عندما توفت الأستاذة “أسماء زعزوع”، رحمها الله، في يناير 2014م تساءلتُ عمّا إذا كنا نحتاج إلى توثيق للمرحلة المهمة من حياة المرأة في الإعلام لدينا؟ وفاجأني سؤال آخر، ماذا يعرف جيل الشباب عن “ماما أسماء”؟.. المرأة التي عملت مذيعة في إذاعة الهند حين كانت مرافقة لزوجها الأديب عزيز ضياء في رحلة عمل، إلى أن عاد بطلب من الملك عبد العزيز آل سعود، في عام 1951م، وكانت الإذاعة السعودية قد أُنشئت بأمر المؤسس في عام 1949م بموجب مرسوم ملكي، لكن أسماء لم تعدّ للعمل في الإذاعة إلا في عام 1963م مع زميلتيها نجدية بنت إبراهيم الحجيلان، والدكتورة فاتنة أمين شاكر بطلب من وزير الإعلام السعودي الأسبق جميل الحجيلان، وبمباركة من الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، يرحمه الله.
وقبل سنوات بسيطة توفت ‒ أيضًا ‒ الأستاذة “لطفية الخطيب” رحمها الله، وهي من رائدات العمل التطوعي، وأول مـَن كتبت باسمها الحقيقي في الصحافة السعودية، وذلك في عام 1952م، كما أنها أول من أشرف على أول صفحة تُعنى بالمرأة، تلك الصفحة التي أصدرها الأديب “حسن قزاز” واسماها “المرأة في بيتها”، وذلك في عام 1955م.
ما بين صدور أول جريدة رسمية هي جريدة “أم القرى” عام 1924م، وظهور أول اسم لامرأة في الصحافة السعودية عام 1952م، سنوات طويلة من العمل الجاد نحو تنوير المجتمع، ليتقبل وجود المرأة في مكان غير منزلها.
ففي الثلاثينيات الميلادية كان المجتمع السعودي مجتمعًا أميًّا، وبالتالي فإنه من الطبيعي ألا يبرز للمرأة دور في تنمية المجتمع، حتى بدأ التعليم في الكتاتيب، ثم التعليم النظامي للفتيات في عهد الملك سعود بن عبد العزيز، يرحمه الله.
وقد كان بعض الأدباء السعوديين في ذلك الوقت ينشرون كتاباتهم بأسماء نسائية ليعتاد المجتمع وجودها على الأقل كاسم في الصحف
هذه المقدمة تجعلنا نتحدث عن مسؤوليتنا تجاه توثيق تاريخ نعيش امتداده ولا نعرف بدايات تأسيسه، ولا يعرف جيل الشباب اليوم هذا الجزء المهم منه
وعلى الرغم من أن بعض المصادر وبعض الإعلاميين، مثل: الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، رحمه الله، والأستاذ محمد القشعمي وغيرهما، ذكروا أسماء بعض الرائدات في إعلامنا، إلا أنها ظلت إشارات عابرة لا تعطي القارئ تفاصيل دور المرأة السعودية في الإعلام في فترة الخمسينيات.
إعلاميات كثر عملن في الصحف وعند افتتاح الإذاعة والتلفزيون في وقت كان المجتمع يمرُّ بتغيرات ثقافية متعددة، بعد أن بدأ تعليم الفتيات النظامي في عام 1955م.
في الخمسينيات ظهرت في الصحافة المكتوبة أسماء، مثل: “جهان الأموي، وسلطانة السديري”، وبعدها ظهرت أسماء عدة في الستينيات، مثل: “مريم الغامدي، انتصار العقيل، هند باغفر، سميرة خاشقجي، جواهر بنت سراج، ثريا قابل”.
وقد كانت هناك أنشطة ثقافية للمرأة السعودية في الخمسينيات، حيث أسست الملكة عفت الثنيان نادي “فتيات الجزيرة الثقافي” في عام 1962م، الذي تحول بعدها إلى جمعية النهضة النسائية الخيرية، مما يعني وجود وعي نسوي تجاه المجتمع وتنميته في تلك الفترة، من قبل سيدات المجتمع أنفسهن أو من قبل الرجال الذين أدركوا أهمية مساهمة المرأة وإبراز فكرها في الإعلام، وإن تردد المجتمع في قبول ذلك.
ولذلك بدأت في عام (1963م) مشاركة المرأة في الإذاعة السعودية باشتراك الأستاذة دلال عزيز ضياء مع والدتها ماما أسماء في برنامج، ومن ثم في عام (1972م) عملت دلال في الإذاعة كمتعاونة وقدمت (سكن الليل) مع الأستاذ حسين النجار قبل تخرجها من الجامعة.
أما التلفزيون، فقد ذكر الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في كتابه “قصة التلفزيون في المملكة العربية السعودية” أن البدايات الأولى للتلفزيون لم تشهد ظهور المرأة، ثم بدأ التلفزيون يسمح بمشاركة المرأة صوتـًا بلقطات يكتفي منها باليدين، وكانت في البدايات الزميلات “فريال كردي” و”منيرة الأحيدب” و”لولوة إبراهيم العماري” ممن شاركن ببرامج الأسرة بالصوت فقط، وفي عام (1967م) أنتجت محطة الرياض برنامج “مجلة الأطفال”، وكان من إعداد محيي الدين القابسي وتقديم فتاة سعودية بالصوت والصورة، لكن البرنامج لم يدم طويلاً، غير إن الإعلامية نوال بخش صرحت بأن ظهورها الإعلامي في التلفزيون كان عام 1965م.
إن توثيق تاريخ المرأة في الإعلام السعودي ليس مجرد ذكر لأسماء تميزت بوعيها الاجتماعي وانخرطت في العمل في مجال يكثر حوله الجدل المجتمعي، لأنه يعتقد أنه حكرًا على الرجل، أو لأي أسباب تنبعث من عدم الوعي بكينونة المرأة، بل هو توثيق لوعي المرأة السعودية المبكر أنْ كان لها دور في الإعلام، على الرغم من أن المجتمع بكل فئاته في ذلك الوقت لم يكن داعمًا لها، غير أن التبحر في قصص هؤلاء الرائدات يكشف عن مؤشرات لنبوغ المرأة فيه ووجود دعم من قبل الدولة لتمكينها من المشاركة المجتمعية، بدءًا من ملوك هذه الدولة ومرورًا بالنساء الرياديات وانتهاءً بالرجال الذين سجل التاريخ لهم دعمهم وتشجيعهم لزوجاتهم وبناتهم وأخواتهم للدخول في مجال الإعلام.
إن التوثيق يعرف به مدى التطور الذي حصل في المجتمع في جميع المناحى خلال فترة زمنية محددة، قد يغيب عن البعض أهميتها، ولذلك فهو عمل مؤسسي نتمنى أن تعنى به الجهات المسؤولة.