برعاية خادم الحرمين الشريفين.. المنتدى الدولي للأمن السيبراني:
أمن الكمبيوتر أو الأمن السيبراني أو أمن تكنولوجيا المعلومات، هو حماية أنظمة وشبكات الكمبيوتر من الكشف عن المعلومات، أو سرقتها، أو إتلاف أجهزتها أو برامجها أو بياناتها الإلكترونية، وكذلك من الانقطاع أو التضليل في توجيه الخدمات التي يقدمونها.
فقد أصبح المجال ذا أهمية بسبب الاعتماد المتزايد على أنظمة الكمبيوتر والإنترنت ومعايير الشبكات اللاسلكية، مثل: “البلوتوث والواي فاي”، وبسبب نمو الأجهزة الذكية، بما في ذلك الهواتف الذكية، وأجهزة التلفزيون والأجهزة المختلفة التي تشكلها، إضافة إلى إنترنت الأشياء.
ويُعدّ الأمن السيبراني – أيضًا – أحد التحديات المهمة في العالم المعاصر، نظرًا لتعقيد أنظمة المعلومات، سواء من حيث الاستخدام السياسي أو التقني، وهدفها الأساسي هو ضمان موثوقية النظام وسلامته وخصوصية البيانات.
انبثاقًا من تلك الأهمية احتضنت العاصمة السعودية الرياض في يومي 9 و10 نوفمبر 2022م، أعمال النسخة الثانية من المنتدى الدولي للأمن السيبراني، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وتحت شعار “إعادة التفكير في الترتيبات السيبرانية العالمية”، بمشاركة نخبة من صناع القرار والرؤساء التنفيذيين، وكبار المسؤولين الحكوميين، وممثلي أبرز الشركات العالمية، والمنظمات غير الحكومية، والأوساط الأكاديمية والمهتمين بالأمن السيبراني من أكثر من (100) دولة.
تصاعد وتيرة التحديات
وقال أمير منطقة الرياض، صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر، في كلمته خلال افتتاح أعمال المنتدى نيابة عن خادم الحرمين الشريفين: “إن قطاع الأمن السيبراني يشهد تطورًا متسارعًا تتصاعد معه وتيرة التحديات التي يواجهها هذا القطاع الحيوي المهم، ما يجعل تعزيز وتضافر الجهود الدولية في الأمن السيبراني أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى”، مؤكدًا حرص المملكة وفق رؤية (2030م) على تعزيز مكتسباتها التنموية والاجتماعية والاقتصادية، في المجالات كافة، ومنها مجال الأمن السيبراني الذي أولاه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، عناية كبيرة ودعمًا متزايدًا، حتى أثمر ذلك عن حصول المملكة على المرتبة الثانية دوليًّا في المؤشر العالمي للأمن السيبراني لعام 2021م.
من جانبه، قال محافظ الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، المهندس ماجد بن محمد المزيد: “إن العالم يتطور في العديد من الصناعات، والمجال السيبراني ليس مستثنى من ذلك التلاحق”، داعيًّا إلى التكاتف الدولي في توفير فضاء سيبراني آمن في الدول كافة، مشيرًا إلى أن فئات المجتمع كافة قادرة على الإسهام في كبح الثغرات السيبرانية، موضحًا أن المنتدى يفتح آفاقًا واسعة لتشجيع الحوار ومكافحة الثغرات في المجال السيبراني.
بينما حذر وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، المهندس عبد الله بن عامر السواحه، أثناء حديثه في المنتدى من احتياج العالم إلى نهج جديد لحماية نفسه من التهديدات الإلكترونية، داعيًّا إلى المزيد من الإصلاحات وممارسات الأمن السيبراني في مواجهة التهديد المتزايد من المتسللين، مشيرًا إلى أنه بينما صعدت المملكة إلى المرتبة الثانية عالميًّا في تصنيفها للأمن السيبراني، فإن الطريقة الوحيدة للحفاظ على هذا المركز هي من خلال التركيز على ثلاثة أشياء: “إعادة صقل المهارات وإعادة صقل المهارات وإعادة صقل المهارات”.
