لا يزال السؤال قائمًا عن الدور الذي يتعين أن تؤديه وسائل الإعلام إبان الأزمات التي تمثل تحديًّا لوسائل الإعلام، وهو ما أكدته جائحة كورونا التي عصفت بالعالم وغيرت الكثير من أوجه الاستقرار، وجعلت من الإعلام أحد الفاعلين الرئيسين في تلك الأزمة بظروفها الاستثنائية.
لقد كانت هناك معضلة أمام الإعلام بمختلف أنواعه في كل دول العالم من حيث التوازن بين توخي الدقة والموضوعية وتحقيق السـّبق، بل الجدل حول كيفية العمل في ظل سرعة الأزمة وتعدد جوانبها: هل يجب أن يكون إعلامًا تقريريًّا يكتفي بسرد المعلومات وتحديثها أولاً بأول؟ أم يجب أن تكون التوعية هي هدفه؟
ولا نستطيع أن نجزم بأن هناك مسارًا واحدًا اتخذته كل وسائل الإعلام في دول العالم، إذ لا يرتبط ذلك بطبيعة الأزمة فحسب بل بأمور أخرى عديدة، منها القوانين التي تنظم العمل الإعلامي في كل دولة، والقدرات الاحترافية لممارسي مهنة الإعلام، ومدى تطور وسائل الاتصال، وجميعها عناصر مهمة للأداء الإعلامي، إلا أن الأمر الذي بدا واضحًا من دون ريبة هو التحام وسائل الإعلام مع الجهود الرسمية للدول، بل تجاوز الأمر ذلك في محاولة لتوظيف وسائل الإعلام ضمن الحروب الكلامية إبان احتدام أزمة كورونا، ويثير ذلك تساؤلاً مهمـًا مؤداه، كيف تـُسهم وسائل الإعلام في تعزيز المصالح الحيوية للدول إبان الأزمات؟
فعلى الرغم من أن كل الدول، حتى تلك التي تضع ضوابط على أداء وسائل الإعلام، ليس بإمكانها السيطرة بشكل كامل على تدفق الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تُعدُّ منافسة لوسائل الإعلام، فإن هناك حالات تمَّ خلالها توظيف الإعلام لتعزيز المصالح الحيوية للدول.
ويعكس ذلك أمرًا مهمًا هو أنه مهما بلغت درجة الحرية الممنوحة لوسائل الإعلام في أي دولة في العالم إلا أنه خلال الأزمات التي تهدد الأمن القومي للدولة فإن وسائل الإعلام تتماهى مع التوجهات الرسمية للدولة، وتصبح مهمتها تفسير وتبرير توجه الدولة في هذا الاتجاه أو ذاك.
وتأسيسًا على ما سبق فإن بعض الدول قد أولت دور الإعلام خلال الأزمات اهتمامًا كبيرًا فيما عُرف بـ”إعلام الأزمات”، وهو المصطلح الذي حظي باهتمام كثير من الباحثين والأكاديميين المهتمين بحقل دراسة الأزمات عمومًا، وقد سعى بعضهم للربط بين الإعلام وطبيعة الأزمة كالقول “الإعلام الأمني” أو “الإعلام الحربي”، وما تعنيه تلك المصطلحات من تخصص ومهنية لممارسي الإعلام في هذين المجالين، بالإضافة إلى حرص كثير من الدول على تعيين متحدث إعلامي خلال الأزمات على أن يكون ذا مؤهلات متميزة ولديه قدرات علمية وعملية للعمل في ظلِّ الظروف الضاغطة للأزمات والتي لا تتيح الكثير من الوقت وتتطلب تحديثـًا سريعًا للتطورات بأسلوب علمي يتسم بالإقناع والارتكاز على معلومات موثقة.
ومع أهمية ما سبق ففي اعتقادي أن دور الإعلام خلال الأزمات يحتاج إلى صياغة إستراتيجية مسبقة من خلال دورات تدريبية بدأتها الدول بشأن إعلام الأزمات.
وما أعنيه هنا بتلك الإستراتيجية التي بالطبع سوف تتباين من دولة إلى أخرى وفقـًا لظروفها هي أنها يجب أن تتضمن ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: “ما قبل الأزمة”
من خلال تسليط الضوء على المخاطر التي من شأنها أن تؤدي إلى أزمات، وذلك بشكل دائم وليس بشكل موسمي مؤقت، فقبل جائحة كورونا كانت القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية هي محور اهتمام وسائل الإعلام في كل دول العالم مع اهتمام ضئيل بالقضايا الطبية سوى نشر معلومات طبية بشكل أسبوعي، إلا أن تلك الجائحة قد أظهرت مدى الحاجة إلى الإعلام الطبي لما له من دور توعوي مهم.
المرحلة الثانية: “خلال الأزمة ذاتها”
من خلال صياغة إستراتيجية متكاملة لعمل وسائل الإعلام الرسمية للدولة في أثناء الأزمات، سواء من خلال تحديد المتحدث الرسمي في كل المجالات أو كيفية إدارة الأزمة في ظل التنافس المحتدم مع وسائل التواصل الاجتماعي التي ربما تروج شائعات قد تزيد من حدة الأزمة بما يزيد العبء على وسائل الإعلام سواءً لمتابعة مستجدات الأزمة وتقديمها للجمهور أو التصدي للشائعات التي أضحت جزءًا من الحروب النفسية بين الدول، بل إن هناك دولاً تخصص قنوات وميزانيات لتلك الحروب.
المرحلة الثالثة: “ما بعد الأزمة”
لوحظ أن وسائل الإعلام في بعض الدول ينتهي عملها بانتهاء الأزمات، وإذا كان ذلك يُعدُّ أمرًا جيدًا لأنه من مهام الإعلام عدم التهويل، فإن ما أقصده هو كيفية استثمار وسائل الإعلام لنتائج الأزمة، وربما قدمت وسائل الإعلام الصينية نموذجًا لذلك من خلال الترويج للمساعدات التي قدمتها لكثير من دول العالم خلال جائحة كورونا، بل حتى على مستوى الرأي العام الداخلي في الصين من خلال إرسال صور وشهادات موثقة وتقارير شاملة عن وحدة الشعب الصيني في مواجهة تلك الجائحة.
ملخص القول؛ إن التطور الذي طرأ على طبيعة الأزمات وتداعياتها يتطلب إستراتيجيات وخططًا إعلامية في الدول كافة تتوازى مع ذلك التطور ومتطلباته.