سينما الطفل لا تعني برامج الرسوم المتحركة بل هي أعمال فنية متكاملة منتجة خصيصًا لهم.
الفيلم الموجه للطفل هو رسالة تربوية قبل أن يكون مضمونـًا ترفيهيًّا.
اتجه القائمون على قطاع الثقافة في الحكومات العربية إلى تنظيم المهرجانات الدولية للطفل لتعويض غياب ثقافة “سينما الطفل”.
مقدمة
إن الحديث عن علاقة السينما بعالم الطفولة في المنطقة العربية يعني التأكيد على إحدى أوجه النقد الثقافي البارزة في الساحة الفنية العربية والمتعلقة أساسًا بالمفارقة والهوة الماثلة بين نموذج فني غير متحقق عربيًّا، وهو سينما الأطفال بوصفها نوع خاص يحتاج إلى كتابة سيناريو ومعالجة فنية متخصصة، وبين السينما التي تتطلب حضور الطفل، كطرف فاعل أو ثانوي ضمن طاقم التمثيل.
وضمن هذا التضارب في إنتاج الواقعة السينمائية المتعلقة بالطفل، يتأكد قصور السينما العربية في إنتاج أفلام توعوية للصغار، وتتأكد معه المصادفة التي أدت دورًا في إيجاد أفلام وظف فيها أطفال صغار لجذب المشاهد وإحداث الطفرة السينمائية، وهو ما أسفر عن ظهور أبطال متميزين استطاعوا ترسيخ أدوارهم في أذهان الناس بما قدموه من أعمال إبداعية متفردة.
إن هذا الإسهام المتميز للطفل في السينما العربية يضعنا أمام إشكال جوهري ومنهجي: إذ كيف لهؤلاء الصغار الذين اثبتوا وجودهم في عالم السينما، بل وأسندت إليهم أدوار البطولة المطلقة، ألا يكون لهم سينما خاصة توافق نموهم النفسي والعقلي والخُلقي وتحوز الشروط التي يتطلبها مستقبلهم؟
-سينما الطفل: المفهوم وخصوصيات النوع الفني:
يجمع المهتمون بمجال سينما الأطفال في العالم على أن التحديد الدقيق لخصوصيات هذا النوع الفني إنما ينبع من فـَهم المصطلح ذاته، فسينما الأطفال خلافـًا لما هو رائج لا تعني برامج الرسوم المتحركة ولا العروض التي تستهوي الأطفال من حوارات أو كرتون أو عرائس تشخيصية أو مهرجانات سينمائية يتم فيها عرض أفلام سينمائية على الأطفال، بل هي أعمال فنية متكاملة منتجة خصيصًا لجمهور الأطفال.
إن التأكيد على جمهور الأطفال يعني التركيز على متطلبات هذه الشريحة، وهو ما يستلزم كتَّاب سيناريو متخصصين في إعداد نصوص درامية مواتية لهم([i])، نصوص يفترض أن تتضمن كل مقومات العمل السينمائي من حبكة، صراع، وشخصيات، ثم النهاية التي تأتي لختام الأحداث بشكل منطقي قادر على تمكين الطفل من مهارات التفكير النقدي المبدع([ii]).
يتضح مما سبق أن الفيلم الموجه للطفل هو رسالة تربوية قبل أن يكون مضمونـًا ترفيهيًّا، وهو إسهامًا فنيًّا جماليًّا على تزويد الطفل بأسباب وممكنات تحمل أعباء الحياة الشخصية والعامة بنفسه من دون مساعدة الآخرين، وأن يكون قادرًا على اتخاذ القرارات المهمة في الأوقات اللازمة([iii]).
لهذه الاعتبارات يفترض في الفيلم الموجه للطفل أن يكون حاملاً لقيم اجتماعية وعرفية وإنسانية سامية كفيلة بتنشئة رجل الغد القادر على التمييز بين الأمور والحكم عليها، وألا يكون الفيلم مجالاً لإلهاء الطفل بمجرد لقطات استعراضية مشحونة بأطياف الخيال المقوض لمداركه العقلية والذهنية، وذلك هو جوهر التوصيات التي ألحَّ عليه أول مؤتمر دولي لأفلام الطفل المنعقد في فنيسيا عام 1950م، والذي عرّف سينما الطفل: “بأنها تلك الظاهرة الفنية التي تنشأ من خلال دراسة ومراعاة نفسية وسلوك الطفل وكذا مراحله العمرية، فأفلام الطفولة العادية والتي تخصُّ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (7 ‒ 12) سنة تختلف في مضامينها ومواضيعها المعالجة عن أفلام سنِّ المراهقة الموجهة لفئة من يزيد سنها على (12) سنة، حيث يبدأ نمو مداركهم الفكرية وتبدأ مشاكل الحياة تنفتح أمامهم، وأمام هذا الوضع لا يجب على هذه الأفلام أن تكون أداة لإثارة أحاسيسهم الجنسية والعاطفية، بل عليها أن تكون مقياسًا للتمييز بين السلبي والإيجابي، القبيح والجميل، النافع والضار، وهو ما من شأنه إعداد النشء إعدادًا سليمًا من جميع النواحي: النفسية والعقلية والفكرية بالإضافة إلى تنمية مهاراته وقدراته وإشباع حاجاته وصقل مواهبه وتشجيعه على ممارسة النقد في مختلف الوضعيات والأوقات”([iv]).
