“الزمن يتغير ولكنه لا يتوقف”، تحت هذا الشعار غاب عن المشهد صوت ساعة (Big Ben)، والاستهلال الشهير “هنا لندن”، بعد مسيرة استمرت نحو (85) عامًا أسدل الستار على الإذاعة الأشهر بالعالم العربي (BBC) مطلع عام 2023م، لتتوقف معها مدرسة “التون” واللغة الرصينة، ولتتحول المحطة التاريخية العالمية لنشر الثقافة والنفوذ البريطاني إلى ذكرى عابرة بعد أن كانت صوتًا تابعه الأجيال المتعاقبة… (BBC)، لم تكن إذاعة إخبارية فقط، بل كانت أحد أهم أدوات السياسة الخارجية البريطانية.. ذريعة إلغاء القناة كانت لأسباب مالية والتحول إلى الخدمات والمحتوى الرقمي لزيادة التفاعل مع الجمهور، عالم سياسي يتغير، وجمهور خياراته تتجدد، وإعلام سريع لا يعترف بالوقت وانتظار العودة لتنبيهات ساعة (Big Ben).
وعلى المشهد التلفزيوني في مارس 2025م، توقف بث قناة “الحرة” الأمريكية، التي كانت تركز على الشرق الأوسط، وعلى الرغم من بثها على مدى (20) عامًا ومحاولات تطويرها، إلا أن دورها غير مؤثر في الأحداث أو اتجاهات الجمهور، لأنها كانت بلا هوية وتغلفها الارتجالية والأخطاء المهنية المتكررة.
إغلاق أشهر إذاعة عالمية ناطقة باللغة العربية وإنهاء مسيرة قناة “الحرة” التلفزيونية لأسباب مالية، هي نتاج التشكل الإعلامي العالمي وهيمنة الإعلام الرقمي على المشهد الإعلامي الذي تتساقط فيه الصحافة الورقية والإذاعات والتلفزيونات التقليدية.
المؤكد أن الإذاعات الموجهة انتهى دورها، فلا الزمن زمانها ولا المكان مكانها.. المتلقي أصبح أذكى من الوسيلة، أما الرسالة والمضمون والمحتوى، فهو كالسيل العرم الذي لا توقفه السدود ولا القيود.
الشاعر السوري الكبير عمر أبو ريشه استبق الحال عندما قال:
لا تسألني ما ترجوه أغنيتي
بعض الطيور تغني وهي تحتضر