على تقديم تجربة أكثر التصاقاً بما يريده المتلقي، مع إدراك كل ما يقدمه له المنافسون والعمل على التميز عنه، مع توفر المصادر وسهولة إدراك اتجاهات الرأي من خلال ما يكتبه الناس في وسائل التواصل، يمكن تحديد نقاط لبناء مادة إعلامية تمثل موضع تساؤل للجمهور الذي يتحرك بدوافع معرفية وفكرية ونفسية معينة ينبغي على الصحفي أن يفهمها، كما أن محركات البحث التي تقود إلى المعلومات، تقود كذلك إلى معرفة الموضوعات التي لم يتطرق لها أحد، وبالتالي فإن الكتابة فيها ستضمن كونها الأولى والوحيدة، وهذا في حد ذاته عنصر تفوق يمكن أن يستفيد منه الصحفي خلال تجربة إنتاج مادة أصيلة تستحق أن يدفع الجمهور المال، بامتنان، من أجل الحصول عليها.
السعي للتطوير
ولأن تطوير المهارات الصحفية عمل لا يتوقف، وهو اليوم يتجاوز رفاهية التميز إلى ضرورة الاستمرار في سوق العمل، وخلال شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين، تم نشر مقالات ذات صلة بهذا الجانب، فمثلا سيكون من الجيد أن يضع الصحفيون في ذاكرتهم اسم “Cajo group” وهي منصة تقدم النصائح والإرشادات في مجالات إعلامية عدة، ومن أبرزها صحافة الموبايل، تغطية المؤتمرات، اختيار المايكروفون المناسب، التصوير الاحترافي، نصائح للعمل الصحفي من المنزل، خطوات إنتاج إعلان، وغيرها، أما أولئك الذين يمتلكون شغف الاطلاع على الأخبار بصيغة الانفوجرافيك واكتساب مهارات في تصميم هذا النوع الشائع من أسلوب تقديم المادة الصحفية والمعرفية فيمكنهم الاطلاع على الموقع “graphicnews”.