من هنا ترسخ معنى “سينما الأطفال” في المشهد الثقافي والفكري دالاً على عمل فني إبداعي موجه للطفل، سواء كان من الكرتون المعالج بطرق بالغة الحداثة من فن الجرافيك أو كان من الدمى المقلدة لصور شخصيات حقيقية، أو كان فيلمًا عاديًا بطله طفل مثل ثلاثية “وحدي في المنزل” الشهيرة([v]).
2-واقع سينما الطفل في العالم العربي:
إن مصطلح – سينما الطفل ‒ كما حددناه آنفـًاا غير موجود في الوطن العربي، على الرغم من ظهور مبادرات فردية لتكريسه، مثل مسلسل “بكار” للمخرجة الدكتورة منى أبو نصر، والذي لم يلق الرواج المنتظر.
على هذا النحو غيبت سينما الطفل في العالم العربي، وغاب معها كل مشروع للنهوض بأحلام الطفل وما يتطلع إليه مستقبلاً، وفي هذا الإطار أصبح الطفل ملزمًا بأحد الخيارين:
إما أن يتجه لمشاهدة أفلام الكبار – الكوميدية ‒ غالبًا، أو انتظار فيلم أجنبي تعرضه صالات السينما العربية، حيث تلقى الأفلام الأجنبية من مختلف الجنسيات اقبالاً كبيرًا لفئة الصغار.
ويرجع النقاد والمشتغلون في قطاع السينما غياب الفيلم الموجه إلى الطفل في العالم العربي إلى جملة من الأسباب، من أهمها:
-أزمة نصوص درامية، على الرغم مما يزخر به التراث العربي من كلاسيكيات الأدب والقصص القديم الهادف.
-عدم وجود مؤسسات متخصصة لعمل هذه الأفلام، بالإضافة إلى ندرة الكوادر المدربة على صناعة هذا النوع من الأفلام.
-غياب سياسة تشجيعية لتحفيز إنتاج هذا النوع من الأفلام في ظلّ منافسة الإنتاج الأجنبي الذي يتسم بأنه متوافر ورخيص، لذا أضحى شراء الفيلم أسهل من إنتاجه.
-عدم وجود جهاز مختص لتمويل وتسويق هذه الأفلام على الرغم من أن دراسات السوق أثبتت وجود عائدات هائلة في هذا المجال.
-قلة الأماكن المخصصة لعرض أفلام الطفل، ويعدُّ فيلم “الأميرة والأقزام السبعة” الذي لم يدم عرضه أكثر من أسبوعين في القاهرة خير مثال على ذلك.
ونظرًا لغياب ثقافة “سينما الطفل” في الوطن العربي، اتجه القائمون على قطاع الثقافة في الحكومات العربية إلى تعويض هذا النقص بتنظيم المهرجانات الدولية لسينما الأطفال، مثل مهرجان القاهرة لسينما الأطفال الذي تمَّ تأسيسه لأول مرة عام 1990م واستمر إلى عام 2011م، وفيه تمَّ عرض أكثر من (37) فيلمـًا كان معظمها أجنبيـًّا.
وفضلاً عن هذه الاحتفاليات الخاصة بالأطفال فقد تمَّ تكريس هذا الاتجاه الفني بتكثيف حضور الطفل في السينما، وهو الوضع الذي صنفه النقاد ضمن مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى: وهي المرحلة التي كان فيها الطفل بطلاً للفيلم ومحركـًا رئيسـًا لأحداثه، ويمكن التأريخ لها باكتشاف اللبناني إلياس مؤدب “النجمة فيروز” وتقديمها إلى المنتج أنور وجدي الذي صنع منها “نجمة شباك” في العديد من الأفلام مثل: “ياسمين” و”فيروز هانم” و”ذهب”، ثم تلتها أفلام أخرى شارك فيها أطفال مثل: “نيللي”، “لبلبة”، “إيناس عبد الله”، “دينا عبد الله”… وغيرهم.