وحول أهمية المنتدى قال الدكتور محمد الكويتي، رئيس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة: “إنه يشكل فرصة مهمة لجميع المختصين في مجال الأمن السيبراني للمشاركة في صياغة مستقبل الأمن السيبراني العالمي، والعمل معًا على الوقوف على التحديات الراهنة والمستقبلية، ووضع الحلول المبتكرة لها للوصول إلى فضاء سيبراني آمن يُمكّن مسيرة النمو والتطور على مستوى العالم”.
وتحدث أستاذ العولمة والتنمية في جامعة أكسفورد، والنائب السابق لرئيس البنك الدولي ورئيس سياسات البنك الدولي، إيان غولدين، عن الجرائم الإلكترونية والتهديدات في الفضاء على الإنترنت، واصفًا إياها بأنها أشبه بجائحة تتطور، وأن هناك حاجة إلى مزيد من التعاون بين القطاع الخاص والحكومات لمكافحة التهديدات السيبرانية.
من جانبه أكد رئيس شركة أرامكو، أمين الناصر، أن المخاطر السيبرانية مضاعفة الآن تجاه تدمير البنية التحتية للطاقة، وقال: “نمر بمرحلة الرقمنة في الطاقة مما يهدد القطاع باختراقات سيبرانية”، مشيرًا إلى أن محاولة استهداف الطاقة في المملكة سيبرانيًّا يؤثر على الإنتاج العالمي، داعيًّا إلى توفير معايير دولية عالية للحد من الهجمات السيبرانية في كافة القطاعات.
وأوضح الناصر أن تحول قطاع الطاقة العالمي نحو الرقمنة يؤدي إلى تقارب متزايد وتداخل بين تقنيات المعلومات وتقنيات تشغيل المعامل والمصانع، وذلك يزيد – أيضًا –من الخطر المحتمل للهجمات الإلكترونية التي تعطل أعمال التصنيع، وما يجب وضعه في الاعتبار هو أن قطاع الطاقة منظومة معقدة، لذلك من الضروري أن تمتد قوة الأمن السيبراني إلى ما هو أبعد من شركات الطاقة الكبيرة لتشمل جميع مزودي الخدمات في جميع أنحاء سلاسل الإمداد.
وقال عباس كودراتي، كبير مستشاري الأمن السيبراني في شركة مايكروسوفت: “إن نموذج المسؤولية المشتركة بين المزود والعميل ضروري للأمن السيبراني، مشيرًا إلى أن ما يقرب من (97%) من سكان السعودية لديهم اتصال بالإنترنت وإن ما يقرب من نصف مليون جهاز داخل المملكة تتأثر بأنواع مختلفة من البرامج الضارة”.
من جانبه قال المدير العام للمنتدى الاقتصادي العالمي، جيريمي يورغنز: “إن الاتجاه الأكثر أهمية الذي شهده الحدث كان الوعي المتزايد حول التهديدات التي تتعرض لها بنيتنا التحتية الحيوية في مجالات الطاقة والرعاية الصحية والخدمات المالية”، مؤكدًا إنه “من المهم أن نجمع الأشخاص معًا، سواء كانوا لاعبين رئيسيين أو المبتكرين الذين يمكنهم تقديم حلول جديدة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات لمساعدتنا في مواجهة هذه التهديدات”.
(30) جلسة و(120) متحدثًا
شهد المنتدى على مدار يومين انعقاد أكثر من (30) جلسة حوارية بمشاركة (120) متحدثًا دوليًّا، تناولت خمسة محاور أساسية ناقشت: آفاق التغيير في المشهد السيبراني، والاقتصادات السيبرانية، والتطور الجيوسيبراني، ومستقبل العمل السيبراني، والأمن السيبراني للجميع، وذلك بهدف دفع عجلة التطور في القطاع، وتعزيز التكاتف والشراكات بين الجهات الحكومية والخاصة حول العالم.