وما يميز أفلام هذه الحقبة هو أن الطفل الممثل بقي طفلاً بكل ملامح الطفولة وبراءتها وشقاوتها، وهو ما أوجد الاستثناء الفني لأفلام تلك المرحلة.
المرحلة الثانية: وفيها لجأت السينما إلى تقديم الطفل بمنظور جديد ومغاير، حيث تمَّ إلزامه بتقليد عالم الكبار على الرغم من صغر سنه مثل ما حدث مع الطفلة “مها عمار” في أفلام “خالتي فرنسا” و”سيب وأنا سيب” والطفلة “جنا نصرت” في أفلام “سامي أكسيد الكربون” و”حصل خير”، حيث تمَّ في كل هذه الأعمال إهدار الطفولة من خلال إرغامها على تقليد حركات الكبار واستخدام ألفاظهم وتفاصيلهم، وهو مظهر من مظاهر التجني على الطفولة([i]).
وهكذا عادت السينما العربية والمصرية تحديدًا إلى الخلف، فبعد أن كانت “سينما الطفل المعجزة” أصبحت “سينما الأطفال المبتزة”([ii]).
فمع كل ما أنتجته السينما العربية من أعمال، فإننا لا نكاد نجد فيلمًا كاملاً للأطفال، وهو ما يعني عدم وجود منتج فني واحد يدخل عالم الأطفال ويتحاور مع أحلامهم ويغذي خيالهم ويطعّم سلوكاتهم بالقيم التي تحثـّهم على النقد والتمحيص وتحمل المسؤولية في ظل القيم التنافسية للعولمة والغزو الثقافي.
تأسيسًا على ما سبق، تتعرض سينما الطفل في الوطن العربي لكثير من السجال والمساءلة، لأنها لا تستجيب في توجهاتها لخصوصيات النوع الفني الذي يميز هذا الضرب من السينما([iii]).
فمجمل القول إن سينما الأطفال لا تعني أفلام عن الأطفال، بل أفلام للأطفال بكل ما يتضمن هذا المبدأ من اطلاع على عوالم الطفل السيكولوجية والاجتماعية والمعرفية والأخلاقية، وهذا ما يبرر نجاح بعض الأفلام الأجنبية، مثل: (Harry Potter وPeter Pan)، وقد حققت سلسلة هذه الأفلام نجاحات تجارية كبيرة جدًّا في أمريكا والعالم، حيث بلغت إيرادات الجزء الأول من سلسلة “هاري بوتر” والذي حمل عنوان: “هاري بوتر وغرفة الأسرار” مبلغ (318) مليون دولار أمريكي، وذلك في أمريكا وحدها، ما وضع “راد كليف” على قائمة أغنى الشباب في بريطانيا([iv]).
خاتمة
نخلص مما سبق إلى أن سينما الطفل هي ذلك الموقف الفني الإبداعي الذي يتوجه إلى فئة النشء فيصوغ همومها ويبلور تطلعاتها ويعكس آمالها في غد واعد، فهي إذن ليست مجرد أداة لإعادة إنتاج واقع الطفل من خلال استغلال ظهوره على الشاشة، بل هي آلية مثلى لكيفيات استلهام القيم التراثية في التعامل مع معطيات العصر لغاية فضلى سامية تروم إعداد الإنسان الذي هو الركيزة الأساسية في إحداث النهوض والتنمية في أي مجتمع.
الهوامش
([1]) René Gardies: l’enfant et le cinéma; édition Armand Colin, Paris, 2010, p39.
([1]) Ibid., p40.
([1]) Jacques Roncière : les genres cinématographiques, Seuil, Paris, 2013, p49.
([1]) سمير فريد، سينما الأطفال، المجلس العربي للطفولة والتنمية، القاهرة، 1994م، ص177.
([1]) Jacques Roncière: les genres cinématographiques, Op,Cit, p56.
([1]) يعقوب الشاروني، سينما الأطفال في مصر والعالم العربي، المركز القومي المصري لثقافة الطفل، القاهرة، 2017م، ص25.
([1]) محمد برهوم، سينما الطفل بين الماضي والحاضر، دار الشرق للنشر والتوزيع، 2012م، ص11.
([1]) نفس المرجع، ص12. ([1]) René Gardies: l’enfant et le cinéma; Op. Cit, p52.