ناقش المحور الأول “آفاق التغيير في المشهد السيبراني” تهديدات الأمن السيبراني الراهنة والمستقبلية، وكيفية تسخير التقنيات بوصفها حلولاً آمنة، فيما ناقش المشاركون في المحور الثاني “الاقتصادات السيبرانية” مجالات الاستفادة من قوى السوق، والبرامج التحفيزية والحوكمة الاقتصادية، في تشكيل الفضاء السيبراني.
أما المحور الثالث “التطور الجيوسيبراني”، فاستعرض الترتيبات السيبرانية العالمية المتغيرة باستمرار، وبحثت الجلسات في أبعاد موضوعات التطور في مجال النظام الدولي، والتقنيات المستقبلية.
وفي جلسات المحور الرابع “مستقبل العمل السيبراني”، ناقش المشاركون سُبل استقطاب الكفاءات وتنميتها، والحفاظ عليها؛ من خلال فهم التحديات، وتوفير الحوافز الملائمة.
فيما ناقش المحور الخامس “الأمن السيبراني للجميع” البحث في حلول عملية لسد الفجوة السيبرانية عالميًّا، وضمان تحقيق الأمن السيبراني لجميع المجتمعات؛ لا سيما الدول النامية، وفي هذا الشأن قالت رئيسة علم النفس السيبراني في كابيتول تكنولوجي، ماري أيكن: “إن الأمن السيبراني يحمي البيانات والأنظمة والشبكات، لكنه لا يحمي ما يجب أن يكون عليه الإنسان على الإنترنت.. الخبر السار هو أن هناك قطاعًا ناشئًا جديدًا وهو قطاع تكنولوجيا الأمان عبر الإنترنت”.
اختتام وإشادة
في ختام المنتدى أشاد الخبراء وصناع القرار الدوليين الحاضرين بعمق النقاشات التي تخطت البعد التقني في مجال الأمن السيبراني، حيث تناولت الشؤون الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في الفضاء السيبراني، كما تطرقت الجلسات الحوارية إلى أهمية التعاون الدولي، وبحث الحلول العملية لسد الفجوة السيبرانية عالميًّا، واستكشاف مستقبل الأمن السيبراني، وضمان تحقيق الأمن السيبراني لجميع المجتمعات، وإدارة الأزمات في القطاع مع مواكبة التغيرات.
وشهد المنتدى الدولي للأمن السيبراني في نسخته الثانية توقيع عدد من مذكرات التفاهم، أبرزها بين الهيئة الوطنية للأمن السيبراني السعودية وجهات دولية مماثلة، بهدف التعاون في مجالات الأمن السيبراني، وتعزيز حماية الأطفال حول العالم من المخاطر السيبرانية، كما شهد توقيع مجموعة من الاتفاقيات بين عدد من الجهات الوطنية والإقليمية والدولية بهدف تعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني.
ويمثل المنتدى الدولي للأمن السيبراني، منصة تفاعلية عالمية لكافة المعنيين والمختصين بمجال الأمن السيبراني من ممثلي القطاعات الحكومية والخاصة، والمنظمات غير الربحية، والأوساط التعليمية والأكاديمية حول العالم، بهدف نقل المعرفة حول موضوعات الأمن السيبراني، وبناء أسس التعاون بين الدول والمنظمات ليصبح قطاع الأمن السيبراني عنصرًا ممكّنًا في مواجهة التحديات المستقبلية، وصناعة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة وحول العالم.
الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية حققت في عام 2021م، إنجازًا لافتًا في مجال الأمن السيبراني، بعد حصولها على المركز الثاني عالميًّا من بين (193) دولة، وتتبوأ المرتبة الأولى في الوطن العربي والشرق الأوسط وقارة آسيا، وفقًا للمؤشر العالمي للأمن السيبراني.
واستطاعت المملكة العربية السعودية أن تقفز (11) مرتبة عن عام 2018م، في التصنيف الجديد للمؤشر العالمي للأمن السيبراني، وبأكثر من (40) مرتبة منذ إطلاق رؤية (2030م)، حيث كان ترتيبها (46) عالميًّا في نسخة المؤشر لعام 2017م.